البرلمان المصري.. العودة بالإصلاح السياسي إلى «المربع صفر»

شهد استحواذ الحزب الحاكم على مقاعده وخروج قوى المعارضة

TT

شهدت الانتخابات المصرية التي جرت خلال الشهر الماضي، حالة من الجدل القانوني والسياسي وتعرضت لانتقادات محلية ودولية، وأسفرت عن استحواذ غالبية الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم على مقاعد البرلمان بأكثر مما كان عليه في السابق وخروج قوى المعارضة الرئيسية في البلاد من التمثيل البرلماني.

فبعد جولتين مثيرتين للجدل والانتقادات الداخلية والخارجية، فاز الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم الذي يرأسه الرئيس المصري حسني مبارك، بالأغلبية الكاسحة في انتخابات مجلس الشعب المعروف بأنه المجلس الأول في البرلمان. وخرجت معظم قوى المعارضة الرئيسية من أي تمثيل ذي شأن سواء في هذا المجلس أو في مجلس الشورى (المجلس الثاني في البرلمان)، مما يقلل فرص المنافسة على انتخابات رئاسة الدولة المقرر لها خريف العام المقبل. وهو الهدف الذي سعى إليه الحزب الحاكم جاهدا منذ أكثر من خمس سنوات لإزاحة أي قوى قد تعرقل عملية انتقال السلطة في البلاد مستقبلا.

ويرى مراقبون أنه بعد حصول جماعة الإخوان المسلمين على مقعد واحد في البرلمان (وتم فصل صاحبه من الجماعة)، وحصول الأحزاب المصرية على 15 مقعدا في البرلمان، منها 6 لحزب الوفد الليبرالي، الذي أعلن عن أنه لن تكون له هيئة برلمانية في مجلس الشعب الحالي، و5 لحزب التجمع، ومقعد واحد لكل من أحزاب الغد والعدالة الاجتماعية والسلام الديمقراطي والجيل. أصبح الحزب الوطني الحاكم يتمتع بالأغلبية داخل برلمان بعد حصوله على 420 مقعدا (نحو 85.6 في المائة) من مقاعد البرلمان، وهو الأمر الذي ينذر بأداء برلماني مختلف عن سابقه، تخفت فيه حدة الأصوات المعارضة وربما تختفي تماما، وهو ما يعني غياب السياسة عن برلمان الأمة المفوض للقيام بدور تشريعي ورقابي على أداء الحكومة المصرية.

ويؤكد المراقبون على أن برلمانا دون معارضة يعيد مسألة الإصلاح السياسي في مصر إلى المربع صفر. في حين أكدت قيادات بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم على أن عدد ممثلي المعارضة «الحزبية» في البرلمان يفوق عددها في البرلمانات السابقة منذ عام 1990 حتى الآن، على اعتبار أن جماعة الإخوان المسلمين التي ترشح أعضاؤها تحت صفة مستقلين هربا من الحظر المفروض عليها منذ عام 1954 ليسوا من ضمن النسيج الحزبي الذي ينص عليه الدستور، وأن نتيجة الانتخابات الأخيرة وخروج جماعة الإخوان من البرلمان (والتي أعلنت انسحابها من جولة الإعادة هي وحزب الوفد الليبرالي المعارض) رد عملي تم عن طريقه تصويب الأخطاء التي أدت في انتخابات عام 2005 إلى فوز 88 مرشحا ومثل نوابها نسبة (20 في المائة) من مقاعد البرلمان، حيث أعلن الحزب الوطني الحاكم منذ عام 2009 أنه لن يسمح بالأخطاء التي أدت لفوز مرشحين للجماعة داخل البرلمان الحالي.

فيما أكد محللون سياسيون على أن البرلمان لن يشهد أي طلبات إحاطة أو أي استجواب للحكومة، وسوف تختفي المعارضة داخله. وقال الباحث السياسي ضياء رشوان، رئيس وحدة النظم السياسية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن «البرلمان الحالي سيشهد معارضة شكلية فقط، وتنتهي منه الاستجوابات وطلبات الإحاطة التي كانت تحرج الحكومة من قبل في الدورات السابقة»، مشيرا إلى أن «التصفيق والتأييد سيكون الطابع الغالب لمعظم قرارات الحكومة بدون أي نقد».

وقال رشوان لـ«الشرق الأوسط»: «البرلمان لن يمارس أي عمل رقابي ولا تشريعي ضد الحكومة، وأن برلمانا بدون معارضة يعيد مسألة الإصلاح السياسي في البلاد إلى المربع صفر».

وأضاف عصام العريان المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين أن «مستقبل الحياة السياسية في مصر أصبح غامضا، مطالبا الرئيس المصري حسني مبارك بحل البرلمان».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «سبق للرئيس مبارك أن حل البرلمان لأسباب أقل شأنا مما يواجهه البرلمان الحالي.. فهو برلمان غير دستوري وتلاحقه دعاوى البطلان».

وفي المقابل، واعتراضا على البرلمان الحالي، لجأ نواب سابقون بمجلس الشعب وفقهاء دستوريون وقانونيون إلى تشكيل برلمان شعبي (مواز للبرلمان الرسمي) لمناقشة القوانين التي يناقشها مجلس الشعب، وأكدوا على أن البرلمان الشعبي موجود في جميع بلدان العالم، ويستند إلى غطاء شعبي ودستوري، وأن أهميته تتمثل في توعية الشعب المصري بالمخاطر التي تلحق به من قبل مجلس الشعب الحالي الذي يشوبه التزوير - على حد وصفهم.

وأوضح نائب جماعة الإخوان السابق في مجلس الشعب الدكتور محمد البلتاجي لـ«الشرق الأوسط» أنه «بحكم مواد الدستور التي تنص على حرية الرأي والتعبير يستند البرلمان الشعبي إلى المشروعية، كاشفا عن أن البرلمان الشعبي ليس اختراعا فهو موجود في دول عديدة»، لافتا إلى أن «البرلمان الشعبي سيقدم البدائل للحكومة من خلال مناقشة القوانين والتي يمكن الاستفادة منها حال وقوع التغيير».

وحسب الخارطة النيابية الجديدة، لن يكون في مقدور الجمعية الوطنية للتغيير (التي أسسها الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة) وجماعة الإخوان التي خرجت من «ماراثون» الانتخابات البرلمانية بدون أي مقاعد، تقديم أي مرشحين عنهما لانتخابات الرئاسة المصرية القادمة، لأن أيا منهما لم يحقق أي بند من بنود الدستور التي تشترط على من يريد أن يرشح نفسه للرئاسة أن يحصل على تزكية من 250 عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين بمجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات (على الأقل 65 من مجلس الشعب و25 من مجلس الشورى و140 من أعضاء 14 مجلسا محليا بالمحافظات)، وذلك بحسب فقهاء الدستور.

أما حزب الوفد الذي كان له 12 نائبا في المجلس السابق، وعلى الرغم من إعلان رئيسه الدكتور السيد البدوي، بأن الحزب لن تكون له هيئة برلمانية في المجلس الحالي، فما زالت لديه فرصة للمنافسة في انتخابات الرئاسة القادمة، لأنه حتى الآن لم يفصل أعضاءه، علاوة على وجود نائب له في مجلس الشورى (المجلس الثاني في البرلمان)، ونفس الفرصة يتمتع بها حزب التجمع المعارض ذو التوجه اليساري، وأربعة أحزاب أخرى صغيرة.