الهند تقيد التعاملات مع طهران.. وواشنطن ترحب

مصادر حكومية لـ«الشرق الأوسط»: الشركات الهندية لن تتمكن من التعامل مع الغرب إذا ما استثمرت في إيران

صورة تبين جانبا من شمال العاصمة الايرانية طهران التقطت فجر أمس (رويترز)
TT

دخلت العلاقات التجارية الهندية - الإيرانية منعطفا صعبا بعد أن أعلن البنك المركزي الهندي أمس فرض قيود مشددة على التعاملات مع إيران، في خطوة اعتبرها البعض رضوخا للضغوط الأميركية، خاصة أنها جاءت بعد أشهر قليلة من زيارة تاريخية قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما للهند، وأعلن فيها دعمه لسعي نيودلهي للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن.

وامتدح البيت الأبيض الخطوة التي قام بها البنك المركزي الهندي بخفض التعاملات مع البنك المركزي الإيراني. ورأت وسائل الإعلام الغربية في هذا التطور مؤشرا على انضمام الهند إلى الحظر الذي تقوده الولايات المتحدة على صناعة النفط الإيرانية.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض تومي فيكتور في رسالة بالبريد الإلكتروني: «نحن نعتقد أن بنك الاحتياط الهندي اتخذ القرار الصائب بفحصه الدقيق لمعاملاته المالية مع بنك إيران المركزي وتقليصه لهذه المعاملات». وأضاف: «هذه الخطوة تضيف المزيد إلى القائمة المتزايدة من الشركات والمؤسسات المالية والحكومات التي تشعر بقلق متزايد من سوء استخدام إيران لعلاقاتها التجارية والمالية لدعم أنشطتها غير المشروعة، بما فيها برنامجها النووي».

ومن المتوقع أن تواجه الهند الشهر المقبل نقصا في إمدادات الوقود في أعقاب خطوة المصرف الاحتياطي الهندي، إلا أن وزير النفط الهندي إس سونداريشان قال في مؤتمر صحافي: «نحن نعمل على آلية تسوية بديلة. وقد أجرينا مناقشات مطولة مع وزارة المالية، وسيتم التوصل إلى حل في غضون الأيام القليلة المقبلة».

وأضاف مشيرا إلى المصرف الاحتياطي الهندي: «تتعرض آلية اتحاد المقاصة الآسيوي إلى بعض الضغوط، ومن ثم يسعى المصرف الاحتياطي الهندي إلى إدخال تغييرات على هذه الآلية».

وكشفت مصادر عن أن اجتماع لمسؤولين هنود وإيرانيين الأسبوع المقبل هو لمحاولة اكتشاف هذا البديل.

وفي خطوة وصفت بأنها دليل على رضوخ الهند للضغوط الأميركية، أكد البنك المركزي الهندي في بيان له مطلع الأسبوع أنه لن يقوم بتسهيل دفعات واردات النفط الإيرانية، في ضربة لقطاع النفط الإيراني، في الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط على طهران بشأن برنامجها النووي. وفور إعلان الهند ذلك، أعلنت إيران من جهتها رفضها بيع النفط لنيودلهي وفق القواعد الجديدة.

وتعتبر إيران ثاني أكبر مزود للنفط للهند بعد السعودية، حيث ستورد الهند ما يقدر بنحو 11 مليار دولار من النفط الخام سنويا من إيران، وهو ما يشكل 14 في المائة من إجمالي وارداتها النفطية، بحسب البيانات الحكومية. وتعتبر شركات «مانغالور رفينري آند بتروكيمكالز» المملوكة للدولة، وشركة «إيسار أويل ليميتد» الخاصة، من بين أكبر المستوردين للنفط الإيراني.

هذا، ويشمل اتحاد المقاصة الآسيوي كلا من الهند وبنغلاديش وجزر المالديف وميانمار وبوتان وإيران وباكستان ونيبال وسريلانكا.

وعلى الرغم من عدم منع العقوبات الأميركية شراء النفط الإيراني، فإن الولايات المتحدة ضغطت على الحكومات والشركات لوقف التعامل مع طهران. وكانت إيران طلبت من الشركات الهندية قبل عامين استخدام اتحاد غرف المقاصة الآسيوي لتجنب استهدافه من قبل العقوبات الأميركية، إلا أن عدم قدرة وزارة الخزانة الأميركية، التي طبقت هذه العقوبات، على مراقبة تحويلات اتحاد المقاصة الآسيوي دفع واشنطن للضغط على نيودلهي لإغلاق هذا المسار.

وكان الإيرانيون قد حثوا الشركات الهندية، قبل اللجوء إلى اتحاد المقاصة الآسيوي، لانتهاج النموذج التركي - الإيراني في تسوية الحسابات، لكن نظرا لوجود عدم توازن كبير لصالح إيران، استعصى مثل هذا النظام على التطبيق. ويأتي قرار المصرف الاحتياطي الهندي يوم الاثنين الماضي، في أعقاب التجاهل الهندي الرسمي للفرص الاستثمارية في إيران؛ فقد تلكأت وزارة المالية الهندية لما يقارب العام في إرسال وفد إلى طهران لاستكشاف سبل عزل تجارة النفط عن العقوبات الغربية.

يذكر أن مجموعة العمل الهندية - الإيرانية المشتركة قد التقت في طهران قبل عدة أسابيع بهدف محاولة تعزيز التعاون بين الشركات النفطية في البلدين دون اللجوء إلى انتهاك العقوبات، لكن المفاوضات لم تتوصل إلى نتائج حاسمة.

وقال مصادر حكومية لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تتعامل الشركات مع قطاع النفط الإيراني فإنها بذلك تتعامل أيضا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهو ما يمثل مشكلة، ومن ثم يجب علينا أن نحاول البحث عن سبل لمواجهة القضايا التي تنشأ».

وأضاف: «لن تتمكن الشركات الهندية من التعامل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إذا ما استثمرت أكثر من 20 مليون دولار في إيران».

وقال المصرف المركزي في بيان له: «نظرا للصعوبات التي واجهناها بسبب الدفعات المالية الخاصة بالموردين والمصدرين والمتلقين من إيران تقرر تسوية كل تحويلات الحساب الجاري، التي تشمل التحويلات التجارية مع إيران بأي عملة مسموح بها خارج آلية اتحاد المقاصة الآسيوي حتى إشعار آخر».

وتحاول الهند التوصل إلى آلية بديلة من أجل الدفعات المستحقة للشركات الإيرانية بعدما أغلق المصرف الاحتياطي الهندي مسار اتحاد المقاصة الآسيوي، الخطوة التي أوقفت بفاعلية التسويات بالدولار الأميركي واليورو.

وكان كثير من شركات النفط والمصارف الرئيسية قد امتنعت عن إبرام صفقات مع الشركات الإيرانية منذ ذلك الحين. وقال الرئيس أوباما الذي زار الهند في نوفمبر (تشرين الثاني) إنه دعم مطلبها في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. ويبدو في الوقت الراهن أن استراتيجية الهند من الخوض في كلا الاتجاهين في علاقتها مع إيران قد بدأت تدخل مرحلة أزمة، حيث تجد الهند نفسها الآن في موقف يتوجب عليها فيه التعامل مع الشركات النفطية المحلية والسلطات الإيرانية.

وفي غياب اتحاد المقاصة الآسيوي، ستعاني إيران وشركة النفط الوطني الإيراني من صعوبات في بيع النفط الخام دون دعم من الضمانات السيادية من المصرف المركزي، وستضطر الشركات النفطية أيضا إلى البحث عن مصرف أوروبي بديل يقبل الدفع نيابة عن شركة النفط الوطنية الإيرانية.

وأظهرت وثائق «ويكيليكس» الخلاف بين الهند والولايات المتحدة حول التعاطي مع إيران، وكشفت إحدى الوثائق عن محادثة جرت في مايو (أيار) 2008 بين وزير الخارجية الهندي آنذاك، شيف شانكار مينون، والسفير الأميركي ديفيد مالفورد، بعد زيارة الرئيس الأميركي محمود أحمدي نجاد للهند.

وقال مينون للسفير، بحسب الوثيقة: «هذه الحكومة يحب أن يُنظر إليها على أنها تعتمد سياسة خارجية مستقلة، ولا تستجيب لإملاءات الولايات المتحدة».

وذكرت وثيقة أخرى أن مسؤولا هنديا عبر عن قلقه للأميركيين من خطة إيرانية لدعوة عدد من الخبراء والمتخصصين العاملين في منظمات غير حكومية، والمعروفين بعدائهم للولايات المتحدة، إلى إيران على حساب السفارة، وقال إن هذا «جزء من الجهود الإيرانية لتشجيع الخبراء المعادين للولايات المتحدة، الذين يعملون في المنظمات التي تقدم النصح للحكومة، على اعتماد سياسة أكثر تأييدا لطهران وأكثر عداء لواشنطن».

وذكر المسؤولون الأميركيون في الهند، في الوثائق المرسلة إلى واشنطن، أن لديهم أدلة على أن إيران تشتري بعض الصحافيين ورجال الدين في المناطق الشيعية في كشمير واوتار براديش، بهدف تشجيع المشاعر المعادية للأميركيين.