النيجيري عبد المطلب يبث الرعب في ديترويت.. والميجور نضال حسن يقتل 13 جنديا أميركيا

«الإرهاب الداخلي».. أميركا 2010

TT

مثلما حدث السنة الماضية، شهدت الولايات المتحدة هذا العام حوادث إرهاب قليلة (على الأقل، بالمقارنة مع دول أخرى). لكن، مع نهاية العام، زاد النقاش حول الموضوع. فمع نهاية السنة الماضية، شهدت الولايات المتحدة نقاشا مكثفا حول موضوع الإرهاب. وركز النقاش على ما صار يسمى «الإرهاب الداخلي»، وذلك لأن كل الذين اعتقلوا أو أدينوا تقريبا هاجروا إلى أميركا. بعضهم حصل على الجنسية الأميركية، وبعضهم على الإقامة الدائمة، وبعضهم موجود بطريقة غير قانونية. وزاد غضب كثير من الأميركيين لأن هؤلاء، أولا: أجانب، أساسا.. ثانيا: دخل بعضهم بطريق غير قانونية.. ثالثا: «خانوا» الكرم والضيافة الأميركية. وتقدم أعضاء في الكونغرس بمشروع قانون لزيادة فحص طلبات الجنسية والإقامة الدائمة للتأكد من أن الذين يُقبلون لن تكون لهم ميول أو نشاطات إرهابية.

في السنة الماضية، هذه بعض الحوادث الإرهابية التي أثارت الرعب في الداخل الأميركي:

في يناير (كانون الثاني): تم اعتقال عديس (محمد) ميدوجانين، مهاجر من البوسنة، بتهمة محاولة تفجير كوبري في نيويورك.

في مايو (أيار): تم اعتقال ثلاثة أميركيين وأجانب مهاجرين من جزيرة هايتي بتهمة محاولة تفجير معبد يهودي في نيويورك.

في سبتمبر (أيلول): تمت إدانة ذبيح الله زازي، مهاجر من أفغانستان، لدوره في محاولة تفجير قطارات تحت الأرض (مترو) في نيويورك.

في سبتمبر: تم اعتقال حسام صمدي، مهاجر غير قانوني من الأردن، بتهمة محاولة تفجير مبنى من ستين طابقا في دالاس (ولاية تكساس).

في سبتمبر: تم اعتقال الضابط العسكري نضال حسن، الفلسطيني الأصل، بعد أن قتل 13 جنديا أميركيا وجرح آخرين في قاعدة فورت هود (ولاية تكساس).

في أكتوبر (تشرين الأول): تم اعتقال طارق مهنا، مهاجر من لبنان، بتهمة شراء مواد كيماوية لصالح إرهابيين.

في ديسمبر (كانون الأول): تم اعتقال النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب بعد أن حاول تفجير طائرة قبيل هبوطها في مطار ديترويت في ليلة عيد الميلاد، وكان يضع المتفجرات في ملابسه الداخلية.

خلال هذه السنة، تكرر الشيء نفسه، وهذه بعض الحوادث الإرهابية:

في يناير: اعتقلت حكومة الدنمارك صوماليا حاول اغتيال رسام الكاريكاتير الدنماركي كيرت فيسترغارد (الذي كان رسم رسومات مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم). واشتركت الشرطة الأميركية في التحقيق معه لصلته بصوماليين في أميركا.

في سبتمبر: قتل أميركيان، واشتركت الشرطة الأميركية في التحقيق، عندما انفجرت طائرة شحن «يو بي إس» في طريقها من دبي إلى ألمانيا.

في سبتمبر: اعتقل سمير حسون، مهاجر من لبنان، بتهمة وضع قنبلة قرب ملعب «رينغلي» في شيكاغو.

في أكتوبر: وجدت متفجرات في طائرة شحن في طريقها من اليمن إلى بريطانيا، وهي تحمل طردا مرسلا إلى شيكاغو. واشتركت الشرطة الأميركية في التحقيق.

في أكتوبر: اعتقل فاروق أحمد، مهاجر من باكستان، بتهمة محاولة تفجير شبكة قطارات تحت الأرض (مترو) في واشنطن العاصمة.

في نوفمبر (تشرين الثاني): اعتقلت الشرطة الأميركية عامل بناء في بالتيمور (ولاية ميريلاند) يحمل الجنسية الأميركية، ومن أصل مكسيكي، واعتنق الإسلام، وغير اسمه من «أنتونيو مارتينز» إلى «محمود حسين»، بتهمة التخطيط لتفجير مكتب ولاية ميريلاند للتجنيد العسكري.

في ديسمبر: اعتقلت الشرطة الأميركية شخصا آخر حصل على الجنسية الأميركية، وهو صومالي المولد، واسمه محمد عثمان محمود، بتهمة التخطيط لتفجير قنبلة خلال حفل إضاءة شجرة عيد الميلاد في بورتلاند (ولاية أوريغون). ومثلما حدث مع نهاية السنة الماضية، مع نهاية هذه السنة زاد النقاش وسط الأميركيين عن موضوع الإرهاب: التهديدات، والإجراءات الحكومية، والنجاح والفشل. هذه المرة، تركز النقاش حول زيادة التفتيش في المطارات (خوفا من تهريب متفجرات إلى داخل الطائرات). بعد تسع سنوات من هجمات 11 سبتمبر، استثمرت الحكومة الأميركية مليارات الدولارات في أمن المطارات الذي اعتبر تكنولوجيا خط الدفاع الأخير لاعتراض الإرهابيين.

وكتبت مجلة «تايم»: «في كل محاولة إرهابية، استخدم الإرهابيون تكتيكا مختلفا للتهرب من أحدث تكنولوجيا التفتيش في المطارات. وبعد كل محاولة، استخدمت الشرطة الأميركية تكنولوجيا مضادة. لكن، في كل محاولة، ثبت أن الأمر لم يكتشف بسبب التكنولوجيا، لكن عن طريق تنبيه المسافرين في الرحلة». وأضافت «كانت النتيجة هي ظهور توافق في الآراء بين الخبراء بأن تكنولوجيا مقاومة الإرهاب ربما لا تكون الأكثر فعالية».

كانت مجلة «تايم» تعلق على اقتراح جديد: التركيز على الأفراد، وجمع أكبر كمية من المعلومات عن الناس لتحديد الأكثر خطرا، قبل أن يدخل أحد الطائرة ويخطفها أو يفجرها.

لأول مرة، يدور نقاش نهاية السنة مع استخدام وسيلتين جديدتين في تفتيش المسافرين في المطارات: أولا: «راب داون» (تفتيش بلمس كل الجسم تقريبا).. ثانيا: «فول بودي سكانر» (بوابة إلكترونية تلتقط صورة توضح إذا كان الشخص يحمل متفجرات).

وكتبت صحيفة «واشنطن بوست» في افتتاحية لها «انتقلنا من كلاب الشرطة إلى البوابات الإلكترونية الماسحة. لكن، ربما ينبغي دمج هذه الوسائل في نظام متعدد الطبقات فيه بيانات من الكمبيوتر عن المسافرين. واعترف مسؤولون ومشرعون بأن المعلومات الشخصية ربما تكون ضرورية. وقالوا إنها ليست سوى مسألة وقت قبل أن تفشل الأجهزة الجديدة، ونبدأ في سؤال أنفسنا عن الخطوة التالية لمواجهة الإرهاب والإرهابيين».

وقال السيناتور جوزيف ليبرمان، رئيس لجنة الأمن في مجلس الشيوخ الأميركي «دعونا نكن صادقين. كنا محظوظين في المحاولات القليلة الماضية. مفجر يوم عيد الميلاد في ديترويت، ومهاجم تايمز سكوير في نيويورك، ومحاولة الشحن الجوي، كلها لم تنجح، لكن هذا بسبب القصور الخاص بهم، وليس لأننا كنا قادرين على وقفها».

وأشار مراقبون في واشنطن إلى ظاهرة أخرى في هذا الموضوع، وهي أنه كلما استعمل الإرهابيون وسيلة، فرضت الشرطة الأميركية إجراءات لمواجهة هذه الوسيلة. ثم يستعمل الإرهابيون وسيلة جديدة، ثم تفرض الشرطة الأميركية إجراءات جديدة. وهذه بعض الإجراءات الجديدة خلال السنوات القليلة الماضية والتي صارت مفروضة على المسافرين:

أولا: يجب تسليم الأشياء الحادة (ردا على هجمات 11 سبتمبر).

ثانيا: يجب خلع أحذيتهم (ردا على «مفجر الحذاء» ريتشارد ريد).

ثالثا: يجب إخراج السوائل من حقائبهم (ردا على إرهابيين حملوا متفجرات سائلة ليكونوا منها قنبلة داخل حمام الطائرة).

رابعا: يجب التعرض للمس الكامل للجسم أو المرور تحت البوابة المصورة (ردا على إخفاء عمر الفاروق عبد المطلب متفجرات في ملابسه الداخلية).

وفي بداية ديسمبر الحالي، مع بداية نقاش نهاية السنة السنوي، عقد جون بستول، رئيس إدارة أمن المواصلات (تي إس إيه) مؤتمرا صحافيا، افتخر فيه بالإجراءات الأمنية الجديدة، ولمح إلى مزيد من الإجراءات. وقال «الإجراءات الأخيرة هي خط الدفاع الأخير في سلسلة متصلة من الجهود التي تبذلها الحكومة للمحافظة على الأمن القومي». وقال إنه يأمل الانتقال إلى إجراءات «أكثر ذكاء».

وعندما سأله صحافي «لماذا تنتظرون حتى يحدث الإرهاب، ثم تعلنون قانونا لمحاربته؟ لماذا لا تحتاطون مسبقا؟»، أجاب «لدينا دائما القدرة على متابعة التهديدات. نحن لا ننتظر التهديدات لتتحقق. لكننا نستفيد مما يحدث». وأضاف «عار علينا إذا تكررت هجمات سبتمبر، أو مفجر الحذاء، أو مفجر الملابس الداخلية».

وبين يوم وليلة، صارت إسرائيل نموذجا وسط الأميركيين لمحاربة الإرهاب، خاصة أمن المطارات الإسرائيلية. وبين يوم وليلة، صار رافي رون، مدير الأمن السابق في مطار تل أبيب في إسرائيل، خبيرا في أمن المطارات في التلفزيونات والإذاعات والصحف الأميركية. وقال، في مقابلة مع تلفزيون «إيه بي سي»: «بعد هجمات سبتمبر، فشلت الهجمات بسبب قلة مهارات الإرهابيين، وليس بسبب أي شيء فعلناه» (قال «فعلناه» رغم أنه إسرائيلي وليس أميركيا). وأضاف «بعد كل محاولة من المحاولات السابقة، تم التغلب على العجز الأمني الذي استغله الإرهابيون. لكن، إلى متى؟ لا بد من الاعتماد على المعلومات الشخصية». وأشار إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية تجمع معلومات عن المسافرين قبل أن يدخلوا الطائرات.

لكن، على الأقل، كان الخبير الإسرائيلي صادقا في نقطة واحدة، وهي كثرة الصرف على الإجراءات الأمنية من دون أن تظهر نهاية للصرف الكثير.

وأشار مراقبون في واشنطن إلى أرقام وزارة أمن الوطن التي توضح أنها، منذ سنة 2002، سنة تأسيسها، بلغ مجموع ميزانيتها السنوية ستين مليار دولار تقريبا. وتكلفت «البوابة الإلكترونية» الواحدة التي أدخلت عام 2004 مائة وستين ألف دولار، قبل التخلي عنها. وها هي البوابة الإلكترونية الجديدة تتكلف ربع مليون دولار. ويبدو أن الأميركيين متجهون نحو النقطة الثانية التي ركز عليها الخبير الإسرائيلي، وهي جمع معلومات مفصلة عن المسافرين. وعن هذا قال عضو الكونغرس جون ميكا، إنه يفكر في الاقتراح، رغم أنه لم يقل إنه يؤيده. قبل بداية النقاش حول الاقتراح الإسرائيلي، يركز النقاش الحالي على الإجراءين الجديدين: «البوابة الإلكترونية الذكية» و«لمس الجسم الكامل». وصار واضحا أن كثيرا من الأميركيين، أولا: يرفضون التقاط هذه الصور (رغم ضمانات من وزارة الأمن بأن الصور لا تكشف الأجزاء الحساسة من الجسم، ولا تظهر على شاشة المفتش سوى ثوان قليلة، ولا يقدر المفتش على تصويرها، أو نقلها، أو نشرها على الإنترنت). ثانيا: يرفضون «لمس الجسم الكامل». ونشرت مواقع في الإنترنت مغامرة بنتين أميركيتين صورتا تجربتهما بكاميرا الجوال وهما ترفضان المرور تحت «البوابة الإلكترونية»، وتفضلان «لمس الجسم الكامل». وكان واضحا أن «اللمس» فيه مضايقات بالنسبة للبنتين، رغم أن مفتشة (وليس مفتشا) قامت به. وصار اللمس موضوع ترفيه بالنسبة لكثير من الأميركيين.

مع نهاية السنة أيضا، كشفت «واشنطن بوست» تفاصيل شبكة أمنية عملاقة لمحاربة الإرهاب داخل الولايات المتحدة. وقالت الصحيفة «بعد تسع سنوات من الهجمات الإرهابية في 2001، والحكومة الأميركية تعمل على تأسيس أجهزة واسعة للاستخبارات الداخلية لجمع المعلومات عن المواطنين الأميركيين»، وذلك باستخدام مكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي)، والشرطة المحلية، وفروع وزارة أمن الوطن، وأجهزة تحقيقات جنائية وعسكرية.

ووصفت ذلك بأنه «أكبر وأكثر تطور من الناحية التكنولوجية في تاريخ الولايات المتحدة لعمليات جمع وخزن وتحليل المعلومات عن الآلاف من المواطنين الأميركيين والأجانب المقيمين» وأضافت «كثير منهم لم يتهم بارتكاب أي خطأ». وأشارت إلى أن هدف الحكومة هو أن تكون كل ولاية ومقاطعة ومدينة مراكز لتغذية المعلومات إلى واشنطن لدعم عمل مكتب «إف بي آي» المسؤول الأول عن التحقيقات المتعلقة بالإرهاب. وقالت: «هذه الإجراءات الأمنية الداخلية موجودة في حكومات ديمقراطية أخرى، مثل بريطانيا وإسرائيل. لكن، بالنسبة للولايات المتحدة، تمثل هذه الأنشطة الجديدة مستوى جديدا من المراقبة الحكومية».

وقضت «واشنطن بوست» سنتين، وتحدثت إلى أكثر من مائة مسؤول، وعثرت على أكثر من ألف وثيقة ساعدتها على كشف هذه الشبكة الداخلية.

وكانت دانا بريست، التي اشتركت في كشف هذه المعلومات، كشفت، خلال إدارة الرئيس السابق بوش الابن، السجون السرية في دول أجنبية لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) للمتهمين بالإرهاب. وكشفت في يوليو (تموز) الماضي، شبكة الشركات الأميركية ومراكز البحوث التي تعمل في، ومع، برامج الحكومة الأميركية لمحاربة الإرهاب، وأن «إحاطة هذه النشاطات بالسرية جعلت من الصعب معرفة التفاصيل والمال والتكاليف والذين يعملون في هذا المجال. وأن الكثير من العاملين فيها لا يعرفون أبعادها، أو حتى حقيقة ما يعملون فيه».

وكشفت الصحيفة أن الشبكة الحكومية الأمنية الداخلية تتكون من 4058 مؤسسة وفرعا، تم إنشاء 935 منها منذ هجمات 2001.. وأن التكنولوجيات والتقنيات التي استخدمتها القوات الأميركية في ساحات المعارك في العراق وأفغانستان صارت تستخدمها الأجهزة الأمنية داخل الولايات المتحدة، وصار مكتب «إف بي آي» يجمع معلومات عن آلاف من المواطنين الأميركيين والأجانب المقيمين، وبعضها في تفصيل. ويعتمد الجمع أحيانا على معلومات من «مواطن عن زميل يعتقد أنه يتصرف بطريقة مريبة».. وأيضا، جمع معلومات لمعرفة المزيد عن الإسلام والإرهاب. لكن «استأجرت بعض الأجهزة الأمنية خبراء لهم آراء متطرفة عن الإسلام والإرهاب، تعتبر غير دقيقة وغير مثمرة»، وإن كانت هناك «تقارير استخباراتية ذات فوائد قليلة. وأحيانا غير لائقة». وتصنف بعض المعلومات الاستخباراتية المواطنين المولودين في أميركا عن المتجنسين الذين ربما يخططون لهجمات إرهابية.