الخناق يضيق على غباغبو.. وغرب أفريقيا تستعد عسكريا لـ«الخيار الأخير»

جدل حول جدوى التدخل العسكري المحتمل في ساحل العاج.. ومخاوف من حدوث «جرائم ضد الإنسانية»

بارفين شقيقة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد محاطة بالصحافيين والإعلاميين أثناء تسجيلها للترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة (إ.ب.أ)
TT

بدأ الخناق يضيق أكثر ضد رئيس ساحل العاج لوران غباغبو المنتهية ولايته، مع إعلان دول غرب أفريقيا «ايكواس» بدءها الاستعداد لتدخل عسكري محتمل «كخيار أخير» للإطاحة بغباغبو لصالح خصمه الحسن وتارا. وجاء هذا فيما أمهل وتارا، الذي يعترف به المجتمع الدولي رئيسا لساحل العاج، غباغبو حتى منتصف ليل أمس، لترك الرئاسة ووعده بأنه «لن يواجه أي متاعب» إذا انسحب خلال هذه المهلة.

وأعلن المتحدث باسم الجيش النيجيري الكولونيل محمد يريماه أن القادة العسكريين في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «ايكواس» «التقوا الثلاثاء والأربعاء لبدء الإعداد للعملية». وتابع: «إن فشلت جميع وسائل الإقناع السياسية» فإن «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ستنتزع بالقوة السلطة من لوران غباغبو وتمنحها للحسن وتارا» الذي أقر المجتمع الدولي بفوزه في الانتخابات الرئاسية، مشيرا إلى أن ذلك سيكون «الخيار الأخير».

كذلك، قالت بريطانيا أمس إنها ستؤيد في الأمم المتحدة استخدام القوة للإطاحة بغباغبو، إذا طلبت دول غرب أفريقيا التأييد للتدخل العسكري. لكن وزير الخارجية البريطاني ويليام هايغ هون من أي احتمال لتدخل بريطاني مباشر. وأضاف في رده على سؤال حول ما إذا كانت بريطانيا ستؤيد تدخلا عسكريا من قبل مجموعة «ايكواس»: «من حيث المبدأ نعم. سينصحون بطلب تفويض من الأمم المتحدة للإقدام على ذلك. ولكننا سنؤيد ذلك في الأمم المتحدة». إلا أنه استطرد قائلا: «أرسلنا ضابطا للاتصال العسكري إلى البلاد كي يعمل مع خطط طوارئ مختلفة مع الفرنسيين ولكنني لا أطرح اليوم احتمال إرسال قوات بريطانية». وقالت بريطانيا أمس أيضا إنها أبلغت سفير ساحل العاج في لندن فيليب غانغون - بي، الذي عينته حكومة غباغبو عام 2007 بأنه لم يعد يعترف به كممثل رسمي لبلاده. وتتماشى هذه الخطوة مع قرار اتخذه الاتحاد الأوروبي في وقت سابق هذا الشهر بالاعتراف فقط بالسفراء الذين عينهم وتارا.

وعلى الرغم من تهديد مجموعة الإيكواس التي ترأسها نيجيريا حاليا بتدخل عسكري، تبقى الغلبة للحوار من أجل التوصل إلى حل. فبعد زيارة هذا الأسبوع إلى أبيدجان من المقرر أن يعود الرؤساء بوني يايي (بنين) وارنست كوروما (سيراليون) وبيدرو بيريس (الرأس الأخضر) إلى ساحل العاج بعد غد الاثنين.

ويرى الخبراء أن نجاح دول غرب أفريقيا في القيام بتدخل عسكري لإزاحة غباغبو يبدو أكثر صعوبة بكثير من الحملات السابقة التي استهدفت زعماء الحرب في سيراليون وليبيريا. ويقول كويزي اننغ، رئيس قسم تفادي وحل النزاعات في مركز «كوفي انان» الدولي للسلام في غانا أن التدخل «سيؤدي إلى صدامات بين أنصار كل من غباغبو ووتارا». ويضيف أن غباغبو «يتمتع بدعم كبير، ولن يستسلم بسهولة».

وفي الوقت الذي يشاع فيه أن مجموعة دول غرب أفريقيا تعمل على تجهيز قوة من ألفين إلى ثلاثة آلاف عنصر، يرى خبراء أفارقة أن نجاح العملية يحتاج إلى ما بين خمسة آلاف وسبعة آلاف عنصر. ولم يعلن أي بلد رسميا بعد مشاركته في القوات الإقليمية، حتى أن غانا، جارة ساحل العاج، أعلنت أنها لن ترسل قوات بسبب نقص العسكريين لديها. وتتجه الأنظار إلى نيجيريا، الأكثر قدرة على المساهمة في القوة نظرا لكونها الأكثر سكانا ولكنها تعاني أيضا من مشكلات في الداخل. وستحتاج نيجيريا لعدد كبير من القوات مع اقتراب الانتخابات العامة خلال أربعة أشهر، وبسبب الاضطرابات في منطقة دلتا النيجر النفطية وأعمال العنف الطائفية.

ويعلق تاجودين اكانجي من مركز السلام ودراسة النزاعات في جامعة عبادن النيجيرية أن العملية ينبغي أن تتم بسرعة لكي تنجح. ويوضح «عليهم أن يتحركوا بأسرع ما يمكن لأن (غباغبو) سيتمكن من تعزيز صفوفه»، موضحا أن العملية ينبغي أن تستغرق ما بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع. لكن الجنرال المتقاعد ايشولا وليامز، السكرتير التنفيذي للمجموعة الأفريقية للاستراتيجية والبحث السياسي، يجزم بأن «العملية العسكرية في ساحل العاج لن تنجح». ويضيف: «الوضع مختلف عن ليبيريا وسيراليون (حيث تدخلت مجموعة دول غرب أفريقيا في التسعينات). ليست هناك حرب أهلية. كيف سيدخل العسكريون؟ هل سيهجمون على أبيدجان».

ويبقى الوضع الميداني شديد التوتر بعد أعمال العنف التي أدت في غضون أسبوعين إلى مقتل 179 شخصا بحسب الأمم المتحدة على الرغم من التراجع الكبير في عدد التصفيات في الأيام الأخيرة. وأفاد بيان صدر عن خبراء من الأمم المتحدة أمس أن انتهاكات حقوق الإنسان في ساحل العاج في أعقاب انتخابات 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي يمكن أن تعتبر «جرائم ضد الإنسانية» وعليه ينبغي معاقبتها بحزم. وأعرب المستشار الخاص للأمم المتحدة لشؤون درء الإبادة فرانسيس دنغ عن «قلق شديد»، مشير إلى معلومات عن وضع علامات على بعض المنازل التي يقيم بها معارضون لغباغبو «لتحديد إثنياتهم».

في غضون ذلك، أفادت مصادر دبلوماسية أن الاتحاد الأوروبي أقر أمس عقوبات ضد 59 شخصا من المقربين من غباغبو. وبات من المحظور حصول هؤلاء الأشخاص على تأشيرات دخول لدول الاتحاد الأوروبي. وتشمل القائمة جميع أعضاء حكومة غباغبو «المزعومة» إضافة إلى أعضاء في المجلس الدستوري واقتصاديين وإعلاميين.

كذلك، أفادت مفوضة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة نافي بيلاي أمس أنها وجهت رسالة خطية إلى غباغبو ومسؤولين كبار آخرين في البلاد توضح لهم فيها أنهم قد يواجهون مسؤولية جنائية عن انتهاكات لحقوق الإنسان. وأضافت بيلاي وهي قاضية سابقة بالمحكمة الجنائية الدولية أن تدهور الأوضاع الأمنية في البلد الواقع في غرب أفريقيا حال دون التحقيق في فظائع منها مقبرتان جماعيتان على الأقل. وقالت: «منحنا نظام المحكمة الجنائية الدولية الذي تطور خلال السنوات الـ15 الماضية أو نحوها أداة للمساءلة لم نكن نملكها من قبل». وأضافت «لم يعد بمقدور رؤساء الدول وغيرهم من الشخصيات ذات النفوذ الاطمئنان إلى أنهم يستطيعون ارتكاب انتهاكات فظيعة والإفلات من العقاب».

ووسط هذه الأجواء أوصت فرنسا مجددا رعاياها الذين يبلغ عددهم نحو 14 ألفا ونصفهم مزدوج الجنسية وخصوصا «العائلات التي لديها أطفال» بمغادرة البلاد «مؤقتا وإن لم يكن الأجانب مهددين مباشرة».

وفي المدى القريب تبقى مخاطر المواجهة مرتفعة جدا. وأعلن شارل بليه غوديه وزير العمل والشباب وأحد أكثر القادة الموالين لغباغبو نفوذا، أمام الآلاف من أنصاره أول من أمس أنهم سينطلقون ابتداء من اليوم السبت من أجل «تحرير» فندق غولف الذي يقيم فيه وتارا مع أنصاره. ويتمركز نحو 800 عنصر من قوة الأمم المتحدة في ساحل العاج حول الفندق. لكن القوى المناصرة لغباغبو قطعت كل الطرق المؤدية إلى الفندق. وحذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أول من أمس أنصار غباغبو من مهاجمة الفندق، مؤكدا أن «الهجوم على فندق غولف يمكن أن يؤدي إلى أعمال عنف على نطاق واسع قد تعيد البلاد إلى الحرب الأهلية». وذكر بأن بعثة الأمم المتحدة للسلام في البلاد مفوضة باستخدام «جميع الوسائل اللازمة لحماية موظفيها وموظفي الدولة والمدنيين الآخرين في الفندق».