الصين تستخدم ثورتها الشيوعية من أجل الترويج للسياحة

10 ملايين يزورون سنويا مدينة «الجيش الأحمر» من أجل تذكر ماو ورفاقه

TT

تم إعداد المتفجرات وتجهيز برج المراقبة وتطهير ميدان القتال الموحل من الحصى. واتخذ الجنود الشيوعيون المسلحون مواقعهم أسفل تلال قاحلة، بينما لاح في الأفق من بعيد خصومهم «الكومينتانغ»، بينما كانوا يتقدمون نحو مدينة يانان الحصينة. ثم صاح شخص قائلا: «لا توجد كهرباء!».

وغياب الكهرباء يعني عدم وجود عرض. وعليه، تدفق المئات من السائحين الصينيين باتجاه البوابة الأمامية للمطالبة باستعادة أموالهم. وانهمك آخرون في خلع الزي الرسمي رمادي اللون الذي ارتدوه بميدان القتال؛ حيث دفعوا دولارين مقابل المشاركة في العرض. هكذا سارت الأوضاع أثناء عرض أقيم مؤخرا لـ«الدفاع عن يانان»، الذي يدور لمدة ساعة ويجري خلاله إعادة تمثيل لحظة محورية في تاريخ الحرب الأهلية الصينية، عندما حاول «الكومينتانغ» التغلب على الشيوعيين عام 1947 داخل معقلهم الجبلي هنا. ويدور العرض، الذي تستخدم به ذخيرة حية وطائرة نفاثة مقاتلة، كل صباح على أطراف يانان، وهي مدينة تعج بالقاذورات في شمال إقليم شانكشي، ويبلغ عدد سكانها مليوني نسمة.

وعلى الرغم من ازدهار الرأسمالية حاليا في الصين، فإن الشيوعية لم تمت، على الأقل في يانان. ويعتبر «الدفاع عن يانان» إضافة حديثة لمناطق الجذب السياحي في محاولة للتذكير بأمجاد «الحزب الشيوعي»، بعدما دخل قادته يانان عام 1936 في أعقاب «المسيرة الطويلة». ويجني المسؤولون المحليون وأصحاب الأعمال أرباحا كبيرة من ازدهار «السياحة الشيوعية»، التي يقوم في إطارها الصينيون، ومعظمهم من المهنيين الشباب، برحلة إلى مواقع ثورية شهيرة لإحياء المشاعر التي تلاشت منذ أمد بعيد، المرتبطة بالصراع الطبقي والمبادئ البروليتارية.

من جهته، قال تان هوا، المؤرخ لدى جامعة يانان: «إضفاء الطابع التجاري ليس بالأمر السيئ، ما دام لا يتعدى التقاليد وما دمنا نبقي على روح الحدث من دون الإضرار بها. إنه يشبه شعار الإعلان عن سجائر يانان: هناك يانان وهناك أيضا الروح». تتميز منطقة يانان بمنازلها المحفورة في الجبال وتلالها المكونة من رمال طفيلية صفراء، وقد استخدمت المدينة كقاعدة ثورية أساسية حتى عام 1948، وتعرضت لقصف ياباني أثناء الحرب العالمية الثانية وهجمات من قوات «الكومينتانغ». وبالمدينة، شكل كبار القادة الشيوعيين ـماو تسي دونغ وزهو إنلاي وزهو دي وليو شاوكي وآخرون «الجيش الأحمر» وحولوه إلى قوة شعبوية تخوض حرب عصابات وصاغوا أسس الآيديولوجية الاشتراكية.

من جهته، قال ما تاو، 32 عاما، موظف حكومي كان منهمكا في ارتداء رداء يخص «الجيش الأحمر» عند مدخل يانغجيالنغ، وهو واد ضيق في يانان أقام القادة الشيوعيون في كهوف به لسنوات عدة: «حضرت هنا بغية التثقف». وأضاف، بينما شرع صديق في التقاط صور له: «أشعر بالفخر لارتدائي هذا الزي الرسمي».

كان ما ومجموعة رفاقه الذين حملوا جميعا على ملابسهم صورا لماو، من بين آلاف السائحين، منهم جنود حقيقيون من مدينة تشيان، يتجولون بالمواقع الثورية ذلك اليوم. وذكر مكتب السياحة في يانان، عبر موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت، أن أعداد زائري المدينة تجاوزت 10 ملايين العام الماضي، بارتفاع بنسبة 37% عن العام السابق.

كانت السياحة قد تلقت دفعة كبرى عام 2008 عندما قررت الحكومة المحلية إلغاء تذاكر الدخول للمواقع الثورية الرئيسية. وخلال العام ذاته، استثمرت المدينة قرابة 15 مليون دولار لإقامة ساحات عامة ومتاحف ومناطق جذب أخرى، بل ورغب مسؤولون ومستثمرون في الاستعانة بالمخرج الشهير زهانغ يمو لصنع فيلم بعنوان «الدفاع عن يانان»، لكنهم اضطروا في النهاية لتكليف أحد معاونيه بالمهمة.

ويتباهى موقع مكتب السياحة الإلكتروني الآن بما وصفه «الحلم الثوري المقدس ليانان»، لكن يبقى هناك أفراد ألفوا يانان القديمة وليسوا راضين عن التجديدات الأخيرة. فمثلا، قال سيدني ريتنبرغ، وهو مستشار تجاري ويعتبر أول أميركي ينضم للحزب الشيوعي الصيني ويعيش هنا منذ أربعينات القرن الماضي: «كان هنا جمال لافت في هذه المدينة البدائية القائمة على الكهوف وشكلت محور الحرب في الصين». وأشار سيدني إلى أنه اصطحب زوجته ليانان العام الماضي، وصُدم بالتغييرات التي طرأت عليها. وقال: «لقد دمروا فعليا هذا المتحف الذي أرَّخ للثورة الصينية. أعتقد أن القائم الآن هو محاكاة زائفة». وأضاف: «المرشدون السياحيون المحليون لا يسمحون لأي شخص بانتقاد ماو. هذا هو المكان الوحيد الذي أعرفه في الصين يسير على هذا النحو. إنهم لا يدرون شيئا عن التاريخ».

داخل قاعة ماو الرئيسية للعرض، لا توجد أي إشارة للمجاعة المروعة التي ضربت البلاد في خمسينات القرن الماضي أو الثورة الثقافية، ولا يبدو أدنى مؤشر للتقييم متفقا عليه بوجه عام داخل الحزب بأن 70% من قرارات ماو كانت صائبة و30% منها خاطئة، كما تخلو الصور والمعروضات التي تظهر رفاق ماو، مثل ليو زهيدان، الثوري الشاب الذي أسس قاعدة في يانان قبل وصول ما، من أي إشارة إلى أن هؤلاء الأفراد تخلص منهم ماو لاحقا.

وأشارت شابة، تولت قيادة مجموعة من السائحين، جميعهم من الرجال في منتصف العمر، إلى صورة معلقة على الجدار وقالت: «هذا ماو وجيانغ كينغ وبناتهما». واقترب أحد الرجال من الصورة وصاح قائلا: «جيانغ كينغ لا يبدو قبيحا هنا!».

عاش القادة الشيوعيون في 4 مواقع مختلفة حول يانان، أكثرها إبهارا وادي يانغجيالنغ. وهنا في قاعة الاجتماعات الرئيسية، عقدت بعض أكثر الاجتماعات أهمية في تلك الحقبة. عام 1945، خلال دورة انعقاد استمرت 50 يوما للمؤتمر السابع للحزب، أرسى ماو دعائم مركزه كزعيم بلا منازع للحزب ودمج الفكر «الماوي» في دستور الحزب. وقد تعرضت القاعة، التي كانت تضم ألف مقعد خشبي خلال غارة جوية شنها «الكومينتانغ»، إلى السقوط، ثم أعيد بناؤها لاحقا.

جرى الحفاظ على الكهف الذي أقام به ماو 5 سنوات في يانغجيالنغ بصورة جيدة. وعلى فراشه، يوجد ستار لمنع الناموس. وتوجد سجائر جديدة متفرقة على غطاء السرير، في مؤشر على التبجيل. على امتداد ممشى جانبي، ترتفع أشجار صنوبر وإشارة للموقع الذي يفترض أن ماو التقى عنده عام 1946 الصحافية الأميركية آنا لويز سترونغ. وخلال المقابلة، أطلق واحدة من أشهر عباراته: «جميع الرجعيين ليسوا سوى نمور من ورق». وفي منطقة أخرى من يانان، توجد قاعة اجتماعات قديمة كانت تخص القيادة العسكرية المركزية تحمل داخلها مزيدا من المفارقات التاريخية. وتوجد لافتات حول خشبة مسرح تذكر الزائرين بأن ماو ورفاقه دعوا ذات يوم لإقرار الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية، وسعيا للإطاحة بـ«الكومينتانغ». ويبدو الآن أن هذه الأيام تنتمي لماض بعيد حقا. وحملت إحدى اللافتات عبارة: «أخلص التهاني بالنصر على اليابانيين وتحقيق الديمقراطية في أقرب وقت ممكن».

* لي بيبو شارك في البحث من يانان.. وبنجامين هاس من بكين

* خدمة «نيويورك تايمز»