تونس: أحداث سيدي بوزيد تطيح بوزير الإعلام والرئيس بن علي يعلن تفهمه لها وينتقد استغلالها سياسيا

القذافي يطلب من حكومته فتح سوق العمل في ليبيا أمام التونسيين دون قيود

TT

أجرى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أمس تعديلا حكوميا جزئيا طال عدد من الوزراء، بينهم وزير الاتصال (الإعلام)، الذي تعرض لانتقادات شديدة حول فشل وزارته في تغطية الاضطرابات التي شهدتها ولاية سيدي بوزيد، وإطلاع التونسيين على ما جرى من خلال قنوات بلادهم التلفزيونية والإذاعية.

وأعلنت وكالة الأنباء التونسية الرسمية أن الرئيس بن علي عين سمير العبيدي، الذي كان يشغل منصب وزير الشباب والرياضة، وزيرا للاتصال خلفا لأسامة الرمضاني، وهو صحافي ومدير عام سابق لوكالة الاتصال الخارجي.

وتم تعيين عبد الحميد سلامة خلفا للعبيدي، وزيرا للشباب والرياضة.

وطال التعديل أيضا وزارات الشؤون الدينية والتجارة والصناعات التقليدية. إذ عين كمال عمران، وزيرا للشؤون الدينية، وسليمان ورق، وزيرا للتجارة والصناعات التقليدية، وعبد الوهاب الجمل، كاتب دولة (وزير دولة) لدى وزير الخارجية مكلفا بالشؤون الأوروبية.

ودعا أحمد نجيب الشابي، الأمين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدمي المعارض أمس في مؤتمر صحافي، إلى إقالة كل من وزير الداخلية، ووزير الاتصال (الإعلام)، محملا إياهما مسؤولية «تدهور الأوضاع». وقال إنهما فشلا فشلا ذريعا في إدارة الأزمة الاجتماعية التي عرفتها البلاد، مشيرا إلى أن وزارة الداخلية انتهجت، حسب تعبيره، الحلول الأمنية لمعالجة الاحتجاجات الاجتماعية، أما وزارة الاتصال فقد فشلت في تغطية الأحداث وإطلاع التونسيين على ما يدور في بلادهم عبر قنواتهم التلفزيونية والإذاعية المحلية.

وطالب الحزب، من ناحية أخرى، بإطلاق سراح معتقلي الاحتجاجات، معلنا أنه لا يملك أرقاما محددة حول ذلك، بيد أنه أشار إلى أن هناك رقما مؤكدا هو بقاء 24 شابا من مدينة الرقاب رهن الاعتقال حتى الآن. كما أعلن عن اعتقال عطية العثموني، عضو المكتب السياسي للحزب، الذي اعتقلته السلطات التونسية مساء أول من أمس، على خلفية مشاركاته المتعددة في القنوات التلفزيونية الأجنبية، وتزويدها بآخر مستجدات الأحداث في سيدي بوزيد. واجتمع الرئيس بن علي أمس بمحمد الغنوشي، رئيس الوزراء، وأذن له بوضع برنامج استعجالي للتشغيل، وتوفير موارد الرزق لفائدة حاملي الشهادات العليا ممن طالت فترة بطالتهم، وذلك بتضافر جهود كل الأطراف من إدارة ومؤسسات عمومية وخاصة، بما يشمل كل جهات البلاد. وأعرب الرئيس التونسي عن تقديره وشكره لرجال الأعمال الذين بادروا بالإعلان عن مشاريع جديدة مشغلة، تجاوبا منهم مع دعوته.

وقرر الرئيس بن علي أن يكون موضوع التنمية الجهوية بندا قارا بمجلس الوزراء.

وفي طرابلس، طلب الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي من حكومته فتح سوق العمل في ليبيا أمام التونسيين دون قيود، في وقت تشهد فيه تونس أعمالا احتجاجية بسبب تفشي البطالة. وأفادت وكالة الأنباء الليبية الرسمية (جانا) الليلة قبل الماضية أن القذافي وجه الحكومة «باتخاذ الإجراءات الفورية برفع كل الرسوم والقيود الإدارية والمالية عن دخول أبناء الشعب التونسي إلى ليبيا، سواء كان لغرض السياحة أو العمل أو لأي أغراض أخرى، وأن يعاملوا معاملة أشقائهم الليبيين».

وكان الرئيس بن علي قد أعلن، في كلمة وجهها إلى الشعب التونسي الليلة قبل الماضية، وبثتها محطات الإذاعة والتلفزيون، أنه «يتفهم» الحوادث التي شهدتها منطقة سيدي بوزيد، بيد أنه قال إنها اتخذت «أبعادا مبالغا فيها» بسبب «استغلالها سياسيا» من قبل أطراف لم يسمهم. وذكر الرئيس التونسي أنه تابع «بانشغال، ما شهدته سيدي بوزيد من أحداث خلال الأيام المنقضية»، واتهم «أقلية من المتطرفين والمحرضين المأجورين» بالتسبب في أعمال العنف.

وأدان بن علي «لجوء أقلية من المتطرفين والمحرضين المأجورين ضد مصالح بلادهم إلى العنف والشغب في الشارع، كوسيلة للتعبير»، مؤكدا أنه «أمر مرفوض في دولة القانون، مهما كانت أشكاله». وزاد قائلا إن هذا «مظهر سلبي وغير حضاري يعطي صورة مشوهة عن بلادنا، تعوق إقبال المستثمرين والسياح، بما ينعكس على خلق فرص الشغل التي نحن في حاجة إليها للحد من البطالة». وقال إن القانون «سيطبق على هؤلاء بحزم».

من جهة ثانية، أكد الرئيس التونسي «تفهمه لصعوبة وضع البطالة وتأثيرها النفسي على صاحبها»، مؤكدا «أننا متمسكون دوما بالبعد الاجتماعي لسياستنا التنموية حتى لا تحرم جهة أو فئة من حظها في التشغيل والاستثمار». وجاءت تصريحات الرئيس التونسي خلال زيارة قام بها لمحمد البوعزيزي الشاب الذي أقدم على إحراق نفسه وأصيب بحروق خطيرة نقل على أثرها إلى مستشفى الحروق البليغة في بن عروس في الضاحية الجنوبية للعاصمة.

وقالت وكالة الأنباء الرسمية التي نقلت تصريحات بن علي إن الرئيس التونسي عاد المصاب في المستشفى «للاستفسار عن تطور وضعه الصحي». وأضافت أن بن علي استقبل في القصر الرئاسي في قرطاج والدة المصاب وعائلتين من منطقة سيدي بوزيد.

وجاء خطاب الرئيس بن علي بعد مرور أكثر من أسبوع على اندلاع الاشتباكات، التي جرت في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في مدينة سيدي بوزيد الواقعة وسط غرب البلاد على بعد 265 كم عن تونس العاصمة.

إلى ذلك، أجمعت مصادر متطابقة في ولاية سيدي بوزيد على تراجع حدة التوتر الاجتماعي الذي عرفته المنطقة منذ 11 يوما، وذلك على أثر خطاب الرئيس التونسي.

وقال محمد الميراوي، وهو ناشط نقابي، لـ«الشرق الأوسط»، إن يوم أمس كان هادئا في سيدي بوزيد، مشيرا إلى أن قوات الأمن متحكمة في الوضع، وأنها واصلت تطويق المقرات الحكومية على غرار البلديات والمعتمديات، إلى جانب تطويق مقرات الاتحاد العام التونسي للشغل (اتحاد عمالي)، المؤطر الرئيسي للاحتجاجات الاجتماعية.

وانتقد الميراوي لغة التهديد المبطنة، التي أعلنت عنها السلطات التونسية، والإجراءات التي اتخذتها لصالح ثلاث عائلات متضررة، وهي عائلة محمد البوعزيزي، الذي أضرم النار في نفسه، وعائلة محمد العماري، الذي أطلقت عليه قوات الأمن النار، وعائلة حسن بن صالح ناجي، الذي توفي بصعقة كهربائية، مؤكدا أن الأمر ليس محصورا في هذه العائلات الثلاث بل يتعداها إلى منطقة كاملة محرومة من أسباب التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

وقال صالح البوعزيزي، وهو من سكان مدينة سيدي بوزيد، إن الأجواء عادية في المدينة، وإن السلطات المحلية ممثلة في والي (محافظ) المنطقة نزلت للشارع للتحدث مع المواطنين في محاولة لتحجيم حالة الاحتقان الاجتماعي الذي عرفه منذ أكثر من أسبوع.

وفي السياق ذاته، قال سالم البوعزيزي، شقيق محمد البوعزيزي، الذي أضرم النار في جسده، إن الرئيس التونسي عبر عن استعداده لتسفير شقيقه للتداوي في فرنسا إذا لزم الأمر، كما وعد والدته بمنحة اجتماعية قارة مراعاة لظروفهم الاجتماعية الصعبة إلى جانب التكفل بمصاريف دراسة شقيقته.