الجهود الأميركية تخفق في إقناع قائد الجيش الباكستاني باستهداف طالبان

القضاء على معاقل المتمردين مفتاح النجاح في الحرب الأفغانية

TT

تحدث عدد كبير من المسؤولين الأميركيين بجدية مع الجنرال أشفق كياني، الرجل الذي يراه الكثيرون أقوى رجل في باكستان، واستمعوا إليه أيضا. وتناول المسؤولون معه الشاي ولعبوا معه الغولف وكرموه وانضموا إليه في رحلات بالطائرات الهليكوبتر. ومع ذلك لم يتمكنوا بعد من إقناعه بالالتزام بما رأته إدارة أوباما في المراجعة الأخيرة للاستراتيجية مفتاح النجاح في الحرب الأفغانية، وهو القضاء على معاقل حركة طالبان داخل باكستان التي يقوم فيها عناصر الحركة بالتخطيط ويستخدمونها كقاعدة لشن هجمات على قوات التحالف في أفغانستان.

ورفض كياني، الذي يعد تأثيره على الاستراتيجية الأمنية للدولة أكبر من الرئيس أو رئيس الوزراء، بصفته قائد الجيش الباكستاني، طلبات شخصية من الرئيس أوباما وقادة عسكريين أميركيين ودبلوماسيين رفيعي المستوى. ورجحت آخر تقديرات للاستخبارات الأميركية أن كياني لن يعدل عن رأيه قريبا. ويقول مسؤولون إن كياني، رغم التوسلات، لا يثق في دوافع الولايات المتحدة ويتجنب الالتزام بموقف محدد تحسبا من إخفاق الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان.

ومن أوجه عديدة، يعد كياني تجسيدا للمشكلة المربكة التي تسببت بها باكستان. فمثلما يمثل المؤسسة العسكرية التي تتمتع بنفوذ قوي، يرى كياني أفغانستان في مرحلة ما بعد انسحاب القوات الأميركية الذي من المقرر أن يتم خلال فصل الصيف من العام الحالي. وبينما ترى إدارة أوباما المتمردين كقوة معادية يجب أن تهزم مباشرة بأسرع وقت ممكن، تراهم باكستان وكلاء يمكن أن يساعدوا في حماية حدودها الغربية من انتهاكات الهند، عدوتها التاريخية. وقال أحد المسؤولين في إدارة أوباما رفض الكشف عن هويته عن العلاقة المتسمة بالحساسية: «يريد كياني التحدث عن الظروف التي تحدد النجاح في تحقيق الأهداف العسكرية في جنوب آسيا»، في حين أن الجنرالات الأميركيين «يريدون التحدث بشأن الهجمات التالية بطائرات من دون طيار».

وقد أثنت الإدارة الأميركية على كياني لقيامه بعمليات عسكرية عام 2009 و2010 ضد مسلحين في وادي سوات وجنوب وزيرستان وزادت بشكل كبير قيمة المعونة العسكرية والاقتصادية لباكستان. لكن ما أثار حنق الإدارة هو عدم شن الجنرال عمليات برية ضد معاقل حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة في شمال وزيرستان. ووعد كياني بالقيام بعمليات عسكرية عند توفر القوات دون تحديد موعد بعينه. وما زال الجزء الأكبر من الجيش الباكستاني البالغ نصف مليون يتمركز في الشرق باتجاه الهند. وأصبح كياني خلال الأشهر الماضية أكثر جرأة وتحديا. فعندما ازدادت التوترات بين باكستان والولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي عقب مقتل جنديين باكستانيين في قصف بمروحية أميركية داخل أفغانستان، استهدفت متمردين، بطريق الخطأ على الجانب الباكستاني من الحدود، أمر كياني شخصيا بإغلاق المعبر الرئيسي الذي تمر منه الإمدادات العسكرية الأميركية إلى أفغانستان على حد قول مسؤولين أميركيين وباكستانيين.

وأعد مسؤولو الإدارة الأميركية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي اجتماعا لكياني يسلم أوباما خلاله رسالته العاجلة شخصيا إلى كياني. وبحسب مسؤولين أميركيين، استمع قائد الجيش إليه حتى النهاية ثم كتب وثيقة من 13 صفحة تتضمن تحديثا للمنظور الاستراتيجي لباكستان وتشير إلى الفجوة بين بواعث قلق الولايات المتحدة على المدى القصير ومصالح باكستان على المدى البعيد. ويقال إن البرقيات الأميركية التي تم تسريبها من خلال موقع «ويكيليكس» الإلكتروني استفزت كياني، حيث صورته بعض تلك البرقيات أكثر ودا مع الأميركيين وانخراطا في السياسة الباكستانية مما يصور عليه في الداخل. وفي إحدى البرقيات المرسلة من السفارة الأميركية في إسلام آباد إلى واشنطن العام الماضي، نسب إليه قوله إنه يناقش مع مسؤولين أميركيين إمكانية الإطاحة بالرئيس الباكستاني والشخصية التي يفضل أن تخلفه. وفي ليلة نشر البرقية في نوفمبر (تشرين الثاني)، تحدث الجنرال ذو الطبع والحديث الهادئ بغضب لساعات عن الخلافات التي لا يمكن تجاوزها بين الولايات المتحدة وباكستان في اجتماع مع مجموعة من الصحافيين الباكستانيين.

وبحسب تقارير إخبارية، قال الجنرال إنه لا يمكن أن تتبنى الدولتان «الأطر المرجعية نفسها» بشأن الأمن الإقليمي. وقال كياني، الذي أطلق على باكستان «أقوى حلفاء» أميركا، إن «الهدف الحقيقي للاستراتيجية الأميركية هو تجريد باكستان من قوتها النووية». لقد كان كياني طالبا مشهورا في الكلية العسكرية للقيادة والأركان في فورت ليفينورث. وكتب رسالة الماجستير عام 1988 بعنوان «نقاط قوة وضعف حركة المقاومة الأفغانية». وكان كياني من بين الباكستانيين الذين تخرجوا من الكلية قبل أن تقطع الولايات المتحدة المعونة العسكرية عن إسلام آباد عام 1990 ردا على الاشتباه في وجود برنامج تسلح نووي لباكستان. وبعد مرور ثمانية أعوام أجرت كل من باكستان والهند اختبارات نووية. واستمرت هذا الجفوة حتى رفع جورج بوش الابن العقوبات عن باكستان عام 2001 بعد أقل من أسبوعين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).

ولا يعد كياني الوحيد الذي تساوره الشكوك بشأن احتمال تخلي الولايات المتحدة عن باكستان بمجرد تحقيقها لأهدافها في أفغانستان وسعيها إلى تجريد باكستان من قوتها الدفاعية في مواجهة الهند التي تمتلك سلاحا نوويا. ويقول أحد المسؤولين الأميركيين: «كياني أحد أكثر القادة العسكريين في باكستان عداء للهند». وقد حصل، ابن ضابط صف في الجيش، على رتبة ملازم ثان عام 1971. وتولى كياني منصب رئيس العمليات العسكرية أثناء الأزمة بين باكستان والهند بين عامي 2001 و2002. وبصفته رئيسا للاستخبارات الباكستانية من 2004 إلى 2007، لعب كياني دورا بارزا خلال المحادثات السرية مع الهند التي أطلقها برويز مشرف، الرئيس الباكستاني آنذاك. وعندما قدم مشرف استقالته من منصبه عام 2008، انتهت المحادثات بشكل مفاجئ. طالما انخرط الجيش الباكستاني في السياسة، لكن قليل من يعتقدون أن الجنرال يسعى إلى رئاسة الدولة. ويقول شوجا نواز، مدير مركز جنوب آسيا بالمجلس الأطلسي: «لقد صرح من البداية أنه لا يرغب في إشراك الجيش في إدارة الدولة»، لكن هذا لا يعني أن كياني سيقف دون أن يحرك ساكنا «في حال فشل المؤسسات المدنية، بل سيتدخل الجيش وقتها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»