روسيف «المرأة الحديدية» تتولى رسميا رئاسة البرازيل

نائبها لبناني الأصل.. وحضر حفل تنصيبها عدة رؤساء بينهم عباس عرفانا بالاعتراف

TT

تسلمت ديلما روسيف، المتمردة السابقة التي اختبرت حياة السجون خلال سنوات الديكتاتورية والملقبة بالمرأة الحديدية، أمس، رئاسة البرازيل وأصبحت بذلك أول امرأة تتولى رئاسة هذا البلد الصاعد، خلفا لراعيها السياسي الواسع الشعبية لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.

وكان لافتا أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس اختار حضور مناسبة تنصيب روسيف عرفانا باعتراف البرازيل في الآونة الأخيرة بالدولة الفلسطينية، وهي الخطوة التي تلتها عدة اعترافات من دول أخرى في أميركا اللاتينية. وحضر حفل تنصيب روسيف أيضا الكثير من رؤساء الدول والحكومات، إضافة إلى وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون. وشاركت في الإجمال، 30 دولة في حفل التنصيب الذي نظم في مقر البرلمان. وأدت روسيف، (63 عاما)، اليمين واضعة يدها على الدستور البرازيلي في البرلمان، وصارت بذلك رسميا الرئيس الأربعين للبرازيل وأول أمراة تقود هذا العملاق الجنوب أميركي الذي يضم 191 مليون نسمة ويعد ثامن قوة اقتصادية في العالم. وتسلمت روسيف الوشاح الرئاسي من لولا الذي اختارها لخلافته كمرشحة لحزب العمال (يسار).

ومنذ صباح أمس، توافد الآلاف من أبناء البرازيل من جميع أنحاء البلاد إلى وسط العاصمة لحضور تنصيب ديلما روسيف. ومن هؤلاء المساعدة الاجتماعية ميريام فيليلا التي كانت ترتدي تي شيرت كتب عليه «النساء قادرات على المزيد، نحن الأكثر عددا، نحن كلنا ديلما».

وقبل أدائها القسم، تجولت ديلما، المطلقة، ترافقها ابنتها بولا في السيارة الرئاسية الرولز رويس المكشوفة التي تعود إلى عام 1952 في ساحة الوزارات في قلب برازيليا. وللمرة الأولى وبناء على طلبها، سيكون طاقم حراستها المباشر من النساء. واستعدادا لمواجهة الناخبين، خضعت ديلما لعدة جراحات تجميلية جعلتها تبدو أكثر شبابا وأكثر نحافة ومن دون النظارات السميكة. وقد اعترفت ديلما العام الماضي بأنها خضعت لعلاج من السرطان، مما أضفى نعومة على صورتها. ويرى الأطباء حاليا أنها قد شفيت تماما.

وتخلف ديلما روسيف النقابي وعامل المعادن السابق لولا دا سيلفا، (65 عاما)، الذي يحظى بشعبية قياسية وصلت إلى 87% بعد ثمانية أعوام في السلطة. إلا أن لولا الذي يمنعه الدستور من الترشح لولاية رئاسة ثالثة لم يستبعد الترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية لعام 2014.

وستقود روسيف، فريقا يكون سياسي من أصل لبناني الأهم فيه. وهو ميشال تامر، نائب الرئيسة الجديدة للبرازيل، والذي كان انتخب في فبراير (شباط) 2009 للمرة الثالثة لرئاسة مجلس النواب الفيدرالي البرازيلي. وكان تامر تولى رئاسة الجمهورية البرازيلية مرتين بالوكالة الأولى بين 27 و31 يناير (كانون الثاني) 1998 والثانية ليوم واحد في 15 يونيو (حزيران) 1999، وهو يشغل أيضا منذ 1999 منصب الرئيس الوطني لحزب التيار الديمقراطي البرازيلي. يشار إلى أن تامر ولد عام 1940 من أب وأم لبنايين. ويتحدر والده مخايل إلياس تامر ووالدته مرشا بربر من بلدة بتعبورة قضاء الكورة في الشمال اللبناني. وميشال تامر متزوج امرأة تصغره بـ42 سنة، وهي ملكة جمال سابقة وبدأ كثيرون يطلقون عليها لقب «كارلا بروني أميركا»، لأنها عارضة أزياء سابقة وإيطالية الأصل كزوجة الرئيس الفرنسي تماما.

وترث روسيف بلدا في أوج انتعاشه الاقتصادي مع نسبة نمو بلغت 7.6 في المائة هذه السنة وأدنى معدل للبطالة في تاريخه (5.7 في المائة)، إلا أنه لا يزال من أكثر بلدان العالم تفاوتا في مستوى المعيشة. وقد سبق أن حددت الوزيرة الرئيسية السابقة في حكومة لولا أولويتها وهي «اجتثاث الفقر» الذي لا يزال يعانينه 18 مليون شخص.

لكن خطوات روسيف الأولى كرئيسة للبلاد لا تزال موضع سؤال، فعلى الرغم من ما حققته البرازيل من منجزات اقتصادية بدت «مبهرة» بالنسبة للخبراء، لا يزال الفقر مصدر الأرق الأول في البلاد. وحسب التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، تعاني البرازيل تفاوتا اجتماعيا هائلا يضعها في المرتبة الثالثة بين دول العالم التي تعاني هذه الإشكالية. ويتساءل البرازيليون: كيف ستتعامل روسيف مع واقع بلادها، خاصة بعد أن اعترف دا سيلفا بأن المناضلة روسيف، التي تدربت على حمل السلاح في معسكرات سرية في الريف البرازيلي خلال الثورة على النظام الاستبدادي في ستينات القرن الماضي، تفتقر إلى الخبرة السياسية. لكن سلفها دا سيلفا يؤمن بقدرتها الإدارية وتصميمها.

وقد استبقت روسيف تقلدها مهام المنصب بقولها: «أنا اقتصادية وعلمتني تجربتي أن الاقتصاد ليس أرقاما فقط، بل عليه أن يرفع من مستوى حياة الناس». وبخبرة 63 عاما تدرك روسيف، التي تولت منصب رئاسة الوزراء خلال ولاية سلفها بعد منصب وزارة الطاقة، أن الناخب البرازيلي تنحصر اهتماماته في دائرة جدول أعمال السياسة الداخلية وأن صوته يذهب لمن يقدم للبرازيليين خدمات صحية وتعليمية أفضل، ويفرض ضرائب أقل، ويوفر وظائف أكثر بأجور أعلى.

ولن يكفى روسيف، التي التحقت بصفوف اليسار الراديكالي وشاركت في عمليات سطو على البنوك لتمويل الثورة، وكادت تقتل في عام 1969، في المرحلة المقبلة أن تفخر بكون حكومتها تمكنت من «انتشال 29 مليون برازيلي من الفقر»، وحتى «باب» لولا دا سيلفا الذي وعدت بأن تقرعه دائما بحثا عن العون، لن يعفيها من مواجهة تحديات الحفاظ على ارتفاع معدل النمو الاقتصادي ومعدل التوظيف، وإبقاء التضخم تحت السيطرة.

لكن إشكاليتها الأكثر إلحاحا ستكون القدرة على الاستمرار في سياسات عرابها دا سيلفا الخارجية، فهي لا تملك كاريزما سلفها، وفي مناظرتها مع غريمها سيرا، خلال حملة الانتخابات، كانت تبدو عصبية ومترددة أمام هجماته على مواقفها المؤيدة للإجهاض والتزامها الديني.