مسلمو جنوب السودان 31% ويرفضون التطرف.. والجامع العتيق بجوبا بجوار الكنيسة

الأمين العام للمجلس الأعلى لمسلمي جنوب السودان لـ «الشرق الأوسط»: الدستور يكفل حرية الأديان

TT

على الرغم من أن الحرب الأهلية التي شهدها السودان لأكثر من واحد وعشرين عاما، والتي رفعت خلالها حكومة الرئيس السوداني عمر البشير (منذ بداية التسعينات) شعار «الجهاد»، ودفعت ببعض المسلمين الجنوبيين إلى آتونها، فإن عددا من قادة مسلمي جنوب السودان تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وقالوا إنهم يعيشون بسلام تام مع إخوانهم من المسيحيين والأطياف الدينية الأخرى. ورفض هؤلاء القادة التطرف والتشدد الديني في منطقتهم التي ستصبح دولة مستقلة إذا صوت الجنوبيون لصالح الانفصال في التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي. ويعتقد الزعماء الإسلاميون أن التشدد دخيل على مجتمع الجنوب.

وفي جوبا يوجد المسجد العتيق، وهو من المساجد القديمة، بجوار الكنيسة، وفي عدد كبير من مدن الجنوب تتوزع المساجد، كما أن الأسرة الجنوبية يتكون أفرادها من خليط، فيها المسلم والمسيحي وصاحب الديانات التقليدية. وصور التعايش الديني في الجنوب، كما يردد أغلب قادته، موجودة في المجتمع والنشاطات تمارس بحرية تامة، كما أن هناك طرقا دينية من الصوفية وغيرها وجدت مكانها للتبشير والدعوة أسوة بالدين المسيحي. ونظم المسلمون الجنوبيون أنفسهم في مجلس خاص تحت مسمى «المجلس الإسلامي لجنوب السودان»، حيث يعتنق نحو 31 في المائة من الجنوبيين الدين الإسلامي، حسب إحصائية أجريت في عام 1986 من مجلس الكنائس العالمي، وقرابة 48 في المائة من المسيحيين، والبقية تتوزع بين الأرواحيين واللادينيين، وأصحاب الديانات الأفريقية الأخرى.

وحول الضمانات في حرية الأديان والمعتقدات في حال اختار الجنوبيون الانفصال، يقول الأمين العام للمجلس الأعلى لمسلمي جنوب السودان الطاهر بيور لـ«الشرق الأوسط»: إن دستور جنوب السودان لعام 2005 أكد كفالة حرية الأديان والمعتقدات، وأن جنوب السودان معروف بتاريخه منذ فترة مبكرة بالتعايش الديني، ولا توجد مشكلة دينية. ويضيف «لا توجد مشكلات في حرية الأديان هنا.. ولن تحدث حتى لو اختار الجنوبيون الانفصال. وممارسة الشعائر الدينية مكفولة بالدستور وستظل كذلك». وقال إن البيت الجنوبي يضم مختلف الديانات ويعيشون تحت سقف واحد. وبتشدد ردد «لم تحدث مشكلات دينية من قبل، ولن تحدث في المستقبل، لأنه ضد طبيعة الجنوبيين».

بعض الجماعات الدينية في السودان ظلت تردد أن مسلمي الجنوب سيواجهون اضطهادا وإقصاء في حال اختار الجنوبيون الانفصال، لكن بيور نفى حدوث ذلك، وقال إن «ممارسة حق تقرير المصير يشمل الجنوبيين والمسيحيين، على حد سواء»، بل زاد بأن المسلمين في الجنوب هم جنوبيون أصلا ولديهم الحق في ممارسة حق تقرير المصير في الاستفتاء، وتابع «إذا اختار الجنوبيون الوحدة فإن ذلك سيعود لكل السودانيين، أما إذا اختاروا الوحدة فإن المسلمين لن يضاروا بأي حال من الأحوال لأنهم مواطنون في المقام الأول»، لكنه لفت الانتباه إلى أن الحريات الدينية للجميع بشرط ألا يتدخل صاحب دين على ديانة الآخرين، سواء من المسلمين أو المسيحيين أو المعتقدات الأخرى، وقال «أكرر للمرة المليون دستور الجنوب علماني، فحرية الأديان مكفولة»، مشيرا إلى أن بناء المسجد والكنيسة حق لأصحاب الديانات بحرية تامة، بشرط ألا يؤثر على قانون البلاد وعدم التدخل في شؤون الأديان الأخرى.

ويتخوف المراقبون من أن ينتقل التشدد الديني سواء المسيحي أو الإسلامي إلى الدولة المنتظرة، خاصة أن أوغندا المجاورة شهدت تفجيرات لجماعة الشباب الصومالي العام الماضي في مطعم إثيوبي في كمبالا أدت إلى مقتل أكثر من 70، بينهم إثيوبيون. ورد الطاهر بيور بأنه لن يسمح لأي متطرف بالدخول إلى جنوب السودان، وقال «سنتصدى لكل من يحاول نشر التشدد وسنستفيد من تجارب الآخرين في محاربة التطرف».

ولفت إلى أن المسلمين الجنوبيين الذين كانوا يتبعون إلى الحكومة في الشمال وعملوا معها في الجهاد أيام الحرب يجب أن يتركوا تلك الأفكار، وقال «ليس لدينا مانع في التعامل مع أي شخص، وسنجادلهم بالتي هي أحسن، وإذا تابوا وتركوا تلك الأفكار المتطرفة فإنهم سيصبحون محل ترحيب، باعتبارهم مسلمين من جنوب السودان»، وفي لغة تحذيرية قال «لكن أي واحد يتطاول ويسعى لنشر التطرف والتشنج سنوقفه عند حده بالقانون، لأننا نقيم في دولة القانون».

وسيظل السؤال حول علاقات المسلمين في الشمال والجنوب بعد الانفصال ضمن القضايا التي تناقشها الأطراف السودانية، وإمكانية التوصل فيها إلى حل يظل قائما. يقول بيور إن العلاقات بين المسلمين في الشمال والجنوب ستتواصل ولن تنقطع، لأن العلاقات بين الشعوب مستمرة وأن الحدود أصلا شكلية، وقال «سنتواصل مع كل مسلمي العالم الذين يحترمون القرآن والسنة ولن نتعامل مع المتطرفين مثل تنظيم القاعدة». ويعتقد بيور أن تجربة العمل الإسلامي في الشمال ثرية وتاريخية يمكن الاستفادة منها، خاصة في العمل الدعوي والزكاة والأوقاف، واستبعد أن يتم إنشاء وزارة للشؤون الدينية في حكومة الجنوب مستقبلا إذا انفصل، لكنه عاد وقال «حكومة الجنوب علمانية، لا أعتقد أننا سنشكل مفوضية للأديان أو وزارة، لكن هذا سؤال سابق لأوانه».