تراجع الديمقراطيين خلال 2010 بينما انشغل أوباما بالاقتصاد

الكونغرس أقر أبرز قرارات الرئيس الأميركي بعد تنازلات من الطرفين.. والرعاية الصحية أصبحت قانونا

TT

شهد عام 2010 خسارة كبيرة للديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي، جعل إدارة الرئيس الأميركي بارك أوباما في موقع صعب بعد أن تمتعت لما يقرب من عامين بسيطرة الديمقراطيين على الكونغرس والبيت الأبيض. وبينما كانت خسارة الديمقراطيين العنوان الأبرز في الأوساط السياسية الأميركية في الجزء الأخير من عام 2010، كان الاقتصاد الشاغل الأول للرئيس الأميركي.

وخصص أوباما خطابه أمام الكونغرس في «خطاب حال الأمة» في 27 يناير (كانون الثاني) الماضي للوضع الاقتصادي الأميركي، قائلا إن «المرحلة الأسوأ من العاصفة قد انتهت. ولكن الدمار ما زال قائما».

وسلط هذا الدمار بظلاله على الكثير من العام، وخاصة على أجندة أوباما الذي قضى غالبية الصيف يتجول في ولايات أميركية مختلفة ليدافع عن سياساته الاقتصادية، خشية من تأثير الاقتصاد على حظوظ الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس الأميركية في نوفمبر (تشرين الأول). وذلك ما حدث بالفعل.

وتعهد أوباما في خطابه بداية العام بالعمل على تخفيض نسبة البطالة وإنعاش الاقتصاد الأميركي، قائلا إن خلق فرص العمل «يجب أن يكون محل تركيزنا الأول في عام 2010». وعلى الرغم من جهود أوباما وفريقه الاقتصادي، زادت نسبة العاطلين عن العمل من 9.6 في المائة إلى 9.8 في المائة نهاية العام. وبحسب الإحصاءات من البيت الأبيض، فإن نسبة العاطلين عن العمل لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي كانت لـ9.8 وهو الرقم الأخير المعلن عنه لعام 2010. وشرح رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض اوستان غولسبي في بيان صادر 3 ديسمبر (كانون الأول) أن «تقرير العمل يظهر أن وظائف القطاع الخاص زادت بعدد 50 ألف (وظيفة)، وهو عدد أقل من المتوقع ولكنه أكمل 11 شهرا متتاليا من النمو في القطاع الخاص».

وأضاف غولسبي، الذي تولى رئاسة المجلس الاقتصادي في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن «الوتيرة لم تكن كافية لمنع ارتفاع نسبة البطالة إلى 9.8 في المائة». وارتفعت نسبة البطالة إلى 9.8 في المائة في سبتمبر، بعدما كانت 9.6 في المائة في أغسطس (آب) الماضي، وكانت قد هبطت إلى 9.5 في المائة في يونيو (حزيران) لمدة وجيزة. ويذكر أنه في بداية عام 2010، كانت نسبة البطالة 10 في المائة، وكان هدف إدارة أوباما خفضها بنسبة أكبر خلال العام، ولكن لم تفلح بذلك. وسيكون خلق فرص العمل وخفض نسبة البطالة أولوية لإدارة أوباما للعام المقبل.

وبينما عانت إدارة أوباما من تبعات الأزمة الاقتصادية، حاول أوباما ربط الأزمة برئاسة سلفه الرئيس الجمهوري جورج بوش. إلا أن الشعب الأميركي بدأ يلوم الديمقراطيين على المشكلات الاقتصادية والعجز العام الذي وصل إلى 1.39 تريليون دولار.

ولم يكن الاقتصاد وحده مصدر المشكلات السياسية لإدارة أوباما خلال العام الماضي؛ فكان هناك حادث شغل البيت الأبيض والرأي العام الأميركي لأسابيع عدة، وهو انفجار منصة «ديب ووتر هورايزون» التابعة لشركة «بي بي» في خليج المكسيك في 20 أبريل (نيسان) الماضي. وأدى الانفجار إلى انتشار بقعة نفطية واسعة بعد تسرب نفطي على سواحل عدد من الولايات الجنوبية. وواجهت إدارة أوباما انتقادات كثيرة لعدم معالجتها الأزمة بشكل سريع، إلا أنه سرعان ما تدخل أوباما وأوفد وزير الداخلية كينيث سالزار، ووزير الطاقة ستيفن تشو إلى موقع التسرب النفطي الذي اعتبرته منظمات مثل «غرين بيس» الكارثة البيئية الأكبر التي واجهت الولايات المتحدة.

ولكن حصل أوباما على مكسب سياسي وتاريخي مهم في بداية عام 2010، وهو إقرار قانون نظام رعاية الصحة الأميركي، وهو مسعى سعى إليه عدد من الرؤساء الأميركيين، آخرهم الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ولكنهم فشلوا في تحقيقه.

وعلى الرغم من أن أوباما أجبر على التنازل في صيغة القرار، الذي يدخل أجزاء منه حيز التنفيذ فورا وأجزاء أخرى عام 2014، فإنه في النهاية حصل على دعم كاف من مجلسي النواب والشيوخ. ويوم 23 مارس (آذار) وقع أوباما قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية، وبينما انتقد بعض الديمقراطيين قرار أوباما بالتنازل عن مطلب تطوير نظام تأمين صحي حكومي ينافس الشركات الخاصة الحالية بسبب معارضة الجمهوريين، اعتبر أوباما القانون إنجازا كبيرا. وقال أوباما حينها: «إننا أثبتنا أننا شعب ما زال قادرا على تحقيق إنجازات كبيرة ومواجهة أكبر التحديات».

إلا أن إصدار قانون نظام الرعاية الصحية الذي يوفر الرعاية الصحية لـ32 مليون أميركي ليس لديهم تأمين صحي أدى إلى تحشيد الجمهوريين ضد أوباما، وتقوية قاعدتهم الشعبية من المعارضين لهذا القرار.

وشهد عام 2010 تقدما جديدا لحركة «حفل الشاي»، الحركة اليمينية المتمسكة بمبادئ تقليص دور الحكومة والسوق الحرة. وبرزت مرشحة الحزب الجمهوري السابقة لمنصب نائب الرئيس الأميركي سارة بالين كقائدة الحركة، وخاصة خلال انتخابات الكونغرس النصفية.

وبينما أدت انتخابات الكونغرس النصفية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فوز الجمهوريين بمجلس النواب الأميركي وتغيير في موقع الديمقراطيين في الكونغرس، كانت انتخابات يوم 19 يناير 2010 لملء مقعد مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس بعد وفاة السيناتور الديمقراطي تيد كيندي أولى خسائر الديمقراطيين لذلك العام؛ فاستطاع الجمهوري سكوت براون، القريب من حفل «حركة الشاي» والحاصل على دعم بالين، أن يفوز بالمقعد الديمقراطي تقليديا، الذي حرم الديمقراطيين من أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ، الذي كان سيضمن لهم أغلبية الـ60 مقعدا لفرض التشريعات في مجلس الشيوخ.

أما يوم 2 نوفمبر، ففاز الجمهوريون بـ63 مقعدا في مجلس النواب الأميركي، ليفوزوا بأغلبية المقاعد فيه وينهوا سيطرة الديمقراطيين عليه، وبذلك تنتهي ولاية رئاسة نانسي بيلوسي من الحزب الديمقراطي لمجلس النواب الأميركي. وحققت بيلوسي إنجازا تاريخيا للمرأة الأميركية عندما أصبحت رئيسة مجلس النواب في يناير عام 2007. وأبقت بيلوسي، وعمرها 70 عاما، منصبها رئيسة للكتلة الديمقراطية في مجلس النواب على الرغم من اعتراض بعض من أعضاء حزبها، وتعهدت بيلوسي بالسعي لاسترجاع سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب بحلول انتخابات الكونغرس المقبلة عام 2012.

ويسلم بيلوسي رئاسة مجلس النواب إلى عضو مجلس النواب الجمهوري من ولاية أوهايو جون بيهنر الذي سيصبح رئيس مجلس النواب يوم 5 يناير المقبل، وبيهنر المحافظ قد تعهد بالوقوف في وجه أجندة أوباما التشريعية، وخاصة تلك المتعلقة بالإنفاق الحكومي.

وبينما أبقى الديمقراطيون سيطرتهم على مجلس الشيوخ، تراجعت أغلبيتهم بـ6 مقاعد، لتصبح 53 مقعدا للديمقراطيين، ويؤكد ذلك حاجتهم لدعم عدد من الأعضاء الجمهوريين لإقرار التشريعات في المجلس.

وعكست نتائج انتخابات الكونغرس النصفية تراجع حظوظ الديمقراطيين بين الشعب الأميركي، وخاصة رئيسهم. وشهد عام 2010 تراجع شعبية أوباما، وهو أمر عادة ما يعاني منه الرئيس الأميركي في عامه الثاني، وبدأ أوباما عام 2010 بشعبية متوسطة ولكن متراجعة عن سنته الأولى في البيت الأبيض حيث كانت مرتفعة عند نسبة 68 في المائة. وبحسب معهد غالوب، كانت نسبة شعبيته في الأسبوع الأول من يناير الماضي 50 في المائة، ولكنها انخفضت إلى 46 في المائة نهاية العام بحسب المعهد نفسه.

وسيشهد عام 2011 انطلاق الحملات الانتخابية غير الرسمية استعدادا لانتخابات الرئاسة لعام 2012. ومن شبه المؤكد أن يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما مرشح الديمقراطيين في تلك الانتخابات، إذ عادة ما يكون شاغل منصب الرئاسة هو المرشح بعد انتهاء ولايته الثانية، ولكن من غير المحسوم بعد من سيكون مرشح الحزب الجمهوري. وتنطلق الحملات الانتخابية الأولية في الحزب الجمهوري الربيع المقبل لتحديد مرشح الحزب المعارض للانتخابات المقبلة.

وعلى الرغم من التغييرات في الساحة السياسية الأميركية، فإن أوباما ما زال قويا وقادرا على الحصول على تشريعات أساسية لتنفيذ أجندته السياسية. وبعد أن فاز الجمهوريون بمجلس النواب وتقلصت أغلبية الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، سعت إدارة أوباما إلى دفع عدد من التشريعات وإقرارها في الكونغرس قبل دخوله دورته الثانية في 5 يناير. وشهد الشهر الأخير من العام حركة تشريعية نادرة، أدت إلى تأجيل أوباما عطلته لنهاية العام وإشرافه على إصدار تشريعات مهمة. وعلى رأس تلك التشريعات تمديد فترة إعفاءات ضريبية عن كل الأميركيين تصل قيمتها إلى 900 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.

وجاء ذلك القانون نتيجة تنازل من أوباما والجمهوريين، حيث وافق أوباما على تمديد الإعفاءات الضريبية عن أغنى الأميركيين، وهو مطلب من الجمهوريين، بينما وافق الجمهوريون على تمديد برامج الدعم المالي للعاطلين عن العمل. وحصل أوباما أيضا في نهاية دورة الكونغرس على إقرار قانون يحظر منع مثليي الجنس من الالتحاق بالجيش الأميركي، وجاء ذلك بتصويت عدد من الأعضاء الجمهوريين لصالح القرار.

وفي مؤتمره الصحافي الأخير للعام 2010، أبدى أوباما فخره بما استطاع إنجازه على الرغم من الصراع مع الجمهوريين، واصفا شهري نوفمبر وديسمبر بـ«الفترة ما بعد الانتخابات الأكثر إنتاجا منذ عقود». وأضاف في المؤتمر الصحافي الذي عقد يوم 22 ديسمبر في البيت الأبيض أن فترة رئاسته للعامين الماضيين كانت «أكثر فترة تخرج بنتائج منذ أجيال».

وبينما أشاد الكثير من المحللين والإعلاميين بقدرة أوباما على إعادة الحماس لأجندته السياسية والحصول على التشريعات الضرورية في نهاية العام، حذره آخرون من الغرور أو المبالغة في التوقعات من المرحلة المقبل. وقال الكاتب دانا ميلبانك في صحيفة «واشنطن بوست»: «احذر يا سيدي الرئيس؛ ما أوقع أوباما في المشكلات في المرحلة الأولى كانت التوقعات العالية التي حملها البلاد لإدارته».

ومن المؤكد أن الاقتصاد سيتصدر اهتمامات أوباما للعام المقبل، مع الإعداد للانتخابات المقبلة، وإعطاء أولويات للسياسة الخارجية، وخاصة الحرب في أفغانستان. وبدء عملية نقل السلطة الأمنية للأفغان بحلول يوليو (تموز) المقبل. وسيتضح برنامج أوباما السياسي لعام 2011 في «خطاب حال الأمة» المتوقع أن يلقيه أوباما أمام الكونغرس الجديد نهاية يناير.

وأوضح الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس أن أوباما بدأ العمل على «خطاب حال الأمة» «منذ بضعة أسابيع»، كما يعمل أوباما على نص الخطاب السنوي خلال إجازته الحالية في هاواي.