الهند تبحث في تمرير مدفوعات النفط لإيران عبر الصين أو اليابان

مسؤول هندي لـ«الشرق الأوسط»: من المحتمل اعتماد عملة جديدة مثل الين الياباني أو الدرهم الإماراتي

TT

أكدت مصادر هندية لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بعد في المحادثات بين الهند وإيران التي بدأت أمس، لحل الخلاف حول المدفوعات الهندية مقابل النفط الإيراني. وأشارت المصادر في وزارة الخارجية الهندية إلى أن الطرفين لا يعملان لحل مشكلة تسديد الهند دفعاتها مقابل شراء النفط الإيراني، بعد أن أعلن البنك المركزي الهندي مطلع الأسبوع خفض التعاملات مع طهران.

واجتمع في مومباي أمس ممثلون عن الطرفان لحل الأزمة التي اندلعت قبل أيام، للبحث في حلول للأزمة. وقال المصدر الذي يشارك في المفاوضات، إن أحد الحلول التي يتم بحثها بجدية، هي تمرير المدفوعات إلى إيران عبر بلد ثالث. وأضاف: «هناك بعض البلدان التي لم تستسلم للضغوط الأميركية، لذلك هناك خيار بإرسال المدفوعات عبر مصارف في الصين واليابان».

وكشف المصدر أنه «من المحتمل أن يعتمد الطرفان على عملة جديدة مثل الين الياباني أو الدرهم الإماراتي أو أي عملات أخرى، بهدف تجنب التسبب في مشكلات للأميركيين والأوروبيين في بيع النفط».

إلا أن ناطقا باسم البنك المركزي الهندي رفض تأكيد نفي التوصل إلى حل، وقال لـ«الشرق الأوسط» في اتصال من مومباي، إن الاجتماع بين المسؤولين الإيرانيين والهنود مستمر وإنه سيكون هناك المزيد من المحادثات، من دون الإدلاء بمزيد من المعلومات.

وكان يأمل المسؤولون الهنود والتجار حلا سريعا لقضية المدفوعات التي يمكن أن توقف نحو 13 في المائة من الواردات النفطية إلى الهند، وتدفع بالهند إلى البحث عن أسواق نفط جديدة أكثر تكلفة. وقالت وكالة «رويترز»، نقلا عن مصدر مطلع، إن الهند مدينة حاليا لإيران بمليار يورو.

وستزيد الخطوة الجديدة التي اتخذها البنك المركزي الهندي، والتي سعت الولايات المتحدة طويلا لتنفيذها كوسيلة لتشديد العقوبات ضد إيران، من الصعوبات التي تواجهها الشركات الهندية في شراء النفط والغاز الإيرانيين، لأنها لن تتمكن بعد الآن من استخدام اتحاد المقاصة الآسيوي، الذي أنشأته الأمم المتحدة في السبعينات لتسهيل التجارة بين الدول الآسيوية لمعالجة المدفوعات.

وتسمح غرفة المقاصة للشركات الهندية بتسديد الأموال للشركات الإيرانية عبر المصرفين المركزيين في كلا البلدين، لكنه كان يعني في الوقت ذاته أن التعاملات المالية كانت أقل شفافية، مما جعل المدفوعات الموجهة للشركات المرتبطة بالحكومة الإيرانية التي تسيطر عليها مجموعات محظورة بموجب العقوبات - أكثر غموضا.

ويعد قرار الهند بإعادة التفكير في قواعد شراء النفط الخام الهندي، علامة على الروابط العميقة بين الهند والولايات المتحدة، لكن القرار على الرغم من ذلك كان مثارا للدهشة للكثير من المحللين. وقال بارفين كومار، رئيس فريق نفط وغاز جنوب آسيا في مؤسسة «فاكتس غلوبال إنرجي» الاستشارية، لصحيفة «نيويورك تايمز»: «تشتري الهند كميات كبيرة من النفط الخام من إيران، ومن ثم فإن تعويض مثل هذا الكم الكبير لا يزال غامضا. نحن نتحدث عن نظام قائم بالفعل يواجه الكثير من المتطلبات القائمة للهند، ومن ثم سيكون فطام الهند عن النفط الإيراني في الوقت الحالي صعبا للغاية، نظرا لقلة الإمداد وارتفاع الأسعار، إضافة إلى حرص الحكومة الهندية على خفض الأسعار المدعومة التي يدفعها مواطنوها ثمنا للمنتجات البترولية».

ويبلغ إجمالي ورادات الهند اليومية من النفط الإيراني ما بين 350 ألف إلى 400 ألف برميل، تمثل 15 في المائة من إجمالي واردات النفط الخام، ويتم استيراد جزء كبير من النفط الخام من قبل الشركات المملوكة للدولة، لأن شركات القطاع الخاص التي كانت تعتمد على الواردات الإيرانية قلصت من وراداتها خلال السنوات الأخيرة بضغوط من الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من تجاهل الصين ضغوط الولايات المتحدة وفرض عقوبات ضد إيران، إلا أن الهند لا تملك مثل هذا الخيار. ويقول كومار: «إن الهند لم يتبق لها الكثير من الخيارات. والولايات المتحدة في هذا الموقف أشبه بالأخ الأكبر الذي طلب منهم القيام بذلك». الواقع أن الولايات المتحدة طالما أعربت عن رغبتها في أن توقف الهند تجهيز المدفوعات إلى إيران عبر نظام مقاصة المصرف المركزي. وقد أشاد المتحدث باسم البيت الأبيض قرار المصرف المركزي الهندي، في بيان له عبر البريد الإلكتروني: «اتخذ المصرف المركزي الهندي القرار الصحيح للتدقيق بعناية والحد من تعاملاتها المالية مع المصرف المركزي الإيراني».

وترتبط الهند بعلاقات تجارية قوية مع إيران، التي تشكل لاعبا إقليميا مهما، لأسباب عملية وآيديولوجية. كما كانت الهند واحدة من الدول المؤسسة لحركة عدم الانحياز، التي كانت تقف، من الناحية النظرية، موقفا وسطا بالنسبة للبلدان التي لم ترغب في الانحياز لأحد الجانبين في الحرب الباردة.

ويرى المحللون أن الهند واصلت، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، انتهاج سياستها بعدم الانحياز، لكنها تطورت لتتبنى نهجا براغماتيا تجاه جاراتها مثل إيران. فكانت الهند تنظر إلى إيران في الماضي باعتبارها حصنا محتملا ضد النفوذ الباكستاني في أفغانستان.

لكن مثل هذه الاعتبارات تراجعت مؤخرا نتيجة للطموحات الواسعة للهند، فعارضت البرنامج النووي الإيراني في إطار سعيها نحو تحقيق اعتراف دولي وقبول وضعها النووي.

وقال راجا موهان، محلل استراتيجي: «تسعى الهند للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، ومن ثم ترغب في أن ينظر إليها على أنها لاعب مسؤول على الساحة العالمية. ولذا، لن تعرض الهند مصالحها الخاصة للخطر، لأنها كإحدى دول عدم الانحياز يجب عليها دعم إيران».