آلاف العائلات من دون ماء في آيرلندا الشمالية

غضب الناس يزداد والسلطات في سباق مع الزمن لإصلاح الأنابيب المتضررة بفعل الجليد

امرأة تملأ قوارير بلاستيكية بالماء من حنفية في شارع بلفاست أمس (رويترز)
TT

منذ أكثر من أسبوع، لم تر آلاف العائلات في آيرلندا الشمالية، الإقليم التابع لبريطانيا، مياها في صنابيرها، ورغم أن الحكومة الإقليمية تسارع لعقد اجتماعات طارئة، فإن الأزمة قد تطول حتى الأسبوع المقبل. وحتى أمس، كان نحو 34 ألف شخص لا يزالون من دون مياه صالحة للشرب إثر انفجار الأنابيب بسبب البرد، فيما لم يتمكن الكثير من العائلات من استخدام الحمامات لأكثر من 11 يوما. وقد تضررت عشرات البلدات والقرى بانقطاع المياه، فيما تلقت الجهات المعنية آلاف الاتصالات الهاتفية المرتبطة بالأزمة.

وبينما يزداد غضب الناس، بدأ المهندسون في سباق مع الزمن من أجل إصلاح الأنابيب التي انفجرت بعد موجة البرد المفاجئة الأخيرة. ورغم أن الوضع بدأ يتحسن نسبيا في عاصمة الإقليم بلفاست، أمس، فإن شركة «مياه آيرلندا الشمالية» (الشركة المعنية بإيصال المياه إلى المنازل)، قالت إن إعادة ربط المناطق الريفية بالشبكة ستأخذ وقتا أطول، مشيرة إلى أن أزمة نقص المياه قد تمتد حتى الأسبوع المقبل. وتعرضت هذه الشركة إلى انتقادات بسبب بطء تجاوبها مع الأزمة. ورغم أن الرئيس التنفيذي للشركة، أكد أمس تحمله المسؤولية الكاملة عن الأزمة، فإنه بدا مدافعا بقوة عن دوره وسط تصاعد الدعوات المطالبة بإقالته. وقال لورنس ماكانزي للصحافيين: «إن انشغالي الرئيسي في هذه اللحظة هو كيفية الخروج من الوضع الحالي وإصلاحه». وأعرب عن اعتقاده أنه «يقوم بكل ما يستطيع» لحل الأزمة.

لكن نائب رئيس الحكومة الإقليمية، مارتن ماك غينيس، قال إنه يشعر بأنه قد «خُذل تماما» نتيجة معالجة شركة «مياه آيرلندا الشمالية» لأزمة تفجر أنابيب نقل المياه في المناطق المتضررة. وقال إنه لم يحصل على معلومات كافية بشأن تاريخ عودة خدمة المياه إلى وضعها الطبيعي. وأضاف: «ينصب تركيزي الآن على كيفية تمكن مؤسسة مياه آيرلندا الشمالية من إنجاز الأمور على نحو أفضل على مر الأيام المقبلة».

وحذر الأطباء من أن استمرار انقطاع المياه يمكن أن يتسبب في أزمة صحية في المنطقة. وروى بعض الأطباء معاناتهم الشخصية أيضا. فقد نقل موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن طبيب من منطقة نيوري، يدعى بيتر ماجاير، قوله إنه يعيش منذ ثمانية أيام من دون مياه. وأضاف: «هذه في الواقع حالة طوارئ صحية عامة. فمؤسسة مياه آيرلندا الشمالية تتخبط في حالة من الفوضى وعدم الانتظام. لقد تُركت عائلات من دون مياه شرب ومن دون مياه صرف صحي، وهذا غير مقبول». وتابع أن هناك سكانا من الفئات الهشة «يعيشون من دون مياه لمدة أسبوع. هذا الوضع غير مسبوق، لكنه بدأ الآن يخرج عن السيطرة».

ونقلت وكالات الأنباء صورا لسكان ينتظرون في طوابير طويلة أمام أماكن اختيرت لتوزيع المياه. وقال فيليب دمبستر (31 سنة)، إنه يعاني من انقطاع المياه في منزله منذ أعياد الميلاد. وأضاف أثناء توقفه للتزود بالماء في منطقة بشرق بلفاست: «إنه لأمر فظيع أن نقف في طابور من أجل الحصول على الماء». وتابع: «ببساطة ما كان ينبغي لهذا أن يحدث».

ومثل الطبيب ماجاير، انصب قلق الكثيرين على معانات الفئات الهشة مثل المسنين والمرضى. وقالت ديم جوان هاربيسون، وهي تتحدث نيابة عن المسنين في المناطق المتضررة، إن الكثير من المحالين على التقاعد يعانون للغاية لتدبير أمورهم في ظل انقطاع المياه. وأضافت: «هذا لا يصدق. هناك الكثير من الأشخاص في عموم آيرلندا الشمالية لا توجد لديهم مياه، ولا يستطيعون التوجه إلى أماكن توجد فيها مياه. ليس بمقدورهم الوقوف في طوابير طويلة لفترات طويلة من الوقت للحصول على المياه».

وأمام هذا الوضع، سارعت السلطات في إقليم اسكوتلندا، التابع هو الآخر للمملكة المتحدة، إلى المساعدة بإرسال 160 ألف لتر من المياه المعلبة لتوزيعها على المنازل والشركات. وتم أول من أمس، نقل أول شحنة من عبوات المياه من منشأتي «بانف» و«فورفار» على متن إحدى السفن من اسكوتلندا باتجاه مرفأ لارن في آيرلندا الشمالية.

وعقدت الحكومة الإقليمية برئاسة رئيس وزراء آيرلندا الشمالية بيتر روبنسون ونائبه الأول مارتن ماك غينيس، أمس اجتماعا طارئا لمناقشة أزمة المياه الراهنة التي تضررت منها نحو 80 بلدة وقرية في عموم آيرلندا الشمالية. وأمام هذا الوضع، تعمل المجالس والبلديات المحلية على تزويد السكان المتضررين بالمياه وتقديم خدمة الاستحمام المجاني لمن لا توجد لديهم شبكة مياه صالحة للاستعمال في منازلهم.

وقال عدد من السياسيين إن الأزمة تبرز النقص المزمن في الاستثمار في آيرلندا الشمالية التي أنهت قبل عشر سنوات نزاعا سياسيا ذا طابع مذهبي استمر 30 عاما. وقال وزير البيئة إدوين بوتس أمام برلمان المقاطعة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، إن المهندسين تمكنوا من إعادة المياه إلى 15 ألف منزل من بين 40 ألف منزل انقطعت عنها المياه. وأكد أن ثلاثة مليارات جنيه إسترليني (3.54.6 مليار دولار) استثمرت خلال السنوات الأخيرة في المقاطعة، إلا أن جذور المشكلة قديمة.

وكانت شركة «مياه آيرلندا الشمالية» قالت إن عددا غير مسبوق من التسربات حدثت في شبكة المياه التابعة لها جراء ذوبان الجليد والثلوج التي تراكمت في المنطقة طوال الفترة الماضية بسبب الانخفاض الكبير في درجات الحرارة. وتعد هذه الشركة المملوكة من قبل الحكومة، الوحيدة التي تقوم بمد آيرلندا الشمالية بالمياه وخدمات الصرف الصحي.