سبتة ومليلية.. قضية مزمنة تعود إلى الأضواء في 2010

الغضب داخلهما هدد باحتكاكات مغربية ـ إسبانية

TT

تصدرت قضية سبتة ومليلية، المدينتان اللتان تحتلهما إسبانيا في شمال المغرب، الاهتمام خلال هذه السنة في المغرب. اهتمام كاد يؤدي إلى احتكاكات فعلية بين المغرب وإسبانيا، وتجسد في اندلاع «حالة غضب» داخل المدينتين، وتارة في اندلاع أحداث عند نقاط الحدود، وصلت إلى حد استعمال العنف من طرف الأمن الإسباني، كما يقول المغاربة.

ملف العلاقات المغربية - الإسبانية يتسم بالغرابة، إذ إن المتأمل للرسم البياني لهذه العلاقات، يلاحظ أن الخط الاقتصادي والتجاري يعلو كثيرا في حين أن خطوط العلاقات السياسية والدبلوماسية تنحدر كثيرا أيضا، إذ تضع الاستثمارات الإسبانية المغرب، الجارة الإسبانية، في مرتبة الشريك الاقتصادي الثاني بعد فرنسا، لكن العلاقات السياسية عادة ما تمر بمطبات كثيرة.

وعكس تذبذب العلاقات بين البلدين خلال هذه السنة، وعدم انسجامها، الخلافات الجانبية بينهما «وهي علاقات يقدر عمرها بالقرون لكن يطبعها سوء تفاهم تاريخي»، على حد تعبير لويس بلاناس، سفير إسبانيا السابق في الرباط، جاءت الاحتجاجات الأخيرة التي هزت سبتة ومليلية لتعيد إلى الواجهة «قضية استعمار» طال أمده، وظل يثقل العلاقات بين الرباط ومدريد ويجعلها في حالة صعود وهبوط.

تاريخيا، تعرضت سبتة أول مرة للاستعمار البرتغالي عام 1415، وبعد قرنين وربع القرن انتزعها منهم الإسبان وبقيت في أيديهم حتى اليوم. وفي 1669 احتل الجيش الإسباني مليلية في إطار ما سمي «حروب الاسترداد» بعد سقوط حكم المسلمين في الأندلس. ولا تتجاوز مساحة سبتة 18.5 كلم مربع، وهي تقع بالقرب من مدينة تطوان. بينما تقدر مساحة مليلية، التي تقع بالقرب من مدينة الناضور، بنحو 11.5 كلم مربع.

وتقع المدينتان داخل الأراضي المغربية، وفي مجالها البحري، وهما بذلك تنتميان إلى القارة الأفريقية، ومع ذلك ما زالتا خاضعتين للسيادة الإسبانية، وتتمتعان بالحكم الذاتي في إطار السيادة الإسبانية منذ 1995.

فشلت كل المحاولات المغربية لاسترجاع هذه المناطق المحتلة، سواء من طرف الأنظمة المغربية المتعاقبة أو من طرف المقاومة. وهناك من يعتقد أن المفاوضين المغاربة قبل استقلال البلاد أخطأوا في عدم إدراج سبتة ومليلية في المفاوضات من أجل الاستقلال، وبذلك بقيت المدينتان خاضعتان للاستعمار الإسباني على الرغم من استقلال المغرب سنة 1956.

ومنذ ذلك التاريخ والمغرب يطالب باسترجاع المدينتين، لكنها ظلت مطالبة شفوية. ولم يشأ المغرب القيام بأي تصعيد في هذا الجانب. حتى أن الملك الراحل الحسن الثاني، صاحب فكرة تنظيم «المسيرة الخضراء» باتجاه الصحراء التي كان يحتلها الإسبان لم يربط بين القضيتين.

وتقول المصادر المغربية إن المفاوضات المغربية - الإسبانية التي سبقت «المسيرة الخضراء» عام 1975، لم تطرح ربط سبتة ومليلية مع قضية الصحراء، لأن ذلك «كان أشبه ما يكون بمخاطرة وضع البيض كله في سلة واحدة»، خاصة أن الإسبان اشترطوا في تلك المفاوضات على الرباط شرطين، قبلهما المغرب على مضض.

وكان أول الشرطين السماح للأسطول الإسباني بالصيد في المياه المغربية المقابلة لجزر الكناري. أما الشرط الثاني فكان يقتضي من المغرب أن لا يطالب بحقوقه السيادية على سبتة ومليلية قبل مرور عشر سنوات على اتفاقية مدريد 1975، التي أرجعت إسبانيا بمقتضاها الصحراء إلى المغرب. وخلال العشرية الممتدة ما بين 1975 و1986 أعدت الحكومة الإسبانية خطة بات جليا أنها تتسم بقدر كبير من المناورة، وكان هدفها جعل سبتة ومليلية إسبانيتين اجتماعيا وثقافيا وعمرانيا واقتصاديا. ولاقت سياسة «أسبنة» المدينتين المحتلتين احتجاجات من طرف المغاربة أصحاب الأرض، بيد أن الرد على تلك الاحتجاجات كان عنيفا وشرسا، وشمل الاعتقالات والمنع من امتلاك العقارات والتهجير من سبتة ومليلية، أي التهجير من المغرب إلى المغرب. وفي عام 1983، على سبيل المثال، تم ترحيل نحو 1500 مغربي من المدينتين.

وفي تاريخ المدينتين المستعمرتين، ليست الاحتجاجات التي جرت خلال هذه السنة هي الأولى من نوعها التي هزتهما، إذ كان التظاهر خلال القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين يأخذ طابع التمرد ورفض واقع الاحتلال، وأصبح مع مطلع القرن الواحد والعشرين، يأخذ في الغالب طابع رفض التهميش المفروض على المغاربة من سكان المدينتين. لذلك يمكن اعتبار الاحتجاجات التي هزت سبتة ومليلية خلال فترات متقطعة كان أشدها خلال الأسابيع الأخيرة من بين الأحداث السياسية الأبرز التي ميزت عام 2010 بالمغرب، وقد وجدت «انتفاضة الموروس» الجو النفسي والسياسي مواتيا لتأجيج الاحتجاج، ذلك أنها أتت عقب تدخلات إسبانية إعلامية وسياسية في الشؤون الداخلية للمغرب خصوصا عقب أحداث العيون.