فرنسا تعول على دور سوري «إيجابي» للجم التدهور.. وأوساط سياسية تتساءل عن «الثمن»

ساركوزي يحمل الملف اللبناني إلى واشنطن لمناقشته مع أوباما

TT

يعود الملف اللبناني مجددا إلى واجهة الاهتمامات الدبلوماسية الفرنسية مع بداية العام الجديد حيث ينتظر أن تستأنف باريس اتصالاتها مع الأطراف اللبنانية ومع الجهات الإقليمية والدولية.

وينتظر أن يكون الملف اللبناني أحد المواضيع التي سيتناولها الرئيس نيكولا ساركوزي مع الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال لقائهما في العاشر من يناير (كانون الثاني) المقبل في البيت الأبيض في إطار الاتصالات والمشاورات التي يخطط ساركوزي للقيام بها مع تسلمه رئاسة «مجموعة الثماني» ابتداء من أول عام 2011 إضافة لرئاسته لـ«مجموعة العشرين» منذ نوفمبر( تشرين الثاني) الماضي.

وتستضيف باريس في الأيام المقبلة رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب اللبنانية الرئيس الأسبق أمين الجميل وكذلك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط استكمالا للاتصالات التي بدأتها مع الرسميين والمسؤولين السياسيين اللبنانيين من كافة المشارب.

وما زالت باريس مستمرة، وفق ما تقوله مصادرها، في دبلوماسيتها «الاستباقية» أو «الوقائية» سعيا منها لتفكيك الألغام الكثيرة المزروعة على المسار اللبناني والتي تتخوف فرنسا من تفجرها ومن انعكاساتها على الوضع اللبناني الداخلي إضافة إلى وضع القوة الفرنسية في «اليونيفيل» وعلى منطقة الجنوب ومن احتمال أن يفضي التدهور الداخلي إلى حرب مع إسرائيل.

ومنذ البداية، دأبت باريس على توجيه رسالة ثنائية الهدف تدعو، من جهة، الأطراف في الداخل، إلى التزام التهدئة وتحذر من جهة أخرى الأطراف الخارجية من مخاطر المس باستقرار لبنان الداخلي لتأثيراته على استقرار المنطقة ككل.

وشكل هذا الجانب جزءا من «الرسالة» التي نقلها الرئيس ساركوزي إلى الرئيس السوري بشار الأسد لدى استقباله في باريس حيث نقل إليه، كما تقول المصادر الفرنسية، «تخوفه العميق» من تدهور الوضع الأمني في لبنان على خلفية المحكمة واقتراب صدور القرار الظني عن المدعي العام الدولي دانيال بلمار وعن الحاجة «لتحرك» مسبق تفاديا لأي تصعيد. وتشارك باريس الجانب السوري مخاوفه من مسار الأحداث التي ترصد مفاعيلها ليس فقط على لبنان بل على كل المنطقة. ونبه ساركوزي من أن أي تدهور سيضر بسورية ولن يبقى محصورا في لبنان بل سيتمدد إلى المنطقة. وترى باريس، كما تؤكد مصادرها، أن أي عمل عسكري قد يقوم به حزب الله لتغيير الوضع الميداني «لن يكون فقط عديم الفائدة سياسيا» بل ستكون نتائجه خطيرة عليه. وتتساءل هذه المصادر: «ما الذي يستطيع أن يفعله حزب الله إذا سيطر على بيروت»؟ «ألن يسرع ذلك بوضعه على اللائحة الأوروبية للمنظمات الإرهابية؟ ألن يضيق الخناق على قادته وعلى مصالحه»؟ وأبعد من ذلك، ترى فرنسا أن إسرائيل قد «تستغل» هذا التطور الميداني لضرب حزب الله بحجة أنه «وضع يده على الدولة اللبنانية». وسبق لباريس أن تلقت رسالة إسرائيلية بهذا المعنى وأبلغتها لمن يعنيه الأمر.

وأبعد من ذلك، ترى المصادر الفرنسية أن إسرائيل قد تستغل الفرصة لاستفزاز دمشق ودفعها باتجاه حرب لا تريدها سورية ولا مصلحة لها في اندلاعها. وخلاصة الموقف الفرنسي، كما نقلته مصادر رسمية، هو أن لسورية اليوم «مصلحة سياسية واستراتيجية» في منع تدهور الوضع اللبناني من غير أن تغفل انعكاس ذلك على الوضع السوري الداخلي نفسه.

وفي سياق مواز، تعتبر المصادر الفرنسية أن المصالح السورية والإيرانية «الآنية» في لبنان «ليست بالضرورة متطابقة» وهو الأمر الذي عكسته تصريحات مرشد الثورة علي خامئني الأخيرة عن المحكمة الدولية ورفضها «شرعيا». انطلاقا من هذه المعطيات، تدعم باريس الجهود السعودية - السورية لتوفير شبكة أمان للبنان. غير أنها ترى أنها لا يمكن أن تكون على حساب القرار الظني أو على حساب استمرار عمل المحكمة الدولية. وكان لافتا أن باريس أعلنت عن أمرين متلازمين في وقت واحد: تأكيد منح الجيش اللبناني صورايخ «هوت» تركب على الطوافات التي يمتلكها من طراز «غازيل» وإعلان دفع ما يستحق عليها لجهة تمويل المحكمة الخاصة بلبنان فضلا عن إعادة تأكيد دعمها للمؤسسات اللبنانية.

وتراهن باريس على دور سوري للجم الوضع في لبنان عن طريق التأثير على الأطراف المتعاطفة مع دمشق في المعارضة وأولها حزب الله. وكان لافتا تصريح الرئيس الأسد أن بلاده لا يمكن ن تقبل قرارا ظنيا غير قائم على إثباتات وبراهين دامغة وهو ما اعتبر تغيرا في نظرة دمشق للمحكمة وللقرار الظني.

وتؤكد باريس أنها وبالنظر إلى كل هذه الأسباب، وجدت «أذنا سورية مصغية» ولقيت «وعودا» على مستويين: التهدئة «الميدانية» من جهة والاستمرار من جهة أخرى، في جهود بلورة «صيغة مخرج» مزدوجة بحيث أنها «لا تعري» الرئيس سعد الحريري المتمسك بالمحكمة والقرار الظني والمحاكمة من جهة ولا «تهدد» حزب الله لا في بقائه ولا في سلاحه وتبعد عنه تجرع كأس الاتهام الجماعي. وترى باريس أن العثور على صيغة توفيقية أمر ممكن. وكانت الدبلوماسية الفرنسية سارعت إلى رمي بالون اختبار قبل أشهر عندما أبلغت حزب الله أنها «مستمرة» في التعاطي معه مهما يكن مضمون القرار الظني.

لكن السؤال الذي يشغل الأوساط السياسية في باريس هو: من سيتناول «الثمن» الذي تطلبه سورية للعب الدور المطلوب منها أن تلعبه على الصعيد اللبناني والعربي والإقليمي فضلا عن علاقاتها الدولية أوروبيا وأميركيا. فهل تستطيع باريس «تسويق» المطالب السورية أم أنها ستجد اعتراضا من أطراف أخرى منها على سبيل المثال ولا الحصر الولايات المتحدة الأميركية التي عينت بعد انتظار أشهر سفيرا جديدا لها في دمشق؟