2010 أسوأ عام لاقتصادات الدول المتقدمة.. وتفاؤل بـ2011

توقعات بارتفاع كبير للأسهم الأميركية وسط تعافي الدولار

حافظ الاسد و بشار الاسد
TT

ربما تلخص رواية «قصة مدينتين» التي كتبها العبقري الإنجليزي تشارلز ديكنز مسيرة الاقتصاد العالمي خلال عام 2010، فبينما تواصل الانتعاش الاقتصادي في الدول الناشئة وسط تدفقات السيولة وفرص العمل، شهدت اقتصاديات الدول المتقدمة أسوأ عام لها منذ عام الأزمة المالية، حيث كادت أزمة الديون تعصف باليورو، وتفتت الاتحاد الأوروبي بعد سنوات من التماسك، ولا تزال المخاطر تحيط بمستقبل أوروبا الموحدة. وعلى الجانب الآخر من الأطلنطي كادت أميركا تنزلق إلى هاوية ركود جديد لولا سياسة «التيسير الكمي الثانية» التي رصد بموجبها مصرف الاحتياط الفيدرالي 600 مليار دولار لشراء السندات الحكومية وسندات الشركات الخاصة من بنوك وغيرها. وعلى صعيد الأسواق تتجلى «قصة مدينتين» في التباين الصارخ بين أسعار المعادن وأسعار صرف العملات. فبينما واصلت المعادن صعودها الثابت وارتفعت إلى مستويات تاريخية وكانت بحق نجم الاستثمار والملاذ الآمن للمستثمرين الهاربين من جحيم اضطراب العملات، هبط الدولار إلى أدنى مستوياته مقابل العملات الرئيسية وكذلك اليورو. الذهب بلغ ذروته عند 1422 دولارا للأوقية، والفضة صعدت إلى ذروتها عند 30.50 دولار للأوقية، بينما هبط الدولار إلى مستويات تاريخية مقابل العملات الرئيسية، وكاد ينخفض إلى أقل من فرنك سويسري في بعض الأحيان.

عام 2011 الذي يقف على مشارف الوداع كان عاما قاسيا على أوروبا وأميركا من حيث المناخ الذي هطلت فيه الثلوج بكثافة وانخفضت درجات الحرارة إلى أقل مستوياتها منذ الحرب العالمية، ومن حيث المناخ الاقتصادي الذي أعلنت فيه الكثير من دول أوروبا وعلى رأسها بريطانيا أكبر خفض في الإنفاق منذ العشرينات، وارتفعت فيه معدلات البطالة إلى مستويات لم تشهدها منذ الكساد الكبير في الثلاثينات. لكن يبقى السؤال الكبير الذي حاول خبراء المصارف والاقتصاد الإجابة عنه، وهو: ماذا يحمل العقد الجديد في طياته للمستثمرين؟

تباينت التوقعات حول أداء الاقتصادات ومستويات النمو، كما تباينت حول أسعار السلع وأداء الأسواق. لكن معظم الدراسات المصرفية التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» للعام الجديد الذي يؤشر أيضا إلى بداية عقد جديد، تشير إلى أن الاقتصاد الأميركي ربما ينمو بمعدل يفوق 3.0%، كما أن بريق الذهب سيتواصل، لكن المفاجأة الحقيقية في التوقعات هي الارتفاع الكبير المتوقع في أسعار الأسهم الأميركية التي ربما تنمو بنسبة 25% حسب توقعات مصرف «غولدمان ساكس» الأميركي، مما يعني عودة الجاذبية للاستثمار في أميركا بعد سنوات من هروب الأموال من «وول ستريت» إلى الأسواق الناشئة. كما توقعت دراسات المصارف أن يشهد الدولار تحسنا وإن كان بمعدل طفيف مقارنة مع مستوياته الدنيا خلال العام الحالي. لكن معظم الدراسات المصرفية أشارت إلى تواصل اضطراب منطقة اليورو في العام الجديد، وتواصل الضغوط على الاقتصاد البريطاني من تداعيات تنفيذ ميزانية التقشف التي أعلنت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وفي بريطانيا، توقع اقتصاديون أن تواصل أسعار المساكن انخفاضها في عام 2011، وربما بنسبة 10%. ويعزون ذلك إلى عاملين، أحدهما الآثار السالبة المترتبة على تنفيذ حكومة الائتلاف لخطة التقشف ومواصلة البنوك سياسة الضوابط الصارمة في مجال قروض المساكن. ومن بين 56 اقتصاديا استفتتهم صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، قال 50 منهم إن الأسعار ستنخفض، فيما توقع الستة الآخرون أن ترتفع الأسعار. لكن استبعد معظم الاقتصاديين الذين شملهم الاستفتاء حدوث انهيار في أسعار المساكن البريطانية رغم ظروف الاقتصاد الضاغطة.

أسعار الصرف العالمية

* وفقا لمصرف «يو بي إس»، أكبر المصارف السويسرية، فإنه من المتوقع أن تتأثر أسعار الصرف العالمية خلال العام المقبل 2011 بثلاثة عوامل رئيسية، أولها: الشكوك المثارة حول معدلات النمو في الاقتصادات الرئيسية وفرص العمل، خاصة في اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي التي عاشت أكبر أزماتها في العام الحالي. وثانيا النمو القوي للاقتصادات الناشئة، خاصة اقتصاد الصين والهند وباقي دول آسيا والبرازيل وروسيا. وثالثا مخاطر الأخطاء في السياسات النقدية التي نفذتها السلطات النقدية للخروج من الأزمة المالية. ويلاحظ أن هذه المخاطر التي ستواجهها العملات تتراوح بين الخفض الصفري لمعدلات الفائدة الذي أشعل «حرب العملات» بين أميركا وآسيا وأوروبا، حيث تأمل كل منها في زيادة صادراتها عبر تقوية الميزة التنافسية المرتبطة بسعر الصرف، وبين سياسة «التيسير الكمي» التي نفذتها أميركا وسياسة «خفض الإنفاق» التي نفذتها بريطانيا وبعض دول منطقة اليورو. ويعتقد مصرف «مورغان ستانلي» أن المصارف المركزية في مجموعة العشرة ستواصل سياسة التيسير الكمي والسياسة النقدية المرنة وسعر الفائدة المقارب للصفر طوال عام 2011، وستضحي بمخاطر التضخم وفقاعة الموجودات في سبيل زيادة معدلات النمو وتوفير فرص عمل لجيوش البطالة خاصة في الولايات المتحدة.

الدولار

* حسب توقعات مصرف «يو بي إس» فمن المتوقع أن يشهد الدولار تحسنا طفيفا خلال العام المقبل 2011. وقال المصرف السويسري في توقعاته إن مستوى تحسن الدولار مرتبط إلى حد كبير بنجاح سياسة «التيسير الكمي الثانية» التي رصد لها مجلس الاحتياط الفيدرالي 600 مليار دولار، وكذلك بمعدلات النمو الاقتصادي الأميركي. وكان أكثر من 50 اقتصاديا ومصرفيا توقعوا لصحيفة «وول ستريت» أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة تفوق في المتوسط 3.0% خلال العام المقبل. وحسب توقعات «يو بي إس» فإن تحسن الدولار مقابل الإسترليني سيتأثر بالسلبيات المصاحبة لسياسة ضغط الإنفاق في بريطانيا، فيما سيكون تحسن الدولار مقابل اليورو مرتبطا بمدى فاعلية معالجات دول الاتحاد الأوروبي لأزمة ديون الاقتصادات الضعيفة، خاصة اقتصادات آيرلندا واليونان والبرتغال وإسبانيا. ويلاحظ أن الدولار أنهى تعاملات العام الحالي منخفضا مقابل معظم العملات الرئيسية، حيث سجل انخفاضا تاريخيا مقابل الين والفرنك السويسري والإسترليني وحتى اليورو. ومن العوامل الأخرى التي ستؤثر على سعر صرف الدولار، احتمالات تأثير قطاع العقارات الأميركية على تعافي الاقتصاد الأميركي، حيث لا تزال البنوك الأميركية الكبرى مثل «سيتي بنك» و«جي بي مورغان» و«بنك أوف أميركا» تتحمل محافظها رهونات عقارية بآلاف مليارات الدولارات، وهي تتمهل في تنفيذ إجراءات الحجز على العقارات التي فشل أصحابها في تسديد أقساط القروض.

اليورو

* الأسواق تواصل الشكوك حول نجاح الاتحاد الأوروبي في معالجة أزمة اليورو. ورغم أن دول الاتحاد الأوروبي وافقت تحت الضغط الألماني في القمة الأخيرة على تبني آلية دائمة لمعالجة الديون، فإن الخلافات داخل منطقة اليورو تلقي بظلالها على سعر صرف اليورو وعلى أسعار السندات السيادية الأوروبية ومدى قدرة الاقتصادات الضعيفة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين. ومما عزز هذه الشكوك أن اجتماع القمة الأوروبية الأخير لم يتمكن من حسم أهم قضيتين لتهدئة الأسواق، وهما قضية زيادة رأسمال صندوق الطوارئ من حجمه الحالي 750 مليار يورو (نحو تريليون دولار) لإعطاء الثقة بأن الصندوق ضخم وقادر على امتصاص أي هزة في إسبانيا والبرتغال، والقضية الثانية متعلقة بإصدار سندات سيادية مشتركة لدول الاتحاد، والتي رفضتها ألمانيا. ولاحظ مصرفيون أن القمة لم تحسم كذلك الخلافات بين الدول صاحبة الاقتصادات القوية مثل ألمانيا ودول الاقتصادات التي تقف على حافة الانهيار وتحتاج إلى مساعدات. وقال مصرف «يو بي إس» إن الشكوك حول مستقبل اليورو تتزايد، وإن أسعار التأمين على سندات ديون اليورو ترتفع، رغم تطمينات الدول الغنية في الاتحاد الأوروبي. وتوقع المصرف السويسري أن يتواصل ضعف اليورو في العام الجديد. وقال إن الفرنك السويسري سيواصل ارتفاعه كـ«عملة ملاذ آمن» في ظل الاضطراب الأوروبي في معالجة أزمة المديونيات.

وكان وزراء مالية الاتحاد الأوروبي ذكروا في اجتماعهم بداية ديسمبر (كانون الأول) أن دول منطقة اليورو في حاجة إلى أن تتأكد أنها تلتزم بقواعدها المالية، وكذلك التخطيط لبرامج إنقاذ مستقبلية للدول المفلسة. وشدد وزير المالية السويدي أندرس بورغ على أن دول الاتحاد بحاجة إلى تعزيز التوصل لحل طويل المدى يمكنها من إعادة ضبط الشؤون المالية. ويذكر أن أوروبا رفضت مقترحا لإصدار سندات سيادية أوروبية مشتركة لا يتضمن أي تعديل في مواثيق الاتحاد الأوروبي، متوقعة تطبيق هذا المقترح مستقبلا، مما أبقى على المخاطر وشكوك المستثمرين. وقال مصرف «يو بي إس» إن العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) ستكون أمام اختبار حقيقي خلال العام المقبل.

السلع

* كانت السلع نجم الأسواق في عام 2010 من دون منازع، حيث شهدت أسعارها ارتفاعا تاريخيا مستفيدة من الاضطراب في أسواق الصرف العالمية وضعف الدولار. ويلاحظ أن معظم المستثمرين لجأوا خلال العام إلى استخدام الذهب كـ«ملاذ آمن» لحماية موجوداتهم من التآكل وسط التدهور المستمر في سعر الدولار. وسط هذه الهجمة الاستثمارية بلغ سعر الذهب مستوى ذروته عند 1422 دولارا للأوقية. ويعتقد معظم المحللين أن الذهب سيشهد ارتفاعا جديدا في العام الجديد، وسيستفيد في ذلك من سياسة التيسير الكمي وحرص الولايات المتحدة على إضعاف الدولار لزيادة حجم الصادرات والاضطراب المتوقع في سعر صرف اليورو. وحسب مسح «برايس ووتر هاوس آند كوبرز» فإن التوقعات لسعر الذهب في العام الجديد تراوحت بين 1400 دولار و2000 للأوقية. لكن التوقعات المتواضعة، ومن بينها توقعات «غولدمان ساكس»، ترى أن سعر أوقية الذهب سيرتفع إلى 1690 دولارا. وأشار مصرف «كوميرتس بنك» الألماني إلى أن ما يدعم ارتفاع سعر الذهب في العام المقبل، هو زيادة عدد الصناديق المستثمرة في المؤشرات المرتبطة بالذهب. وتشير توقعات مصرف «مورغان ستانلي» إلى أن معظم أسعار المعادن خاصة النحاس والفضة سترتفع، لكن الذهب سيرتفع بمعدلات متواضعة.

النفط

* يوجد شبه إجماع بين الدراسات التي نشرتها المصارف الكبرى لتوقعات العام الجديد على أن أسعار النفط، خاصة الخام الخفيف من نوعية برنت، سترتفع خلال العام الجديد إلى مائة دولار أو أعلى. وأشار كل من مصرف «غولدمان ساكس» ومصرف «جي بي مورغان» ومصرف «بنك أوف أميركا ميريل لينش» إلى تصاعد أسعار النفط إلى مائة دولار للبرميل في بداية العام وربما الأسابيع الأولى. وتشير هذه الدراسات إلى أن المراجعة التي أجرتها وكالة الطاقة العالمية الأخيرة دعت بعض المصارف إلى مراجعة توقعاتها صعودا. لكن في مقابل هذه التوقعات تشير مصلحة الطاقة الأميركية إلى أن النفط من نوعية خام غرب تكساس سيتأرجح في المتوسط حول مستوى 83 دولارا للبرميل. وبنت مصلحة الطاقة الأميركية توقعاتها على احتمالات ارتفاع الطلب على الخام، لكنها لم تأخذ في الاعتبار مؤشرات النمو الاستهلاكي الأخيرة.