الاعترافات بالدولة الفلسطينية.. قصة عمرها 22 عاما

هل ستقود إلى دولة «سيادية» أم دولة «ميكي ماوس»؟

TT

يختلف الفلسطينيون حول أهمية الاعترافات الأخيرة بدولتهم، وإن كانوا يروون في ذلك خطوة مهمة على الطريق الصحيح نحو قيام الدولة، إلا أن الخلاف الرئيسي يصب في ما إذا كانت هذه الاعترافات ستقود نحول دولة ذات سيادة، أم دولة كرتونية. وفتحت السلطة هذا العام «معركة الاعترافات» مع إسرائيل والولايات المتحدة من دون أن تنتظر موافقة أي منهما على عكس ما التزمت به نحو 18 عاما منذ بدء المفاوضات مع إسرائيل. ونجحت السلطة رغم معارضة كل من تل أبيب وواشنطن في انتزاع اعترافات من دول مهمة، مثل البرازيل والأرجنتين، بينما تنتظر اعترافات من دول أخرى لا تقل أهمية. وقصة الاعترافات هذه لم تبدأ هذا العام، لكنها بدأت قبل 22 عاما، عندما أعلن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قيام دولة فلسطين، من الجزائر. وهو ما قاد إلى أكثر من 100 اعتراف بالدولة الفلسطينية آنذاك.

لكن السلطة بعد أن فقدت الأمل في مفاوضات تأتي لها بالدولة، عادت من جديد إلى أسلوب «نزع الاعتراف بالدولة».

وحتى الآن اعترفت بالدولة الفلسطينية 113 دولة، بينها روسيا قديما والأرجنتين حديثا، أما آخر الدول المعترفة فكانت «بوليفيا»، ويتوقع أن تعترف الإكوادور في أي لحظة، ليرتفع العدد إلى 114.

وترى السلطة في هذه الاعترافات بداية «الاستقلال»، وقال صائب عريقات، رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذه الاعترافات تحمل دلالة كبيرة مفادها أن فلسطين بدأت تحدد على حدودها الصحيحة عام 67، وهو الأساس الذي نتحرك بموجبه».

أما نبيل شعث، عضو اللجنة المركزية لفتح، ومسؤول العلاقات الدولية فيها، فيرى أن اعترافات الدول بالدولة الفلسطينية «أسلوب للحراك الدولي وحشد الدعم للنضال الفلسطيني في وجه إسرائيل وأميركا». ويعرف شعث أن الاعتراف لن يدحر الاحتلال الإسرائيلي، لكنه من وجهة نظره «يقوي موقفنا ويعزل إسرائيل ويحاصرها».

وحدد السفير السابق لدى الأمم المتحدة، والمستشار الحالي نبيل الرملاوي، أهمية الاعترافات في 6 مسائل كما كتب، وهي «أولا: عدم جواز إخضاع الحق في تقرير المصير لشعبنا إلى أي نوع من المفاوضات مع إسرائيل. وثانيا: أن الاعترافات بعد اثنين وعشرين عاما هي بلا شك اعترافات بالدولة التي جرى الإعلان عن قيامها في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 بالجزائر، وتعزيز جديد لقرار المجلس الوطني الفلسطيني في هذا الشأن. وثالثا التأكيد على عدم الحاجة إلى أي نوع من الإعلان مجددا في هذا الشأن. ورابعا: زيادة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. وخامسا: تعزيز الاعتراف الدولي بالكيانية السياسية والحقوقية والمجتمعية الفلسطينية ممثلة في الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض فلسطين. وسادسا: أهمية صحة التوجه السياسي والدبلوماسي بشأن الاعتراف بالدولة بالنظر لما أحدثه ذلك من جنون مسعور لدى الدوائر السياسية الإسرائيلية وتسارعها في البدء بحملة دبلوماسية مضادة لمواجهة هذا التقدم الفلسطيني على الصعيد الدولي».

ولم تتوقف جهود السلطة عند طلب مزيد من الاعترافات، بل راحت تسعى إلى رفع التمثيل عند الدول غير المأمول أن تعترف في الوقت الحالي، ونجحت السلطة في إقناع فرنسا وإسبانيا والبرتغال والنرويج من دول الاتحاد الأوروبي، برفع التمثيل الدبلوماسي، بينما تبذل جهودا الآن مع بريطانيا وإيطاليا وقبرص وفنلندا وبلجيكا وآيرلندا والنمسا وغيرها من أجل رفع التمثيل.

وأكد عريقات أن 10 دول أوروبية سترفع التمثيل الفلسطيني لديها في الفترة القادمة، واصفا الأمر بأنه «ثمرة للحراك الفلسطيني لدراسة مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية على الحدود التي احتلتها إسرائيل عام 1967».

وكانت دول الاتحاد الأوروبي التي وافقت على رفع التمثيل، والتي لم توافق بعد، رفضت في حقيقة الأمر الاعتراف بالدولة الفلسطينية كما طلب الفلسطينيون، وقالت إن ذلك سيأتي في الوقت المناسب، حالها حال الولايات المتحدة التي رفضت نهائيا الأمر واتخذت قرارا في الكونغرس الأميركي بعرقلة أي خطوة في مجلس الأمن لإعلان دولة فلسطينية من دون اتفاق مع إسرائيل. ولم يزعج الرفض الأوروبي السلطة، باعتباره جاء مصحوبا بالتأكيد على استعداد الدول للاعتراف في الوقت المناسب، ولأنه أدان إسرائيل وسياستها الاستيطانية كثيرا، لكن الرفض الأميركي أغضب السلطة التي قدمت اعتراضا رسميا على قرار الكونغرس الأميركي الداعي لاستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرار لإقامة دولة فلسطينية.

ووصفت السلطة على لسان عريقات القرار الأميركي بأنه من شأنه أن يضعف الموقف الأميركي الراعي لعملية السلام، وأكدت أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 هو قرار حر ومستقل وسيادي خاص بكل دولة، ولا يحق للولايات المتحدة أن تمنع الدول الأخرى من ممارسة هذا الحق السيادي.

ورغم أن هذه الخطوات أزعجت إسرائيل، التي بدأت حملة دبلوماسية واسعة لإحباط مزيد من النجاحات الفلسطينية، فإن الفلسطينيين أنفسهم لم يروا أهمية كبيرة لهذه الاعترافات باعتبار أنها وحدها غير كافية لإقامة دولة ذات سيادة.

ولم يكن مستغربا في رام الله موقف حماس، التي قال رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل إن الشعب الفلسطيني يريد دولة «حقيقية»، لا «شكلية»، وإنه لا خيار أمام الشعب الفلسطيني سوى المقاومة. مضيفا أن «الشعب الفلسطيني لا يريد دولة شكلية يستجدي اعتراف دول العالم بها.. إن شعبنا يريد دولة حقيقية على أرضه من دون احتلال، بسيادة حقيقية على كل أرضه الفلسطينية».

لكن الصدمة الحقيقية لدى قيادة السلطة وفتح، كانت من رئيس الوزراء سلام فياض، الذي وصف دولة فلسطينية تقوم على هذه الاعترافات بدولة «ميكي ماوس». ويستند فياض إلى أن الدولة لا يمكن أن تكون ذات سيادة من دون اتفاق مع إسرائيل «ومن دون توحيد شطري الوطن».

ورفضت قيادة السلطة وحركة فتح تصريحات فياض في هذا الشأن، التي قال فيها إن إعلان الدولة من جانب واحد سيجعلها دولة ميكي ماوس.

وقالت مصادر في الحركة لـ«الشرق الأوسط» إن هذه التصريحات غير مقبولة ولا مفهومة، ومستغربة، وتأتي في وقت حرج. وأضافت المصادر أن ذلك يمثل ضربة لكل الجهود التي تقودها الحركة والرئيس الفلسطيني محمود عباس لانتزاع مزيد من الاعترافات بالدولة الفلسطينية.

وجاءت تصريحات فياض في وقت كانت تباهي فيه السلطة وتسعى لمزيد من الاعترافات بالدولة الفلسطينية. وأكدت المصادر أن الحركة غاضبة جدا من تصريحات فياض، وأن عضو اللجنة المركزية للحركة نبيل شعث اتصل به وعاتبه وسأله عن سبب تصريحاته تلك، فرد فياض بأنه يقصد أن الاعتراف وحده من دون الحصول على سيادة سيحول الدولة إلى دولة «ميكي ماوس».

وكان فياض قال لقناة التلفزيون الإسرائيلية الثانية إنه لا يؤيد إعلان قيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد، معتبرا أنها لن تكون سوى «دولة ميكي ماوس» مع بقاء الاحتلال الإسرائيلي على أراضيها.

وقال فياض «ما نسعى إليه هو دولة فلسطينية، نحن لا نسعى إلى إعلان استقلال إضافي»، في إشارة إلى إعلان الاستقلال في عام 88 في الجزائر.

إلا أن قادة فتح يقولون إن ما يجري الآن ليس منفصلا عن إعلان الاستقلال السابق، وإن السلطة تريد من الدول التي لم تعترف في ذلك الوقت بالدولة، أن تعترف الآن.

وربطت فتح بين رفض فياض لإعلان دولة من دون اتفاق، وإطلاقه العام الماضي خطة لبناء مؤسسات الدولة قبل صيف 2011 تمهيدا لقيامها.

وأكد فياض أن خطته تسير بشكل صحيح في الخط المرسوم لها، إلا أن السيادة تتوقف على موافقة إسرائيل. وقال «واقع الدولة يمكن أن يكون موجودا من جهة المؤسسات العاملة، لكن مع بقاء الجيش على أراضينا فإنها لن تكون دولة ذات سيادة وإنما دولة ميكي ماوس». وأردف «لا نريد دولة ميكي ماوس، ولا نريد شكلا من أشكال الإدارة الذاتية، نريد دولة فلسطينية ذات سيادة نعيش فيها نحن الفلسطينيين شعبا حرا».

وفياض أول مسؤول فلسطيني غير معارض لنهج السلطة، يعلن بشكل صريح رفضه لخطوات إعلان الدولة من جانب واحد، وقال شعث ردا على فياض «الشعوب لا تستأذن أحدا في إعلان استقلالها».

أما في الجهة المقابلة، التي تترقب كل خطوة وموقف وتصريح وتحرك بعيون ثاقبة، فقد استنفرت إسرائيل لمواجهة هذه الخطط الفلسطينية، وباشرت حملة دبلوماسية واسعة في مختلف دول العالم لمواجهة المسعى الفلسطيني للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 67، وأعطت تعليمات لكل سفرائها للقيام بحملة دبلوماسية لمنع الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومنع رفع التمثيل الفلسطيني لدى الكثير من الدول.

وتخشى إسرائيل من أن رفع التمثيل الفلسطيني في دول بالغة الأهمية مثل «بريطانيا، السويد، بلجيكا، فنلندا، ألمانيا، الدنمارك، مالطا، لوكسمبورغ، النمسا»، على سبيل المثال، سيقود إلى طرح موضوع الدولة الفلسطينية على مجلس الأمن حال استمرار فشل المفاوضات.

ولم تخف «هآرتس» أن اعتراف بعض الدول من أميركا الجنوبية بالدولة الفلسطينية، واستعداد دول أوروبية لرفع التمثيل، باتا يشكلان قلقا كبيرا لإسرائيل، وهذا ما دفع الخارجية الإسرائيلية إلى طلب المساعدة من أميركا لوقف انهيار العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول. وتقول إسرائيل إن القرار الأخير بشأن مستقبل الضفة والقطاع يجب أن يحل بواسطة المفاوضات.