زعيم متمرد يريد الحوار مع تركيا.. لكن من دون استسلام

قائد «العمال الكردستاني»: لسنا ضعفاء وعلى أميركا التوقف عن النظر لنزاعنا من منظور الحرب على الإرهاب

TT

في مكان مرتفع بجبال وعرة على الحدود الشمالية للعراق، حيث اعتاد رجال (وفي هذه الحالة نساء) التجول ومعهم رشاشات بعيدا عن سيطرة أي حكومة، بدا مراد كارايلان راغبا في تحقيق سلام وليس الاستمرار في حرب ضد تركيا.

وقال في مقابلة أجريت معه داخل هذه القرية، حيث يفرض، ومعه مقاتلون من حزب العمال الكردستاني، سيطرتهم على الرغم من مزاعم رسمية بعكس ذلك: «لسنا ضعفاء، فشبابنا دائما على أهبة الاستعداد، ويتحلون بروح قتالية، ولكنا نريد حل المشكلة الكردية - فهي مشكلة أمة ومشكلة شعب - من خلال الحوار وبعيدا عن السلاح».

ويشكك كثيرون في صدق ما يقوله كارايلان، لا سيما في تركيا. فقد استمر النزاع العنيف لأكثر من ربع قرن من الزمان وخلف نحو 40 ألف قتيل. ولكن توجد مؤشرات حاليا أكثر من أي وقت مضى على أن الحرب قد تصل إلى نهايتها.

ويضع ذلك كارايلان - الذي يعتبره البعض متمردا نبيلا يقاتل ضد ظلم فيما يعتبره آخرون زعيما إرهابيا - في بؤرة موقف هجومي من نوع مختلف. يدافع كارايلان عن الحقوق الكردية في تركيا خلال مقابلات ترتب خلسة - إن لم تكن سرية تماما - في معقله وسط الجبال، ويثير فيها غضب مسؤولين على كلا جانبي الحدود. وقال: «الشعب الكردي شعب قديم في العالم، ولكن يتم رفض كل حقوقه القومية واللغوية. هدفنا هو الحصول على هذه الحقوق».

وقد أعلن حزب العمال الكردستاني، الذي صنفته الولايات المتحدة منذ وقت طويل كمنظمة إرهابية واعتبرته منذ العام الماضي من منظمات تهريب المخدرات، وقفا جديدا لإطلاق النيران، وقام بتمديد ذلك إلى العام الجديد. وقلل الحزب من مطالبه السياسية، إما بمحض إرادته أو بسبب ضغوط عليه، عقب تغييرات سياسية واقتصادية داخل تركيا والعراق.

لم يعد كارايلان ينادي بدولة كردية مستقلة، وإنما يدعو إلى حكم شبه ذاتي داخل تركيا استلهمه من نظام فيدرالي وضعه الأكراد لأنفسهم داخل العراق عقب الغزو الأميركي عام 2003، ولكن لا تزال تفصله عن ذلك مسافة كبيرة.

وقد دعمت قيادات كردية عراقية جهودا تهدف إلى إنهاء الصراع، وتحدوهم خلال ذلك رغبة في توسيع التجارة والتعاون عبر الحدود، ويقدمون نموذجهم لتقرير المصير ورفع مستوى الرخاء. وعلى الرغم من نفي مسؤولين في تركيا وجود مفاوضات مع الحزب، فقد قام وسطاء بعقد محادثات سرية لمناقشة إمكانية الوصول إلى سلام دائم، حسبما أفاد مسؤولون في تركيا والعراق.

ودائما ما كان وجود حزب العمال الكردستاني عنصر توتر في العلاقات، حيث يتسبب ذلك في غارات وتفجيرات عبر الحدود كان آخرها في فصل الصيف الماضي. ويبدو أنه من الصعب التغلب عليه. وقال برهم صالح، رئيس حكومة إقليم كردستان: «إننا نواصل تذكير الجميع بأن أعمال العنف لن تكون الطريق الذي يفضي إلى حل لهذه القضية». وأضاف قائلا إن أكراد العراق «مدركون لعلاقتنا مع تركيا»، مشيرا إلى أن تجربة الأكراد في العراق في إطار نموذج يتجه للديمقراطية إن لم يكن ديمقراطيا تماما «تبدد فكرة أن الأكراد عنصر زعزعة للاستقرار داخل هذه المنطقة من العالم». وقال: «لا يجب أن نبقى في أسر صراعات الماضي».

يتميز كارايلان، البدين نسبيا، بشاربه وأناقة ثيابه المصنوعة محليا وتجمع بين اللونين الزيتوني والرمادي، وهي نفس الثياب التي يرتديها مقاتلو حزب العمال الكردستاني. ويكتنف ماضيه الكثير من الغموض، لدرجة أن قوائم الإرهاب التابعة لوزارة الخزانة الأميركية تحدد له عمرين: إما 56 عاما أو 60 عاما. وأصبح كارايلان القائد الميداني لحزب العمال الكردستاني بعد القبض على مؤسس الحزب عبد الله أوجلان عام 1999 ومحاكمته وسجنه في إحدى الجزر في بحر مرمرة.

انتقلت القيادة بعد ذلك بوقت قصير إلى منطقة قنديل، حيث يعيش مقاتلو الحزب فيما يشبه معقلا غير معلن عنه. يلتزم مقاتلو الحزب - وعدد كبير منهم من النساء - بنمط حياة منظم يتسم بالتقشف. وعلى الرغم من أنهم يستخدمون الجبال كملاذ دائم لهم، فإن الإطاحة بنظام صدام حسين سهلت ذلك عليهم - لسوء حظ الحكومة التركية التي تشتكي من حين لآخر إلى الولايات المتحدة والعراق وتطالب ببذل المزيد من أجل وقف تحركات حزب العمال الكردستاني. ويقول المتحدث باسم الحزب روج والات: «للمرة الأولى في التاريخ يكون للأكراد متنفس».

يحظى مقر كارايلان بسرية من دون شك، لكن لا ينطبق الأمر على وجود الحزب في الممرات الضيقة حول قنديل. ويقبع مقاتلون يرتدون زيا موحدا في نقطة تفتيش على الطريق من أربيل، عاصمة إقليم كردستان، لا تبعد كثيرا عن آخر نقطة تفتيش رسمية. وترفف أعلام الحزب داخل المنطقة التي يسيطر عليها، فيما تظهر صور أوجلان في كل مكان، حيث لا يزال يمثل زعيما للحزب ولكنه «ليس في وضع يمكنه من إعطاء الأوامر» من السجن، على حد قول كارايلان، الذي يضيف أنه على الرغم من ذلك فإن رسائل وكتابات أوجلان لا تزال تنتشر.

ويدير الحزب مع طبيب ألماني، عيادة طبية، بالإضافة إلى مصنع ينتج الزي الموحد. ويعتني بمقبرة داخلها نصب طوله 30 قدما يظهر فوق مقابر مقاتلين أكراد من العراق وتركيا وإيران وسورية. ويقول كارايلان إن الحزب يعتمد على تبرعات من أكراد يعيشون إما في أرض الوطن أو في الخارج. ولكن يقول مسؤولون أتراك وأميركيون إنهم يعتمدون على عمليات تهريب. ولدى سؤاله عن السلاح، ابتسم كارايلان قائلا «تستطيع الحصول على ما تريد، فهذه هي منطقة الشرق الأوسط».

وقد أعلن الحزب من جانب واحد عن وقف لإطلاق النيران بعد انفجار أعمال العنف على جانبي الحدود في الفترة من 2007 حتى 2009. وتزامن ذلك مع تنازلات من جانب الحكومة التركية برئاسة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تهدف إلى توسيع حقوق الأقلية الكردية في تركيا من خلال السماح بمحطة تلفزيونية ناطقة باللغة الكردية ودراسات باللغة الكردية في الجامعات. وتجاهلت حكومة أردوغان بنود الحزب المعلنة لإنهاء أعمال العنف نهائيا، وبينها إطلاق سراح نشطاء سياسيين أكراد وإنشاء لجنة مصالحة على غرار اللجنة التي أنشئت في أعقاب حقبة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. وقامت الحكومة باللعب على وتر قومي قبل الانتخابات المرتقبة في يونيو (حزيران) المقبل. ومع ذلك، من يتوقع أن تقدم الحكومة المزيد من الإشارات الإيجابية للأكراد أملا في تهميش مجموعة كارايلان. ويقول عمر سيليك، عضو البرلمان والمستشار السياسي البارز لأردوغان: «بعض الأمور التي وردت كشروط مسبقة هي بالفعل جزء من معايير ديمقراطية تتبعها حكومتنا إزاء كافة المواطنين وليس الأكراد فقط».

ويقول كارايلان إن الحكومة التركية ليس لديها إرادة سياسية للوصول إلى سلام حقيقي، وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يغلق الباب أمام الوصول إلى قرار عبر مفاوضات. وتحدث لقرابة ساعتين داخل منزل في قنديل ليس بعيدا عن منزل آخر دمرته قذائف تركية خلال الصيف. ويتنقل مع مجموعة صغيرة من الحراس داخل سيارة «تويوتا لاند كروزر»، ويتخذ القليل من الاحتياطات الأخرى. وعند انتهاء المقابلة اعتذر لأنه لن يستطيع البقاء لتناول العشاء.

وعلى الرغم من أدبه في الحديث فإنه كان حادا في بعض الأحيان وشجب ما وصفه بإبادة جماعية واضطهاد واحتلال تركي. ودعا الولايات المتحدة ودولا أخرى إلى التوقف عن النظر للنزاع من منظور «الحرب على الإرهاب» وحثهم على النظر إليه من منظور حق تقرير المصير. وقال: «إنها قضية أمة ويجب التعامل معها».

- ساهم ستيفن فارل ونامو عبد الله في التقرير من قنديل بشمال العراق وسبنم أرسو من إسطنبول.

* خدمة «نيويورك تايمز»