النقاب يشغل برلمانات أوروبا في 2010

بين الضرورات الأمنية والحريات الشخصية

الرئيس المصري انور السادات مع رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر
TT

شهد الشهر الأخير من عام 2010 جدلا أوروبيا واسع النطاق حول ارتداء النقاب. وحكمت محكمة فرنسية لصالح امرأة منتقبة وألغت غرامة فرضتها الشرطة عليها بعد أن وجدتها تقود سيارتها في مدينة نانب، غرب فرنسا، مرتدية النقاب واعتبرت أن ذلك يعيقها عن رؤية الطريق بصورة جيدة.

وعلى جانب آخر، بدا أن المزيد من الدول الأوروبية في طريقها إلى فرض حظر على ارتداء النقاب. وقال السياسي الهولندي المعادي للإسلام غيرت فيلدرز في تصريحات أدلى بها أخيرا لـ«رويترز» إن هولندا قد تمنع ارتداء النقاب بحلول العام الجديد، مشيرا إلى أن حزب الحرية (الذي يتزعمه وهو ثالث أكبر حزب في البرلمان) ارتضى حظر النقاب في إطار اتفاق مع ائتلاف الأقلية الحاكم داخل هولندا.

وفي شهر مايو (أيار) صوت المجلس المحلي في كانتون (ولاية) آرجاو السويسري بالإجماع على مبادرة رسمية تهدف إلى منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة. وأيدت أغلب الأحزاب الرئيسية هذه الخطوة، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية.

وقد حظيت قضية ساندرين مولير (31 عاما) – التي فرضت عليها الشرطة غرامة قدرها 22 يورو في أبريل (نيسان) ولكنها رفضت دفعها - بتغطية إعلامية كبيرة لأنها بدأت وسط جدل كبير بشأن ارتداء النقاب تجاوز حدود الجمهورية الفرنسية ولم تخفف من حدته صعوبات اقتصادية تواجه اقتصاديات العالم.

وانقسم الساسة والرأي العام إزاء ذلك بين فريقين، فرأى طرف أن حظر ارتداء النقاب ضروري من أجل الحفاظ على الأمن العام، فيما اعتبر الطرف الآخر هذا الحظر تعديا على حقوق كفلها القانون الدولي.

وكذا انقسم علماء مسلمون ما بين مؤيد ومعارض، فيما أعلن البابا بنديكتوس السادس عشر بابا الفاتيكان أنه «لا يرى سببا» لمنع النقاب في فرنسا.

وبعد جدل محتدم أقر مجلس الشيوخ الفرنسي قانون منع النقاب في 14 سبتمبر (أيلول) لتصبح فرنسا رسميا على رأس الدول الأوروبية التي تمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة.

ويقول أنصار حظر ارتداء النقاب إنهم يرفضون نقاب مولير - التي ترتدي النقاب منذ نحو تسعة أعوام - وأمثالها لدواع أمنية ولأسباب تتعلق بحقوق المرأة وبهدف المحافظة على قيم غربية. ويشيرون إلى أن الشرطة في حاجة إلى أن ترى أوجه الناس في الشوارع من أجل منع الأعمال الإجرامية والتفجيرات الانتحارية والتعرف على المجرمين أو السجناء الهاربين. كما ينظرون إلى النقاب على أنه رمز لاضطهاد المرأة وللضغوط التي تمارس عليها من قبل أهلها. وعلاوة على ذلك فإنهم يرون أن النقاب يمثل عقبة أمام اندماج المسلمات داخل المجتمع الأوروبي.

وفي معرض الجدل الدائر قال جان فرانسوا كوبيه، العضو البارز بالجمعية الوطنية الفرنسية وعمدة ميو، في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»: «يطرح غطاء الوجه مشكلة أمنية خطيرة في وقت تلعب فيه الكاميرات الأمنية دورا مهما من أجل حماية النظام العام»، مشيرا إلى عملية سطو مسلح حدثت في ضواحي باريس ارتكبها مجرمون ارتدوا البرقع. ولكنه أكد على أن منع الحجاب في الشوارع لا يستهدف دينا بعينه ولا يعيب فئة بذاتها داخل المجتمع.

ويفرض القانون على من ترتدي النقاب الذي لا يكشف سوى العينين، أو البرقع الذي يغطي كامل الجسد، غرامة قيمتها 150 يورو والخضوع لدورة تدريب عن المواطنة أو إحدى هاتين العقوبتين. وقد أغضب هذا القانون راشد نكاز، وهو رجل أعمال فرنسي بارز من أصول جزائرية، وفتح حسابا مصرفيا وضع فيه 200 ألف يورو بهدف مساعدة النساء اللاتي يجدن أنفسهن مدانات قانونا، بحسب ما أفادت به «الغارديان».

وقبل أن تنتهي فترة تثقيفية حددتها السلطات الفرنسية بستة أشهر كي يدخل الحظر على النقاب حيز التنفيذ، قامت محكمة فرنسية في 13 ديسمبر (كانون الأول) الجاري بإلغاء الغرامة التي فرضتها الشرطة على مولير. وقالت المحكمة إن النقاب لا يحجب العينين، ولذا كان الطريق أمامها واضحا ومن ثم فهي لم تخرق لوائح قيادة السيارات ولم تكن تمثل خطرا.

وأدانت منظمة العفو الدولية تصويت المجلس الأدنى في البرلمان الفرنسي بأغلبية ساحقة لصالح قانون يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة. كما أدانت المنظمة تصويت مجلس النواب البلجيكي بأغلبية 141 نائبا لصالح قانون يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة. ومع ذلك تقدم حلفاء حزب رابطة الشمال، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، بمشروع قانون مماثل في روما، بعد 3 أيام فقط من إقرار باريس حظر النقاب.

وداخل إسبانيا، منعت بلدية مدينة جيدا، في إقليم كتالونيا شمال شرقي إسبانيا، ارتداء البرقع والنقاب في الدوائر والمؤسسات العامة، لتكون أول مدينة إسبانية تمنع البرقع والنقاب، ويأتي ذلك على الرغم من رفض البرلمان الإسباني مشروع قانون من المعارضة في يوليو (تموز) لدراسة فرض حظر وطني على النقاب في الأماكن العامة.

وأثارت قرارات الحظر جدلا بين علماء مسلمين، فقالت فئة إنه ينبغي على المسلمين المقيمين خارج البلاد الإسلامية الالتزام بمثل هذه القوانين، وردت أخرى بأن النقاب زي إسلامي وأنه لا يجوز إجبار المسلمات على خلعه. وكان من بين الفئة الأولى الداعية الفرنسي المسلم حسن شلغومي، الذي أشار في تصريحات سابقة إلى أن النقاب يعطل ويشوه وضع المرأة المسلمة في المجتمع. ودعا شلغومي المنتقبات إلى الذهاب إلى باكستان أو أفغانستان التي يكون فيها النقاب تقليدا حتى تنسجم مع البيئة المحيطة.

ووقف الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، على الجانب الآخر، حيث أكد على «حق المسلمات في ارتداء النقاب». وكان القرضاوي على رأس الرافضين لموقف الرئيس ساركوزي من ارتداء النقاب داخل فرنسا. وطالب «بمساواة المسلمة بمن سواها في ارتداء ما تشاء وفق مبدأ الحرية الشخصية الذي قامت عليه الثورة الفرنسية».

ومن جانبه أعلن بابا الفاتيكان في كتاب يشمل سلسلة من المقابلات أجريت معه ويحمل عنوان «نور العالم» أنه «لا يرى سببا» لمنع النقاب في فرنسا. وردا على السؤال «في فرنسا البرلمان منع ارتداء النقاب. هل على المسيحيين أن يفرحوا لهذا القرار؟». أجاب البابا: «بالنسبة إلى النقاب لا أرى سببا لمنع شامل».

وقال جون دالويزن، الخبير لدى منظمة العفو الدولية في قضايا التمييز في أوروبا: «فرض حظر كامل على تغطية الوجه يعد انتهاكا للحق في حرية التعبير والحرية الدينية بالنسبة للنساء اللاتي يرتدين البرقع أو النقاب تعبيرا عن هويتهن أو معتقداتهن».

ونشرت المنظمة وثيقة تحت عنوان «منع النقاب انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان» جاء فيها: «يكفل القانون الدولي لحقوق الإنسان حق كل فرد في حرية التعبير، وحرية إظهار دينه ومعتقداته كيفما يشاء؛ وهذه الحريات تمتد إلى مظهر المرء وما يختاره لنفسه من الثياب؛ وعليه فلا يجوز للدول فرض شروط وقيود واجبة التطبيق على الجميع مما يلزم النساء بارتداء أو عدم ارتداء ثيابهن على نحو أو آخر».