العراق: تحرك لمنع بنادق لعب الأطفال.. ومسؤول يعتبر حظرها مسؤولية المجتمع

وزارة الصحة: إنها تسهل دخول الطفل مرحلة العنف الحقيقي

TT

أطلقت وزارة الصحة العراقية حملة تهدف إلى حظر بيع بنادق لعب الأطفال البلاستيكية في البلاد. وتكتظ أسواق ألعاب الأطفال في بغداد بأسلحة بلاستيكية من جميع الأحجام والأسعار، بدءا من البنادق إلى الدبابات والمدى والأزياء العسكرية وحتى كاتمات الصوت. ففي دولة يسود فيها السلاح والعتاد العسكري، يبدأ التدريب على القتال مبكرا.

ويقول الدكتور عماد عبد الرزاق، مستشار الصحة العقلية في الوزارة: «إنها مسؤولية المجتمع في التخلص من هذه الألعاب التي تسهل على الطفل الدخول إلى المرحلة التالية من العنف الحقيقي، لأنه يرى البنادق في مشهد يومي».

وقد حثت الوزارة، التي لا تملك أي سلطات لتنظيم بيع ألعاب الأطفال، الحكومة على منع هذه النوعية من الألعاب، لكنها تكثف جهودها في ناحية واحدة ألا وهو مسدس الهواء البلاستيكي الرخيص المنتشر بين الأطفال والذي يطلق كرات بلاستيكية صغيرة والذي كان مصدرا لمئات بل لآلاف إصابات العيون في البلاد.

ومن بين المشاركين في الحملة الدكتور قدير الطائي، رئيس قسم التقنية في مستشفى ابن الهيثم، مستشفى العيون الرئيس في البلاد. وكان من بين الأسباب التي دفعت الدكتور الطائي إلى المشاركة في الحملة، ما لمسه مؤخرا خلال فحصه لعين طفل في الخامسة من العمر يدعى مصطفى، بحثا عن جروح أو نزيف داخلي. ففي أواخر نوفمبر (تشرين الثاني)، خلال عيد الأضحى، كان الولد يلعب مع جيرانه عندما أطلق أحدهم كرة من مسدس أصابته في عينه. بدا الولد سليما لكنه ظل يشكو من عينه سبعة أيام ولا يستطيع النوم. وفي النهاية، صحبه والده إلى مستشفى العيون، حيث اكتشف الدكتور الطائي كرة صفراء صغيرة بحجم حبة البازلاء الصغيرة بين مقلة العين والتجويف المحيط بها، وكان هناك نزيف في عرف العين الداخلية وتفكك جزئي في القزحية. وقال الدكتور الطائي: «لقد كان محظوظا، فكثير من الأطفال يعانون إصابات أسوأ بسبب هذه الكريات».

وأشار الطائي إلى أنه كان يعاين بصورة يومية، خلال فترة عيد الأضحى، الكثير من الإصابات الناجمة عن هذا النوع من الألعاب بعضها من الخطورة بحيث تتطلب إجراء عملية جراحية. وقد ظهر الدكتور في برنامج تلفزيوني ليوصي الآباء بعدم شراء هذه المسدسات.

وقال الدكتور الطائي: «المشكلة ليست مع الآباء الذين يشترون هذه الألعاب، بل في التجار الذين يقومون على استيراد هذا النوع من الألعاب. فمع شعبية هذه الألعاب، يقف الآباء عاجزين عن عدم الاستجابة لإلحاح أبنائهم». وأوضح أن هناك بعض المسدسات التي تطلق لمسافة 50 ياردة.

ويعيش أطفال العراق وسط تأثير العنف الحقيقي، سواء في الأخبار أو في أحيائهم. وخلال ذروة العنف الطائفي بين عامي 2006 و2007، كانت الجثث عادة ما تظل في الشوارع عدة أيام قبل أن يتم جمعها. وعدد قليل من الأطفال الذين أتيحت لهم إمكانية الوصول إلى الرعاية النفسية والتي كانت متردية إلى حد بعيد. أضف إلى ذلك أن العائلات العراقية عادة ما تكون كبيرة والأطفال يتقاسمون الغرف مع آبائهم، لذا فهم لا يتمتعون بالحماية من مشاهدة نشرات الأخبار أو أحاديث الكبار - فكلاهما عادة ما يدور حول العنف المثير للفزع، سواء أكان من قبيل التهويل أو الحقيقة.

وتقول مديرة أحد أقسام المستشفى، طلبت عدم ذكر اسمها لأنها غير مخولة الحديث إلى الصحافيين: «لدينا ما يكفي من مشاهد الرعب، ولسنا في حاجة إلى المزيد منها. يجب حظر جميع هذه الألعاب، وأي ألعاب نارية. لقد صرخت في أطفال الحي الذين كانوا يلعبون بهذه المسدسات ويطلقون الكرات بعضهم على بعض، لكنهم على الأقل كانوا يطلقون على الأرجل، لذا لم يؤذوا عيونهم».

من جانبهم، يؤكد التجار في أسواق منطقة الكرادة حيث يباع هذا النوع من الألعاب مقابل ثمانية دولارات أو أقل، أنه الأكثر شعبية. ويقول حسين محمد، مالك أحد المتاجر الذي يرفض بيع هذه المسدسات: «ثقافة العنف باتت هي المسيطرة. فالأطفال لم يعودوا مهتمين بالألعاب التعليمية، وكل ما يسيطر عليهم هو اللعب بالألعاب التي تعبر عن القوة والعنف».

ويقول المعلمون إن «معايشة هذا الكم الكبير من العنف، سواء في الحقيقة أم في الخيال، جعل الطلبة أكثر ميلا إلى العراك وأقل شغفا بدراستهم. وتشير انتصار محمد، معلمة بمدرسة ابتدائية في حي اليرموك، الذي يحظى بأغلبية متعلمة نسبيا، إلى أن الطلبة في السابق كانوا يلجأون إلى معلميهم في السابق لفض منازعاتهم، لكنهم نادرا ما يفعلون ذلك الآن. فهم يلجأون إلى حلها بأيديهم وأصبحوا يتعاركون بصورة أكبر من ذي قبل. فبعد 15 دقيقة من بداية الحصة، لا ينتبهون إلى المعلم ويبدأون في التنقل بين الصفوف ثم العراك».

ولا يتوقع أن يفرض حظر على ألعاب الأطفال، لأن ذلك سيتطلب تحركا من عدد من الوزارات لا يضطلع أي منها بمسؤولية الحفاظ على الصحة العامة، لكن وزارة التجارة العراقية تجري محادثات مع خبراء الصحة بشأن منع بعض الواردات، بحسب المتحدثة باسم الوزارة.

مصطفى، الذي أصيب في عينه، أكد أنه لم يعد يتحدث إلى جيرانه الذين أصابوه في عينه، وقال: «أنا لا أحبهم». وتمنى أن يصبح طبيب عيون عندما يكبر. وأكد أبوه، رائد خريبط، (62 عاما)، أنه حاول إقناع جيرانه بعدم السماح لأبنائهم باللعب بالمسدسات ولكن دون جدوى، وقال: «أنا لا أجلب إلى المنزل مثل هذه الأشياء لأني أعلم أنها ضارة، وقد شهدنا حوادث مماثلة. وهذه المسدسات ليست لطيفة أو حضارية». وأضاف أنه حتى من دون الألعاب، فإن الأطفال ينشأون وسط ثقافة حربية، «فالطفل يرى نقاط التفتيش ورجال الشرطة العسكرية. والشرطي يحمل السلاح وله الحق في التعبير عن قوته، ومن ثم فالأطفال يحبون أن يقلدوه». بيد أن الخطر الأكبر يتمثل في أن مرحلة الطفولة التي يعيشها الأطفال بين الأسلحة، سواء الحقيقية أو اللعبة، ستجعل الأطفال أكثر رغبة في اللجوء إلى القوة. ويقول الدكتور عبد الرزاق: «سيجعلهم ذلك على المدى القريب أكثر عدوانية في المنزل والمدرسة. ثم يصبحون أكثر قسوة، وسيشجعهم ذلك على المدى البعيد على الدخول في مغامرات بالأسلحة. وسيكونون أكثر ميلا للانضمام إلى الشرطة أو العصابات الإجرامية أو الجماعات الإرهابية». وأضاف: «ستكون الأسلحة الحقيقية نوعا من المتعة لا القلق».

المسألة بالنسبة للآباء في شراء هذه الأسلحة مرهونة باعتبارات لحظية، إذ يقول صدام عبد السلام، الذي وقف يشتري مسدسات لعبة لأبنائه الستة، على الرغم من إصابة أحدهم لأخيه في عينه «فإنهم يحبونها». حتى إن بناته الثلاث يلعبن بهذه المسدسات. فيقول: «هذا هو الجيل الجديد، لقد تربوا عليها».

* خدمة: «نيويورك تايمز»