الرئيس الكوري الجنوبي.. بين ضغوط الشارع والحسابات الدولية

لي ميونغ باك: اعتقدنا أن بإمكاننا إبقاء شبه الجزيرة الكورية سلمية بالتسامح.. لكن هذا لم يكن صحيحا

TT

دفعت الأعمال «الاستفزازية» الأخيرة التي قامت بها كوريا الشمالية، وألقت بظلالها على الرأي العام في كوريا الجنوبية، الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونغ باك إلى تغيير استراتيجيته في التعامل مع الشمال. فقد كانت الطريقة القديمة هي: «تعامل بحذر»، وأصبحت الطريقة الجديدة هي: «كن أكثر تشددا».

وقد أثار تغيير الرئيس لي طريقة تفكيره قلقا محدودا، لكنه متزايد، لدى إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حيث يشعر المسؤولون بالقلق من أن كوريا الجنوبية «العدوانية» بشكل مفرط يمكن أن تصبح عائقا بسبب قدراتها الخاصة.

ويتوقع محللون سياسيون في سيول وواشنطن أن الرئيس لي سيواجه قريبا ضغطا من الولايات المتحدة من أجل إعادة التواصل دبلوماسيا مع كوريا الشمالية، لكن الرئيس لي تحول إلى تبني توجه قوي بشكل متزايد في الأسابيع الأخيرة بعدما تعرض إلى انتقادات بشأن هجوم سيول المضاد الأولي الضعيف ردا على قصف بيونغ يانغ لجزيرة يونبيونغ يوم 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وقال لي في خطاب إذاعي أول من أمس: «الخوف من الحرب ليس مفيدا على الإطلاق في منعها. وإذا صممنا بحزم على تحمل أي مخاطر، فإننا يمكن أن نصد أي مخاطر بارزة».

وفي سيول، يناقش السياسيون منذ فترة طويلة أفضل سياسة للتعامل مع كوريا الشمالية، وعثروا على سلبيات لكل حل. ويواجه الرئيس لي الآن ضغطا داخليا للحفاظ على ثباته، وضغطا دوليا من أجل تقليل التوتر بشأن شبه الجزيرة الكورية. وفي الآونة الأخيرة، منح الرئيس لي أولوية لأول هذه المطالب. ولكن مع بقاء عامين في فترة رئاسته، ستشكل طريقة تلبيته لما وصفه أحد الدبلوماسيين الغربيين بـ«تحدي الإرث السياسي من أجل وضع كوريا الشمالية مجددا في الصندوق»، الأمن في كوريا الجنوبية، حيث تنشر الولايات المتحدة 28.500 جندي من قواتها.

وقد عدل الرئيس لي مؤخرا قواعد التعامل مع كوريا الشمالية، وجعل من الأسهل الرد بقوة أكبر ضد الشمال، كما عين أيضا وزير دفاع جديدا، هو كيم كوان جين، الذي دعا إلى توجيه ضربات جوية إضافية إذا شنت كوريا الشمالية هجمات مجددا.

وزار الرئيس لي خلال الأسبوع الماضي قوات كورية جنوبية وأبلغها بأن الاعتداءات المستقبلية من بيونغ يانغ ستتطلب «هجوما مضادا قويا». وذكر أيضا أن معتقداته القديمة كانت خاطئة عندما قال: «اعتقدنا أننا يمكن أن نبقي هذه المنطقة سلمية بالتسامح. لكن هذا الأمر لم يكن صحيحا».

وما يتوقعه بعض المحللين بالتحديد هو إقدام كوريا الشمالية على خطوة أخرى. وقال بروس كلينغنر، وهو محلل سابق متخصص في شؤون كوريا الشمالية لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والباحث الحالي في مؤسسة «هيريتدج» الأميركية: «ليس من المنطقي التفكير في أننا قد رأينا آخر استفزازات كوريا الشمالية. وحتى الآن، تندفع كوريا الشمالية إلى القيام باستفزازات إضافية، ويندفع لي ميونغ باك إلى الرد بشكل أكثر قسوة، حتى وإن كان هذا يؤدي إلى حدوث صراع. وعندما يكون لديك هذا الوضع، يزداد احتمال التعرض لسوء حساب».

ولعدة سنوات، ردت كوريا الجنوبية على الاعتداءات المتقطعة لكوريا الشمالية بالتراجع، وهي وسيلة للحفاظ على الكثير من الأشياء التي يمكن أن تخسرها في الحرب مثل عاصمتها واقتصادها المزدهر وبنيتها الأساسية. وحتى بعد أن نسفت كوريا الشمالية سفينة حربية كورية جنوبية في مارس (آذار) وقتلت 46 شخصا، كان أبرز اقتراح قدمه الرئيس لي (بث رسائل دعائية على الحدود) قد انهار بعدما هددت بيونغ يانغ بإطلاق النار على مكبرات الصوت.

ولكن جاء بعد ذلك قصف جزيرة يونبيونغ، حيث قتل 4 كوريين جنوبيين وجرح 18 آخرين. وكشف هذا الهجوم عن وجود قصور في استعداد سيول، وعندما رد الجيش الكوري الجنوبي بهجوم مضاد، فعل ذلك بقرصة بسيطة لا بلكمة قوية.

وأشار استطلاع للرأي أجري بعدها بفترة قصيرة إلى أن 65% من الكوريين الجنوبيين أرادوا تطبيق سياسة أكثر صرامة تجاه الشمال، وأن الرئيس لي كان يحاول، حسب ما ذكر محللون سياسيون، تلبية هذا الطلب متأخرا.

وفي 16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أعلنت كوريا الجنوبية أنها ستجري تدريبات باستخدام المدفعية في جزيرة يونبيونغ، وهي مناورة عادية، لكنها استعراض رمزي للقوة في منطقة مدمرة ومتنازع عليها. وفي اليوم التالي، توعدت بيونغ يانغ بشن هجوم انتقامي كارثي. وعلى الرغم من دفاع الكثير من المسؤولين الأميركيين عن خطط سيول، حذر جيمس كارترايت، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي، من أن التدريبات المدفعية يمكن أن تفجر سلسلة من ردود الفعل، تفقد خلالها القوات الأميركية والقوات الكورية الجنوبية «السيطرة على الأوضاع بفعل التصعيد».

وفي أحد الأيام قبل المناورات، ظهر اثنان من أبرز المسؤولين الأميركيين في سيول، هما السفيرة كاتلين ستيفانز، والجنرال والتر شارب، قائد القوات الأميركية في كوريا، في قصر الرئيس لي، من أجل الاجتماع مع أحد مستشاري الرئيس الكوري الجنوبي، سعيا إلى الحصول على تطمينات بأن المناورة كانت ضرورية، وفقا لمسؤول أميركي مطلع على الاجتماع، طلب عدم ذكر اسمه بسبب الطبيعة الحساسة للمحادثات. وقال باتريك كرونين من مركز الأمن الأميركي الجديد: «أدرك لي ميونغ باك خلال وقت متأخر في اللعبة أنه كان يتعين علينا أن نرد. وبعد ذلك كان ثمة خوف من أنه قد يرد بشكل مفرط. بدا التدريب العسكري خطيرا بشكل زائد لبعض المسؤولين في الولايات المتحدة».

وخلال حملة الرئيس لي الرئاسية عام 2007، نظر 3% فقط من الناخبين الكوريين الجنوبيين إلى كوريا الشمالية على أنها مصدر قلق رئيسي. وكان معظمهم قلقا بشأن الاقتصاد، وقدم لي، عمدة سيول السابق والرئيس التنفيذي لشركة «هيونداي» للإنشاءات، نفسه كزعيم على شكل رئيس تنفيذي، وقائد واقعي مع حس تجاري محافظ. وعلى الرغم من ذلك، يشير مسؤولون حكوميون في سيول الآن إلى أن فكرة حكم الرئيس لي سيتم تذكرها في الغالب على أنها فترة من تزايد العداء الكوري الشمالي.

لم تشعر كوريا الشمالية بالارتياح من الرئيس لي منذ البداية تقريبا. فقد علق لي الشحنات المجانية من الغذاء والأسمدة، بالإضافة إلى المشاريع الاقتصادية المشتركة التي كانت تجري مع كوريا الشمالية خلال سنوات «سياسة الشمس المشرقة» قائلا إن التعاون سيعود بمجرد أن تنزع كوريا الشمالية سلاحها النووي. ووصفت كوريا الشمالية الرئيس لي بأنه «تابع للولايات المتحدة» وأجرت اختبارات لإطلاق الصواريخ وتجارب على أجهزة نووية، كما نسفت سفينة تشيونان الحربية. وكانت تمارس استفزازات متكررة، واعتقد كبار مستشاري الرئيس لي أن بيونغ يانغ أرادت أن تحول الكوريين الجنوبيين ضد رئيسهم، أملا في دفعه على استئناف الشحنات المجانية. ولكن بعد حادثة يونبيونغ، تحول توازن القوة، بسرعة، تجاه اليمين، حيث أصبح أكثر تشددا، حسبما ذكر مسؤول حكومي بارز في سيول. وقال هذا المسؤول: «هذا دمار ضخم في اتجاه استراتيجية كوريا الشمالية. لذا، أعتقد أن يونبيونغ كانت خطأ عسكريا وسياسيا ارتكبته بيونغ يانغ».

وقد قوى الرئيس لي في الوقت نفسه تحالفه مع الولايات المتحدة. وبحلول نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، كان لي وأوباما قد عقدا بالفعل ثلاثة اجتماعات قمة. ونسقت الدولتان خططا عسكرية جديدة ووصلا إلى توقيع اتفاقية مؤقتة للتجارة الحرة. وخلال ساعات من هجوم يونبيونغ، اتصل أوباما بنظيره لي، وتعهد بوقوف البلدين مجددا جنبا إلى جنب في مواجهة كوريا الشمالية. لكن الدبلوماسي الغربي ذكر أن المسؤولين الأميركيين سيضغطون، خلال الشهور المقبلة، على سيول من أجل إعادة فتح الحوار مع حكومة كيم جونغ إيل. وأشار خبراء سياسيون إلى أن مثل هذا الخيار يمكن أن يبدو متناقضا، ويجعل لي يبدو مخطئا وغير حاسم بالنظر إلى الخطاب القاسي الحالي لسيول.

وقال وي سونغ لاك، كبير المفاوضين النوويين في كوريا الجنوبية: «لكن (لي) لم يستبعد على الإطلاق إمكانية الحوار. لقد ترك هذا الأمر مفتوحا دائما». وقال هاهم سونغ ديوك، خبير الشؤون الرئاسية في جامعة كوريا: «أكبر ضغط يواجه الرئيس لي الآن يكمن في إرضاء جمهور الناخبين لأن الجماهير أصبحت محافظة بشكل أكبر. والجهود الرامية للتقارب مع كوريا الشمالية قد تبدو وكأنها تخدع العامة. نحن نحتاج إلى بعض الوقت للتهدئة من أجل التقارب مع كوريا الشمالية مجددا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»