غزة 2010: تراجع حدة الحصار واستمرار التهدئة

تصاعد التوتر بين جماعات السلفية الجهادية وحماس

TT

يوشك عام 2010 على الانتهاء، وما زالت غزة ترزح تحت أعباء ثقيلة، جراء آثار الحرب الإسرائيلية عليها قبل نحو عامين، ونتيجة تواصل الحصار، وبفعل تداعيات الانقسام الداخلي.

فلا يزال الطاقم المهني في مستشفى «دار الوفاء» لتأهيل المعاقين شرق مدينة غزة يعمل على مدار الساعة للتعامل مع المئات من الجرحى الذين أصيبوا خلال الحرب الأخيرة على القطاع، وأصيبوا بإعاقات دائمة، حيث يؤكد القائمون على المستشفى أنه لولا أن عددا كبيرا من المصابين تلقوا العلاج في الخارج لما كان بوسعهم مواجهة هذه الأعباء.

اثنان من إخوة إبراهيم، أحد عناصر الأمن الوطني الذي أصيب بجراح بالغة في القصف الذي استهدف مقار الأجهزة الأمنية في اليوم الأول من الحرب، يرافقانه كل أسبوعين إلى المستشفى لإجراء عمليات تدليك ومتابعة بسبب التهتكات التي أصابت بعض أطرافه.

وليس بعيدا من المستشفى، هناك مشهد آخر يذكر بالحرب التي يعتبرها الفلسطينيون «الأقسى» التي مروا بها، فما زالت هناك العشرات من الخيام التي أقيمت من أجل إيواء العائلات التي دمرت منازلها خلال الحرب. فبينما ينشغل الأطفال باللهو في محيط الخيام، تطرق إحدى النساء على مدخل إحدى الخيام في تفكير عميق، وكأنها تقول لنفسها «إلى متى هذه المعاناة»، ويكسر حبل تفكيرها أحد أطفالها الذي يطلب ما يأكله. لقد فقدت أربعة آلاف عائلة منازلها بعد أن تدمرت بفعل القصف الإسرائيلي، والأغلبية الساحقة تقطن حاليا في شقق سكنية مؤجرة. وبسبب عدم توافر الإسمنت ومتطلبات البناء بفعل الحصار، فإن قلة قليلة من ذوي المنازل المدمرة قد تمكنت من بناء بيوت متواضعة. وللتغلب على هذه المعضلة لم يجد بعض أصحاب المنازل المدمرة بدا سوى الاعتماد على الطين في بناء بيوتهم، حيث وجدوا في الطين الناتج من حفر الأنفاق مادة أساسية للبناء، لكن هذه التجربة كانت على نطاق ضيف ولم تتجاوز كثيرا مدينة رفح. وخلال هذا العام تواصل ظهور المؤشرات والدلائل على استخدام إسرائيل أسلحة وذخيرة تحتوي على مواد مشعة خلال عمليات القصف أثناء الحرب. ويؤكد الدكتور حسن عاشور، مدير مستشفى دار الشفاء الطبي، تزايد عدد الأجنة التي تولد بشكل مشوه. وأوضح عاشور أن هناك مؤشرات على أن نحو 60% من حالات الإجهاض للنساء الحوامل في غزة هي نتيجة تشوهات خلقية في الأجنة، منوها بأن هناك مؤشرات تربط بين ارتفاع نسبة التشوهات واستخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي للفوسفور الأبيض في حربها على غزة. ومن جانبه، أوضح الدكتور صلاح جاد الله، أستاذ الهندسة الوراثية في الجامعة الإسلامية بغزة، أن بحثا أجرته طالبات قسم الأحياء في الجامعة دلل على أن تأثير الأشعة على الأنبوب العصبي لدى الإنسان الفلسطيني في القطاع قد زاد خلال الحرب بشكل كبير.

من ناحية ثانية، تواصلت خلال هذا العام مظاهر التهدئة غير المعلنة بين إسرائيل من جهة ومعظم الحركات الفلسطينية وتحديدا حركة حماس، حيث إن كل المؤشرات تدل على أن الحركات الفلسطينية ملتزمة بالتهدئة، باستثناء الجماعات المنتمية للسلفية الجهادية التي يسود توتر شديد علاقتها بحركة حماس. وتقوم مجموعات صغيرة من السلفية الجهادية التي تتخذ مسميات مختلفة بإطلاق قذائف الهاون وقذائف صاروخية محلية الصنع باتجاه المستوطنات اليهودية الواقعة للشرق من الخط الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة، حيث إن رد الفعل الإسرائيلي يتخذ آليتين، حيث إن إسرائيل تحاول الرد بشكل مركز على عناصر الجماعات السلفية، لا سيما اعتمادا على المعلومات الاستخبارية، كما حدث مطلع الأسبوع الحالي، حيث قتل خمسة من عناصر هذه الجماعات بينما كانوا يعدون العدة لإطلاق قذائف. أما الآلية الثانية وهي الأكثر ثباتا فهي قصف أهداف لحركة حماس والأنفاق، حيث إن إسرائيل تتخذ من عمليات القذائف التي تقوم بها الجماعات السلفية والتي في الغالب لا تؤدي إلى إحداث أضرار تذكر مبررا لاستهداف حركة حماس والأنفاق، حيث إنه في كل مرة يتم فيها إطلاق قذائف تقوم طائرات «إف 15» بإلقاء قنابل تزن الواحدة منها طنا على الشريط الحدودي الذي يربط قطاع غزة بمصر، من أجل تدمير أكبر عدد من الأنفاق، وبالفعل فقد أدت عمليات القصف إلى تدمير عدد كبير من الأنفاق، وإن كان معظم الأنفاق التي دمرت قد استهدفت من قبل أجهزة الأمن المصرية. ويحرص الجيش الإسرائيلي من خلال ذلك على تحقيق هدفين، الأول المس بعمليات تهريب السلاح والمعدات القتالية التي يزعم أنها تتواصل عبر الأنفاق التي تربط قطاع غزة بمصر، والثاني السماح باستهداف معسكرات التدريب التابعة لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، المنتشرة في أرجاء قطاع غزة، علاوة على استهداف ورشات الحدادة والخراطة التي يزعم أنها تستخدم في تصنيع القذائف الصاروخية.

وعلى صعيد الحصار، فقد مثلت رحلة أسطول الحرية المتجه إلى غزة في نهاية مايو (أيار) الماضي، والذي لم يصل إلى مبتغاه، نقطة تحول فارقة في واقع الحصار، فقد أدى الهجوم الإسرائيلي على السفينة التركية «مرمرة»، والذي أدى إلى مقتل تسعة من المتضامنين الأتراك، إلى ردود فعل تركية وعالمية كبيرة، مثلت ضغطا على إسرائيل لتغيير سياساتها تجاه قطاع غزة، وهذا ما تحقق بالفعل. ولم تجد حكومة نتنياهو، التي كانت واقعة تحت تأثير وقع التحولات الاستراتيجية الهائلة التي طرأت على علاقتها مع حليفها السابق تركيا، بدا سوى الموافقة على تخفيف كبير للحصار، حيث تم السماح بمرور الكثير من المواد الغذائية التي كانت تدخل عبر الأنفاق، لكن إسرائيل حرصت مع ذلك على إدخال المواد ذات الطابع الاستهلاكي فقط، وواصلت رفضها إدخال مواد البناء والوقود، وهو ما يعني تأجيل عملية إعادة إعمار ما دمره الجيش الإسرائيلي خلال الحرب على القطاع، حيث وافقت إسرائيل على السماح فقط بدخول مواد بناء لمشاريع محدودة تشرف عليها الـ«أونروا». لكن تخفيف القيود على دخول المواد الغذائية عبر المعابر التجارية بين إسرائيل وقطاع غزة أدى للمس بمئات الأنفاق التي حفرت على طول الحدود.