الهند تزداد أهمية في أعين «الكبار».. ووحدها الصين تنغص عليها

الحدود وقضية كشمير والميزان التجاري تعكر علاقات العملاقين الآسيويين

TT

شهدت الهند مؤخرا ما يمكن وصفه بموسم الأحضان الجيو السياسية، مع استثناء واحد بارز. واحد تلو الآخر، زار قادة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، الهند، برفقة وفود من رجال الأعمال، سعيا وراء توطيد العلاقات مع هذا العملاق الآسيوي الصاعد. وأطلقت وسائل الإعلام الهندية، التي ساورها زهو شديد بالاهتمام الدولي رفيع المستوى، على القادة اسم «بي - 5»، في إشارة إلى الدول الخمس.

الصيف الماضي، حظي رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون باستقبال حار. وبعد ذلك، تمكن الرئيس الأميركي باراك أوباما من إبهار المؤسسة السياسية الهندية التي كانت متشككة إزاءه خلال زيارته البلاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ووقع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اتفاقات نووية مع الهند في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بينما غادر الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، الأسبوع الماضي، الهند محملا بحزمة من العقود الدفاعية بعدما فاز بإشادة هندية بموسكو باعتبارها «شريكا خاصا».

وجاء الاستثناء لهذا المناخ العام المبهج في منتصف ديسمبر أثناء زيارة رئيس الوزراء الصيني وين جياباو. فخلال تلك الزيارة، تمكن وين من إبرام اتفاقات تجارية، وأعلن عن أهداف تجارية جديدة وعرض ضمانات لتأكيد النيات الصينية المسالمة. ومع ذلك، كشفت الزيارة عن أن الكثير من نقاط التوتر بين العملاقين الآسيويين، الخلل في الميزان التجاري والمناطق الحدودية المتنازع عليها ووضع كشمير تتفاقم. وتحولت مؤسسة السياسة الخارجية الهندية التي أبدت ترددها في وقت مضى إزاء تحدي الصين، نحو موقف أكثر صرامة حيال جارتها.

وقال رانغيت غوبتا، وهو دبلوماسي هندي متقاعد وأحد المحللين البارزين الداعين لاتخاذ توجه أكثر تشددا حيال بكين: «زادت زيارة وين من حجم الهوة بين الهند والصين على نحو معلن. وتكشف تحلي المؤسسة الهندية للمرة الأولى بواقعية أكبر في تعاملها مع الصين».

ومعروف أن الهند تتطلع نحو الفوز بمقعد دائم في مجلس الأمن وعضوية مجلس الأمن الدولي، في الوقت الذي تعد الصين العضو الدائم الوحيد الذي لم يقر علانية مثل هذه الخطوة. إلا أن غضب القادة الهنديين الأكبر انصب على ما يعتبرونه تعمد الصين اتباع سياسة استفزازية إزاء كشمير مع تعمق علاقاتها مع باكستان حليفة الصين منذ أمد بعيد وعدوة الهند. كما عمدت بكين لزيادة نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي في جنوب آسيا، حيث عززت من مشاركتها في شؤون سريلانكا ونيبال وجزر المالديف.

وكان من المفترض أن تساعد زيارة وين في تناول هذه التوترات في وقت بدأت الهند في التقارب بدرجة أكبر إلى الولايات المتحدة. وجدير بالذكر أنه بين القادة الصينيين، يجري النظر إلى وين باعتباره صديقا للهند، واعتبرت زيارته لها عام 2005 كخطوة تاريخية بعدما اتفق مع رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ على إطار عمل واسع لتناول الخلافات الحدودية.

وعلى مدار عقود منذ اندلاع حرب حدودية قصيرة بينهما، تشاحنت الدولتان حول الخطوط الحدودية، مع ادعاء الصين أحقيتها في السيطرة على أروناتشال براديش، وهي ولاية هندية شرقية، وادعاء الهند أحقيتها في السيطرة على أجزاء من التيبت المتاخمة للقطاع الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير. وأثار اتفاق 2005 شعورا بالتفاؤل حيال إمكانية التوصل إلى نمط من التسوية، بما يمكن الدولتين من التركيز على التجارة. وبالفعل، شهدت العلاقات التجارية بين الجانبين انطلاقة كبيرة، حيث ارتفعت بمقدار عشرة أضعاف لتصل إلى قرابة 60 مليار دولار. وقد حدد وين هدفا جديدا يتمثل في 100 مليار دولار.

ومع ذلك، يشكو القادة الصينيون الآن من أن الميزان التجاري بين البلدين يميل بشدة لصالح الصين، ويرون أن الشركات الهندية تواجه عقبات كبرى لدى محاولتها دخول السوق الصينية. من جانبه، تعهد وين بمساعدة الشركات الهندية في بيع منتجاتها داخل بلاده، لكن يبقى المسؤولون الهنود متشككين حيال هذا الوعد.

وفي تلك الأثناء، أثارت بكين غضب نيودلهي بشروعها إصدار تأشيرات خاصة، بدلا من التأشيرات المعتادة المتفق عليها، لأي شخص من داخل قطاع كشمير الخاضع للسيطرة الهندية على اعتبار أن الإقليم متنازع عليه. وفي وقت لاحق، اعترضت الصين على مشاركة جنرال هندي رفيع المستوى مسؤول عن كشمير في بعثة عسكرية للصين. وردا على ذلك، جمد المسؤولون الهنود الغاضبون جميع البعثات العسكرية بين الجانبين. وساور الهنود اعتقاد بأن وين قد يلغي سياسة التأشيرات الخاصة خلال زيارته الهند، لكنه بدلا من ذلك اكتفى بالدعوة لعقد مزيد من المشاورات الدبلوماسية.

وقد لاحظ معلقون هنود أن مقالات صادرة في وسائل إعلام حكومية في الصين جددت الادعاءات بأن الحدود المتنازع عليها بين البلدين يبلغ طولها نحو 1.240 ميل، رغم أن الهند تقدر طولها بقرابة 2.175 ميل. ويمثل الاختلاف بين الرقمين تقريبا طول الحدود المرتبطة بكشمير الخاضعة للإدارة الهندية وإقليم التيبت الصيني. ومن خلال حذفهم لهذا الجزء من كشمير، فإن الصينيين يشككون بذلك في شرعية وضع كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية، وهو موقف يدعم ادعاءات باكستان، حسبما يرى الكثير من المحللين الهنود.

أما أوضح الدلائل على تعمق هذه المشكلات فجاء في البيان المشترك الصادر عن البلدين في نهاية زيارة وين. وجرت العادة على مطالبة الصين في البيان الدول الأخرى على مساندة سياسة صين واحدة التي تنتهجها والتي تقوم على أن تايوان جزء أصيل من الصين. وفي البيانات السابقة، وافقت الهند على هذه العبارات، لكنها حذفت هذه المرة، في مؤشر واضح على الغضب الهندي.

وذكر مسؤول هندي رفيع المستوى رفض الإفصاح عن هويته أن «هذه العبارة وردت في جميع البيانات، لكن الصينيين حتى لم يثيروا الموضوع. أعتقد أنهم علموا أنهم لو أثاروه، كنا سنطالب من جانبنا باتخاذ إجراءات على صعيد قضية التأشيرة الخاصة وكشمير». وأضاف: «يجب أن يتفهموا أن هناك إمكانية حقيقية لتردي العلاقات. وسيتعين عليهم التخفيف من حدة موقف تجاه كشمير. وسيتعين عليهم كذلك اتخاذ خطوات ملموسة لتناول اختلال الميزان التجاري».

* خدمة «نيويورك تايمز»