اتهامات لجهات في الحكومة العراقية بعد عودة الهجمات ضد المسيحيين في بغداد

انفجارات استهدفت 14 منزلا في مناطق متفرقة من العاصمة وأوقعت قتيلين و16 جريحا

جانب من مظاهرة في حي الحميدية بحماه لمطالبة لجنة المراقبين بزيارتها
TT

أدت موجة جديدة من الهجمات ضد المسيحيين العراقيين، عشية رأس السنة، إلى سقوط قتيلين و16 جريحا، مساء أول من أمس، باستهداف 14 منزلا في بغداد، حيث قتل العشرات منذ شهرين.

وقال مصدر في وزارة الداخلية العراقية أمس إن عبوات ناسفة استهدفت منازل 14 عائلة مسيحية في بغداد، موضحا أن عشرات منها انفجرت، مما أدى إلى مقتل شخصين وجرح 16 آخرين. وأكد أن «قوات الأمن تمكنت من تفجير العبوات الأربع الأخرى تحت السيطرة».

وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، وقعت الهجمات في مناطق متفرقة وسط وجنوب وغرب بغداد. ونقلت عن مصادر في الشرطة أن «الاعتداءات وقعت في غضون أقل من ساعتين اعتبارا من الساعة 19.30، في ستة من أحياء في بغداد، استهدفت جميعها أبناء الطائفة المسيحية» الذين سبق أن تعرضوا مرارا خلال السنتين الماضيتين لهجمات.

ووقع الاعتداء الأكثر دموية في حي الغدير مما أسفر عن مقتل مسيحيين اثنين وإصابة ثلاثة أشخاص بجروح، أحدهم مسيحي، كما أوضح مسؤول أمني، طالبا عدم الكشف عن اسمه. أما الاعتداءات الخمسة الباقية، وجميعها بواسطة عبوات ناسفة، فلم تخلف قتلى، إلا أنها أسفرت عن إصابة تسعة مسيحيين بجروح، بحسب المصدر نفسه.

وكانت غالبية مسيحية تسكن حي الغدير (جنوب شرق) ولا يزال هناك البعض منهم وخصوصا كبار السن رغم فرار العديد منهم بسبب تهديدات تنظيم القاعدة وممارسة أعمال الخطف والابتزاز بحقهم من قبل العصابات في مناطق مجاورة. يذكر أن عجوزا وامرأته قتلا بتفجير مماثل في حي الغدير قبل نحو الشهر.

ومساء الخميس أيضا، انفجرت قنبلتان في غرب بغداد استهدفت الأولى حديقة منزل أسرة مسيحية في حي اليرموك (غرب) مما أسفر عن سقوط جريح بينما استهدفت الثانية مسيحيين في حي الخضراء (غرب) مما أسفر عن جرح اثنين منهم.

وفي جنوب بغداد، أصيب ثلاثة مسيحيين بجروح في هجوم استهدفهم في حي الدورة بينما جرح مسيحيان آخران في انفجار قنبلة استهدفت منزلهما في السيدية. كما أصيب مسيحي آخر بجروح من جراء انفجار قنبلة في شارع الصناعة في الكرادة (وسط)، كما أضاف المصدر نفسه. ولم تتبن أي جهة الهجمات، لكن بعضها يحمل بصمات تنظيم «دولة العراق الإسلامية» التابع لـ«القاعدة» الذي استهدف في الأشهر الماضية المسيحيين في مناطق متفرقة. ففي 31 أكتوبر (تشرين الأول) شهدت كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في منطقة الكرادة (وسط) مجزرة ارتكبها مسلحون من هذا التنظيم أثناء القداس مما أسفر عن مقتل 44 مصليا وكاهنين.

والهجمات ليست الأولى التي تتعرض لمنازل المسيحيين في بغداد. فبعد الهجوم على كنيسة سيدة النجاة بعشرة أيام استهدفت سلسلة تفجيرات منازل مسيحيين في بغداد، موقعة ستة قتلى و33 جريحا وعززت إحساسهم العميق بعدم الأمان.

وحمّل ممثلون عن المسيحيين الجهات الأمنية ومسؤولين حكوميين مسؤولية الهجمات.

وقال كبير الآباء الدومينيكان في بغداد، يوسف توماس مارك، في اتصال هاتفي: «إن هذه فوضى ودليل على عدم قدرة الحكومة على بسط الأمن». وأضاف: «من الصعب معرفة دوافع الهجمات ضد المسيحيين الذين لا يشكلون أي تهديد وليس لديهم أي نفوذ سياسي». وحول تزامن الهجمات مع أعياد الميلاد، قال: «إنها دعاية يستغلونها للقول إن بإمكانهم الوصول لأي كان».

من جهته، قال سعد سرياب حنا أحد كهنة كنيسة القديس يوسف في الكرادة: «إن الغرض من هذه الهجمات تهديد المسيحيين وإرغامهم على الهرب من العراق لإخلاء البلاد منهم لتكون من طائفة واحدة». وتابع: «هذه حملة يقودها سياسيون عراقيون في الحكومة يستغلون الجماعات الضعيفة لتحقيق أهدافهم (...) فالهجمات استهدفت المسيحيين الذين يختبئون في منازلهم خائفين لا يعرفون ماذا سيحل بهم».

بدوره، قال النائب يونادم كنا إن «هدف هذه الهجمات النيل من مصداقية الدولة وقدرتها على فرض الأمن وطمأنة المسيحيين وتهجيرهم واقتلاعهم من البلاد لتفكيك وحدة المجتمع».

وتابع: «تحوم شكوك حول جماعات متشددة استطاعت اختراق أجهزة الدولة لارتكاب هذه الهجمات (...) هناك أجندات داخلية متناغمة مع أخرى خارجية تقف وراءها». وأكد كنا: «مهما فعلوا، سنقاوم وسنبقى ولن نغادر بلدنا».

أما زاهر سامي، الموظف في شركة خاصة (40 عاما)، فتساءل بحسرة: «لماذا يحصل لنا هذا» بينما كان واقفا أمام سيارته التي دمرتها عبوة ناسفة قرب منزله المتواضع في حي الغدير. وقال وقد بدت عليه الصدمة: «لا أعرف لماذا يحدث هذا؟ فنحن لم نؤذ أحدا كما أننا لم نفعل شيئا يسيء إلى الآخرين. ونسكن هذه المنطقة منذ خمسين عاما». ونظر زاهر إلى حطام سيارته شارد الذهن وفي عينيه بريق غريب قبل أن يدخل إلى منزله الذي شيده والده عام 1966. وتابع: «بدأنا نفكر في الخروج بشكل جدي من البلد لكننا لا نعرف وجهتنا (...) بعد الهجوم على كنيسة سيدة النجاة لم نفكر في مغادرة العراق لكننا غيرنا رأينا الآن».

وتساءلت أميرة والدة زاهر بدورها عن الأسباب.. «فنحن لم نفعل شيئا». وتقول بينما كانت تحمل حفيدها ابن العشرين يوما والدموع تملا عينيها: «لم نفكر مسبقا بالهرب لكننا نشعر بالخوف الشديد بعد التفجير. لا نعرف متى نغادر أو إلى أين سنذهب! لكننا لا نستطيع البقاء».

بدوره، يقول أحد الجيران واصفا مقتل العجوز وزوجته في انفجار سابق في نفس الحي: «شاهدت إحدى النساء كيسا بلاستيكيا قرب منزل فوزي إبراهيم مرزا وسألتهم عما إذا كان يخصهم فقامت زوجته جانيت بفتح الكيس فانفجرت العبوة بداخله». ويرفض هذا الجار ذكر اسمه لكنه لم يكف عن تكرار عبارة: «لماذا يحصل لنا ذلك؟ وما الذي فعلناه أو الذنب الذي ارتكبناه؟».