أوباما يتحدى الجمهوريين ويعين سفيرا لدى سورية

استغل عطلة الكونغرس واستند إلى قانون للتعيينات الاستثنائية

السفير الأميركي المعين لدى سورية روبرت فورد (أ.ف.ب)
TT

تحدى أمس الرئيس الأميركي باراك أوباما قادة الحزب الجمهوري، وأصدر مرسوما رئاسيا بتعيين سفير لدى سورية، بعد أن ظل قادة الحزب في الكونغرس يماطلون في اتخاذ هذا القرار قرابة السنة. واستغل أوباما عطلة الكونغرس، وأيضا استغل قانونا يسمح له بإصدار تعيينات استثنائية من دون أن يوافق عليها الكونغرس. وكان السفير الجديد، روبرت فورد، سفيرا لدى الجزائر، وقائما بالأعمال في السفارة الأميركية لدى العراق.

وأثنى مصدر في الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» على السفير فورد، وقال إنه يعرف منطقة الشرق الأوسط معرفة جيدة. وكشف المصدر عن أن فورد «ظل يعمل في مبنى الخارجية من وراء الستار»، رغم أنه لم يتسلم منصبه رسميا. وأضاف أن «العمل الدبلوماسي اليومي يستمر من دون انقطاع، وافق الكونغرس أو لم يوافق».

كان أوباما أرسل إلى الكونغرس في فبراير (شباط) الماضي قرار تعيين الدبلوماسي روبرت فورد سفيرا للولايات المتحدة لدى سورية، وهو منصب شاغر منذ ست سنوات، أي منذ استدعاء واشنطن لسفيرها في دمشق في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005.

لكنّ، رفض الجمهوريين في مجلس الشيوخ - وموافقتهم ضرورية على تعيين السفراء - قطع الطريق على المصادقة على تعيين فورد. ويعتبر الجمهوريون أن «الوقت ليس مناسبا» لإرسال سفير لسورية بسبب علاقة سورية القوية مع إيران، وإيوائها لقادة حركة حماس الفلسطينية، ومساعدتها لحزب الله اللبناني.

وكان أوباما قد أعلن، بعد أن صار رئيسا عام 2009، عزمه على تعيين سفير جديد لدى سورية وذلك في إطار انفتاح إدارته على العالمين العربي والإسلامي، الذي تضمن تقديم مبادرة إلى إيران، وخطابا موجها إلى العالم الإسلامي من القاهرة.

في ذلك الوقت، قال أوباما إن تعيين سفير في دمشق خطوة مهمة في جهود واشنطن لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وللاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. لكن الجمهوريين نددوا بتعيين سفير لدى سورية منذ ما قبل الانتخابات الأخيرة التي سيطروا فيها على مجلس النواب، وكادوا يسيطرون على مجلس الشيوخ أيضا.

وبعد الانتخابات، ورغم أن مجلس النواب لا يجير السفراء، انتقدت المرشحة الجمهورية لرئاسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، النائبة عن ولاية فلوريدا، إيليانا روي - ليتينين، قرار أوباما، معتبرة أنه يشكل «تنازلا للنظام السوري الذي يزعزع استقرار لبنان، ويدعم حزب الله، وكيل إيران المسلح».

إلا أن جون الترمان، الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (سي إس آي إس) في واشنطن قال: «أعتقد أننا نكون في موقع أفضل مع الكثير من الدول الصعبة عندما نتعامل معها وجها لوجه، وليس عندما نتجاهلها». وأضاف أنه، على الرغم من أن الجمهوريين عارضوا تعيين سفير لدى سورية، لم يشككوا في مؤهلات السفير فورد. وأكد أنه «دبلوماسي ممتاز قطعا».

وأشار بيان للبيت الأبيض إلى أن أوباما، عين إلى جانب فورد، 3 سفراء آخرين في كل من تركيا وأذربيجان وجمهورية التشيك.

وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن القانون الأميركي يمنح الرئيس حق تعيين السفراء والقضاة ومسؤولين آخرين كبارا في الإدارة. غير أن هذه التعيينات ليست سوى تعيينات مؤقتة، إلى أن يوافق عليها الكونغرس. لكن، في غياب الكونغرس، يستطيع الرئيس تعيين من يريد حتى يعود الكونغرس إلى الانعقاد، فيؤيد أو يعارض التعيينات - علما بأن الكونغرس درج، سواء في عهود الديمقراطيين أو الجمهوريين على اعتبار التعيينات الاستثنائية «تحديا» له.

وفي ظل السيطرة الراهنة للحزب الجمهوري على مجلس النواب يتوقع أن يرد الكونغرس ردا قويا على تعيينات أوباما الاستثنائية.

وفي دمشق لم يصدر أي تعليق رسمي سوري أمس على إعلان الرئيس الأميركي تعيين روبرت ستيفن فورد سفيرا في دمشق. غير أن مصدرا مسؤولا في السفارة الأميركية في دمشق قال لـ«الشرق الأوسط» إن إعادة السفير الأميركي إلى دمشق «يعكس الحاجة إلى حماية ودعم مصالح وأمن الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة» ويصب في «تعزيز التواصل وسياسة الانخراط مع سورية التي عبر عنها الرئيس أوباما في خطاب القاهرة وكانت العنوان الأبرز لسياسته منذ توليه الرئاسة الأميركية».

وعن سبب صدور قرار التعيين في هذا الوقت، أوضح المصدر أن الرئيس أوباما «استفاد من فترة عطلة مجلسي الشيوخ والنواب ليقوم بتعيين عدد من السفراء الأميركيين من بينهم السفير روبرت ستيفن فورد سفيرا في دمشق»، مرجحا تسلم فورد مهامه في دمشق خلال الأيام العشرة الأولى من الشهر المقبل، وقال المصدر: «إن السفير فورد قام بكافة الإجراءات والترتيبات اللازمة لذلك، ولم يعد هناك ما يمنع مجيئه إلى دمشق». ولفت إلى أنهم في السفارة الأميركية في دمشق لم يفاجأوا بالقرار وكانوا يتلقون إشارات وتطمينات من واشنطن عن نية الرئيس أوباما الاستفادة من عطلة الكونغرس لإصدار قرار إعادة السفير إلى دمشق. وردا على سؤال عن سبب تأخر الرئيس في هذا القرار نحو 10 أشهر منذ ترشيحه فورد، قال المصدر: «حسب دستور الولايات المتحدة الأميركية يحق للرئيس ترشيح دبلوماسيين وليس تعيينهم خلال فترة عمل المجلسين»، مشيرا إلى أن الرئيس أوباما أعلن نيته إرسال سفير إلى دمشق في يونيو (حزيران) 2009. وفي فبراير 2010 رشح فورد، ووفق الدستور نوقش هذا الترشيح في لجنة العلاقات الخارجية قبل أن يحال إلى التصويت. وقد وافقت عليه لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، لكن القرار لم يحقق إجماعا في مجلس النواب، ولقي عرقلة. وعندما جاءت أول عطلة للمجلسين قام الرئيس أوباما بإصدار قرار تعيين فورد في دمشق. وفيما يتعلق بإمكانية التراجع عن هذا القرار في حال اعتراض الكونغرس، قال المصدر «مع أن قرار التعيين الذي أصدره الرئيس يعتبر مؤقتا دستوريا، إلا العادة جرت أن يستمر السفير المعين في عمله إلى حين انتهاء فترة مهامه».

وعن الأجندة التي يحملها السفير فورد من واشنطن، قال المصدر «من المؤكد أن هناك أجندة، لكن لم تتح الفرصة لمناقشة هذا الموضوع، وعلى الأرجح سيتم الإعلان عنها».

وأصدرت السفارة الأميركية في دمشق بيانا صحافيا أعلنت فيه عن «عزم» الرئيس الأميركي باراك أوباما تعيين روبرت ستيفن فورد لملء منصب السفير في دمشق. ووصف البيان روبرت ستيفن فورد بأنه «دبلوماسي رفيع» في الخدمة الخارجية ويعمل حاليا في مكتب المفتش العام في وزارة الخارجية الأميركية. وكان قد شغل قبل ذلك منصب قائم بأعمال السفارة الأميركية في بغداد. كما عمل ما بين 2004 و2006 وبين 2008 و2009 كمستشار سياسي للسفارة في بغداد وشغل منصب نائب رئيس البعثة الدبلوماسية الأميركية في البحرين بين 2001 و2004. وسبق أن عمل فورد في عدد من السفارات الأخرى حول العالم منذ دخوله سلك الخارجية عام 1985 في أزمير والقاهرة والجزائر وياوندي. وحصل فورد على عدد من جوائز وزارة الخارجية الأميركية منها جائزة «جيمس كليمنت دان» للتميز بالعمل في المستوى المتوسط في الخدمة الخارجية عام 2005 إضافة إلى 3 جوائز شرف رفيعة وجائزتي استحقاق شرف. يحمل السيد فورد درجة الماجستير في الآداب من جامعة جونز هوبكنز عام 1983.