الوثائق البريطانية: الرياض لم تقبل فكرة قواعد غربية في المنطقة

سعود الفيصل قال انها ستكون مؤذية أكثر من مفيدة

وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل خلال مؤتمر صحافي في الأمم المتحدة عام 2008 (أ.ف.ب)
TT

تتناول «الشرق الأوسط» اليوم، ولليوم الرابع على التوالي، وثائق أخرى تعود إلى عام 1980، وتلقي الضوء على الغزو السوفياتي لأفغانستان. اللافت للنظر أن تلك الفترة كانت متشابكة في أولوياتها السياسية، بسبب وجود عدد من بؤر النزاع العالمي، التي حدثت في آن واحد، وكان على القوى الغربية التعامل معها جميعها وفي نفس الوقت، ومحاولة إرضاء جميع الأطراف في آن واحد والمحافظة، أو الظهور بأن جميع الأطراف الغربية وحلفاءهم في المناطق المختلفة يشكلون جبهة واحدة. لكن الوثائق تلقي مزيدا من الضوء على صعوبة المرحلة، وكيف أنه كانت هناك شقوق واضحة في التوجه بالتعامل مع عدد من الأزمات، خصوصا بالنسبة لوضع الرهائن في طهران والغزو السوفياتي الذي اعتبر بالنسبة للعالم العربي والإسلامي، قضية أساسية، والمطالبة بإيجاد قواعد عسكرية في المنطقة العربية، وهذا ما رفضته القيادة السعودية.

ويحتوي الملف الأفغاني على مراسلات بريطانيا واتصالاتها بالقيادات العربية والإسلامية. بعض الوثائق تبين أن بريطانيا قاومت المحاولات الأميركية للقيام بعمل عسكري ضد إيران، لاعتقادها أن ذلك يضعف منظمة الأمم المتحدة ويبينها على أنها غير راغبة في حل سلمي للمشكلة. ورفضت بريطانيا أن تقوم الولايات المتحدة بعمل عسكري دون تخويل من مجلس الأمن. وهناك وثيقة للورد كارينغتون، الذي عمل وزيرا للخارجية آنذاك، يقول فيها إن أي عمل عسكري ضد إيران من دون تخويل من مجلس الأمن سوف يبين «منظمة الأمم المتحدة بأنها غير معنية بإحلال السلام في المنطقة». ويضيف اللورد كارينغتون أن العمل العسكري سوف يساوي بين الغزو السوفياتي لأفغانستان، والغزو الأميركي لإيران.

وفي تلك الفترة نظمت الدورة الأولمبية في موسكو، وتظهر المشاورات الرسمية بين القوى الغربية اختلافا في وجهات النظر حول مقاطعة الألعاب الرياضية لتسجيل موقف سياسي ضد موسكو، بعضها كان يريد التأني وبعضها كان يطالب بمواقف أكثر حدة. الولايات المتحدة اتخذت خطوات صريحة بمقاطعة الألعاب. أما القوى الغربية فلم تتخذ موقفا واحدا مكان ذلك وترك في النهاية كل منهم حسب أهوائه.

رئيسة وزراء بريطانيا ركزت في إحدى رسائلها للرئيس الأميركي جيمي كارتر على أهمية «وحدة الموقف»، وألا تظهر هناك أي اختلافات بين القوى الغربية. وعقد اجتماع سري في باريس بهذا الخصوص، حضره سكرتير الحكومة البريطانية روبرت أرمسترونغ، وفي هذا الاجتماع تقرر دعم المقاومة الأفغانية وباكستان. كما أن رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت ثاتشر رفضت اقتراحا في تلك الفترة ينادي بعقد «معاهدة لجعل أفغانستان بلدا محايدا»، وقالت في إحدى مراسلاتها لحلفائها إن هذا شيء «ممقوت ومفروغ منه». إلا أنها عقدت عددا من اللقاءات مع المستشار الألماني شميدت، الذي «أخذ موقفا متشددا من الولايات المتحدة الأميركية واتهم موقفها بأنه خطير جدا وقد يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة».

لقاء اللورد كارينغتون مع القيادة السعودية في 27 يناير (كانون الثاني) كتب جيمس كريغ إلى لندن رسالة يلقي فيها الضوء على تفكير القيادة السعودية في أمور الساعة، خصوصا الغزو السوفياتي لأفغانستان، الذي جاء بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية البريطاني اللورد كارينغتون إلى الرياض يومي 13 و14 يناير، واجتماعه بالملك خالد ووزير الدفاع الأمير سلطان، وولي العهد الأمير فهد، ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، ودامت لأكثر من 27 ساعة.

اليمن قد يكون المحطة المقبلة لغزو روسي ويقول السفير كريغ في رسالته إن القيادة السعودية تتفق حول «خطورة الوضع» وإن الغزو جزء من «سياسة توسعية في المنطقة، وإن غزوا سوفياتيا آخر قد يتبعه. وأن الجواب الغربي على الموضوع يجب أن يكون عسكريا وحازما». وتقول الرسالة إن «الأمير سعود يعتقد أن التدخل السوفياتي المقبل، ربما سيكون في الجمهورية العربية اليمنية. لكنه أظهر عدم قبوله أبدا بوجود أي قواعد عسكرية غربية في المنطقة.. لأنها ستكون مؤذية أكثر من كونها مفيدة». كما أنه، أي الأمير سعود الفيصل، «اتهم الغرب بالضعف». وقال، (أي الأمير سعود الفيصل) إن شعوب المنطقة تريد أن تحارب، ويحتاجون إلى السلاح.

اللورد كارينغتون ذكر خلال الاجتماع أن أنديرا غاندي قد تجد تسليح باكستان تهديدا لها، إلا أن الأمير سعود الفيصل رد قائلا إن «قلق السيدة غاندي يدور حول الصين، وليس باكستان، مضيفا أن ما حدث في أفغانستان قد يحدث في الجمهورية العربية اليمنية، وذلك من خلال انقلاب عسكري في صنعاء يرسي دعائم حكم لقيادة يسارية».

السعودية تقاوم فكرة القواعد العسكرية الغربية.. ومضايقة إيران على الرغم من تقديراتها للخطر السوفياتي لجيرانها وتضيف الرسالة، على الرغم من أن الأمور كانت واضحة كل الوضوح فإن الأمير سعود الفيصل أهمل هذا الجانب، وأن هناك خطرا على السعودية بسبب أن يسقط اليمن وعمان ضحيتي تدخلات سوفياتية. «فإذا كان هناك خطر حقيقي سوفياتي على هذه الدول فلن تكون لدى عمان والسعودية القدرات الكافية للدفاع عن نفسيهما أمام الروس حتى لو أن البلدين يتمتعان بتجهيزات عسكرية جيدة جدا». وقال للأمير سعود الفيصل إنه إذا كان هناك خطر سوفياتي فإن القواعد العسكرية في هذه المنطقة هي الجواب الوحيد، لكنه تجاهل هذه الحقيقة، لأنه يرفض فكرة القواعد العسكرية، ووضع نقطة لينهي النقاش حولها.

«أعتقد أن هناك سببا وجيها لرفضه الفكرة، إلا أن ذلك صعب فهمه لأنه يتناقض مع اتهامه للغرب بالضعف»، قال كريغ في رسالته. ويضيف السفير في رسالته تعليقات حول أفكار القيادة السعودية حول مؤتمر إسلام آباد الذي كان مقررا عقده في باكستان لمناقشة قضية الرهائن في السفارة الأميركية في طهران. وتقول الرسالة إن السعوديين يأملون أن يتم تناول الأمور بهدوء، ويعتقدون أنه «من الخطأ مضايقة إيران»، لأن هذا «يبعد أنظار المسلمين عن أفغانستان دون أن يكون له أي تأثير على الخميني»، لكن اللورد كارينغتون أجاب القيادة السعودية بأنه «من الصعب على الرئيس جيمي كارتر أن يقف مكتوف الأيدي».

ويعطي السفير تقييمه الشخصي للقيادة السعودية، مشيدا بوزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، قائلا إنه «شخصية مثيرة للإعجاب، وواضح في أفكاره ويتمتع بقدرات كلامية فائقة وشخصية لطيفة ومحببة.. السعوديون هم أصدقاؤنا». وينهي السفير جيمس كريغ رسالته قائلا إنه سيبعث بأفكاره هذه ليطلع عليها ممثلي بريطانيا في كل من أنقرة ومسقط وإسلام آباد ونيودلهي وواشنطن وموسكو والقاهرة وتل أبيب.

بريزينسكي: أفغانستان كانت العازل أما الآن فقد أصبحت الأسفين في لقاء باريس حول أفغانستان، الذي حضره الأميركي زبيغنيو بريزينسكي والفرنسي جاك وال والألماني الهر فون ستيدون والبريطاني السير روبرت أرمسترونغ في قصر قريب من باريس في 15 يناير (كانون الثاني)، قال بريزينسكي إن الغزو، مهما كان تفسير أي منا لأسبابه، له انعكاسات استراتيجية على المدى البعيد. بالنسبة لنا كانت أفغانستان تلعب دور العازل، أما الآن فإنه أصبح الأسفين. إن الخطوة المقبلة للاتحاد السوفياتي هي مزيد من التهديد لباكستان وإيران، الذي سيؤدي إلى أزمة عالمية. هذا ما جاء في تقرير السير روبرت أرمسترونغ لمارغريت ثاتشر ووزارة الخارجية.. السوفيات، في رأي بريزينسكي، قاموا بذلك لاعتقادهم أن رد الفعل الغربي لن تكون مختلفة عن رد فعلهم، عندما قامت موسكو باجتياح تشيكوسلوفاكيا.

هناك بعض الأمور التي يجب أن نأخذها في الحسبان في هذه المرحلة: أولا، على القوى الغربية ألا تظهر اندفاعا أكثر من القوى الإسلامية. وثانيا يجب أن نظهر كقوة واحدة أمام الروس.

فرنسا ترى أن الروس يحاولون حماية جمهورياتهم الإسلامية ويشرح الموقف البريطاني بأن الفرنسيين يريدون أن يفهموا أسباب الاجتياح، وهل هم يحاولون إيجاد عازل لهم، أم أنهم يحاولون خلق أسفين. وتقول الوثيقة إنهم، أي الفرنسيين، يميلون إلى التحليل بأن الروس بغزوهم لأفغانستان يحاولون إيجاد منطقة عازلة تحمي مصالحهم. ويعتقدون أن الرئيس الأفغاني حفيظ أمين، لم يتمكن من السيطرة على القوى الإسلامية في أفغانستان، ولهذا فإنهم يشعرون بأن الخطر الإسلامي سيمتد إلى جمهوريات الاتحاد السوفياتي الإسلامية، هذا يظهر الضعف السوفياتي وليس القوة، وهذه أول مرة يغزون فيها مباشرة دولة إسلامية، ولهذا فعلى الغرب استغلال الوضع لصالحهم، بدلا من السيطرة عليه. نحن الآن نشاهد لأول مرة مجابهة جنوبية – شرقية، وعلينا استغلالها بدلا من أن نتصدرها.

ألمانيا تريد الدول الإسلامية أخذ زمام المبادرة واتفق ممثل ألمانيا الهر فون ستيدين، مع الطرح الفرنسي، مضيفا أن السوفيات استغلوا الوضع في إيران والأزمة التي يواجهها الأميركيون في طهران، مضيفا أن هذه معركة إسلامية وقضية تخصهم، وعليهم أن يكونوا في مقدمة المجابهة مع السوفيات، لكنهم ضعفاء، كدول منفردة ولهذا قد يقعوا فريسة للسوفيات. إلا أن الألمان كانوا متخوفين من مجازفات عسكرية أميركية، وهذا قد يعقد الأمور أكثر، وعبر عن ذلك المستشار شميدت قائلا لمارغريت ثاتشر بأنه لا يريد أن يبدأ الأميركيون حربا عالمية ثالثة.

ضمانات عسكرية ومساعدات لباكستان.. والولايات المتحدة قد تختار منطقة أخرى للمجابهة وتضيف الوثيقة أنه كان واضحا من النقاش الدائر أن الأميركيين لا يريدون أن يرسلوا قوات إلى المنطقة الحدودية، لكنهم مستعدون لدفع باكستان في هذا الاتجاه، ومن ثم فعلى الروس أن يختاروا بين التراجع أو التصعيد، وفي حالة التصعيد سيعرفون أن الولايات المتحدة جاهزة لمجابهة قد لا تكون في باكستان، لكن الأميركيين قد يختارون منطقة أخرى لمجابهة السوفيات، وقد يكون ذلك في كوبا أو الشرق الأقصى، وليس بالضرورة باكستان.

وقال بريزينسكي إن باكستان تريد ضمانات مالية وعسكرية، لتحسبها بأن قوات سوفياتية قد تدخل الأراضي الباكستانية لتهاجم مخيمات اللاجئين. وأضاف أن الولايات المتحدة خصصت 100 مليون دولار لعام 1980 ونحو 100 مليون أخرى لعام 1980 لباكستان من المساعدات العسكرية. وسأل بريزينسكي إذا كانت فرنسا مستعدة لتزويد باكستان بطائرات «ميراج». ورد وال قائلا بأن فرنسا لم تدخل في مفاوضات واضحة بعد مع باكستان بهذا الخصوص، مضيفا أن بلده مستعد لبيع الطائرات إذا أرادت باكستان الشراء.

وقال السير أرمسترونغ إن بريطانيا في مفاوضات مع باكستان لتزويدها بمعدات اتصالات ومدافع مورتر. ورد بريزينسكي قائلا إن الولايات المتحدة تناقش حاليا فكرة دعم إنتاج أسلحة أميركية في باكستان.