اليمن: 2010عام صعب في مواجهة خطر «القاعدة»

تحالفات الحوثيين تعكس طموحهم.. والمعارضة أمام خيار صعب

TT

عام 2010 كان عاما حافلا بامتياز في اليمن، ففيه تفاعلت قضايا اليمن الداخلية التي باتت تؤرق دول المنطقة والعالم وأبرزها الإرهاب وتنظيم القاعدة والتطورات في جنوب البلاد، فقد بدأ العام المنصرف باتفاق فبراير (شباط) بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين وهو الاتفاق الذي توقفت بموجبه الحرب السادسة بين الجانبين، بصورة ثنائية في ضوء وساطة قبلية، بعد أن فشلت الوساطة القطرية التي عادت واستؤنفت منتصف العام بعد زيارة قام بها إلى اليمن أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، غير أنها ما زالت متعثرة.

ورغم أن الحرب النظامية بين الجيش اليمني وجماعة الحوثي توقفت ورغم استمرار عمل اللجنة الوطنية للسلام في محافظة صعدة ومديرية حرف سفيان بمحافظة عمران، شمال صنعاء، فإن الحرب استمرت بطريقة أخرى وبشكل آخر، فطوال أشهر عام 2010، استمرت المواجهات المسلحة بين ميليشيا الحوثيين ورجال القبائل الموالية للحكومة اليمنية، وبعض تلك المواجهات كانت شرسة وقوية، وبحسب مراقبين محليين فإن حروب الحوثيين والقبائل هدف من خلالها الحوثيون إلى بسط السيطرة والنفوذ على مناطق صعدة وبالأخص المناطق الحدودية مع السعودية.

وفي ملف الحوثيين في اليمن 2010، أربع نقاط أخرى إلى جانب ما ذكر، وهي نقاط هامة ومفصلية تتعلق بالراهن والمستقبل، الأولى توسع الرقعة الجغرافية التي يوجد فيها الحوثيون حيث بات لهم وجود كبير في 2010 في محافظة الجوف بشمال شرقي البلاد بعد مواجهات طاحنة مع بعض القبائل، وكذا انتقال نشاطهم إلى مناطق في محافظة مأرب، من خلال انضمام بعض قبائل جهم إلى الجماعة.

النقطة الثانية تمثلت في التحالفات والتفاهمات السياسية التي أبرمها الحوثيون مع أحزاب المعارضة في «اللقاء المشترك»، وهي إشارة واضحة إلى أن هناك طموحا سياسيا لدى جماعة الحوثي يتجاوز ما يطرحونه من أنهم فقط يطالبون بأن تتاح لهم حرية ممارسة طقوسهم الدينية كالاحتفال بيوم الغدير وترديد الشعارات المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل.

المسألة الثالثة وهي رحيل الأب الروحي للجماعة المرجع الزيدي البارز بدر الدين الحوثي، والد زعيم التمرد عبد الملك الحوثي، وهي المناسبة التي أبرز الحوثيون خلالها نوعا من التقديس، إن جاز التعبير، للشيخ الراحل والذي حشدت جماعته عشرات الآلاف من الأنصار في جنازته التي كانت مناسبة لأول ظهور علني لعبد الملك الحوثي عندما أم المصلين في الجنازة.

النقطة الرابعة وهي أنه في عام 2010 برز جليا الصراع الطائفي بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة الذي تبنى تفجيرين في صعدة والجوف في موكبين لأنصار الحوثي، بسيارتين مفخختين، أوقعا عشرات القتلى والجرحى، وانطلقت شرارة هذا الصراع في نوفمبر (تشرين الثاني) عندما وقعت التفجيرات.

وعن المشهد السياسي في العام المنقضي وقضايا الحوار وغيرها بين الحكم والمعارضة يقول علي سيف حسن، رئيس منتدى التنمية السياسية إن عام 2010 مثل «امتدادا للأعوام التي سبقته ولربما سيمثل مدخلا للأعوام التي تليه باعتبارها حقبة الحوار السياسي اليمني، ولأن التحديات التي يواجهها اليمن بمجموعه أعمق وأصعب من قدرات النخبة السياسية المركزية (الحاكمة والمعارضة)»، حيث يعتقد سيف أن الطرفين اعتمدا على «منهج المناورات والتلويحات والمساومات، إلا أن التحديات كانت أعصى من كل هذه الأساليب، ووصل الطرفان إلى ما يشبه الطريق المسدود وأصبح خيار المسارات المنفردة لكل طرف هو البديل المتاح على أمل أن تأتي متغيرات محلية أو خارجية تعزز موقف هذا الطرف أو ذاك، وما أتوقعه هو أن المتغيرات المحلية أو الخارجية أو كليهما لن تكون في صالح أي منهما، بل لربما ستعزز عملية تجريف أو تصحير الأرض من تحت أقدامهم مجتمعين»، ويؤكد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنه ومع قرب ما سماها «نهاية الفسحة المتاحة للتفاوض وليس للحوار»، تم، وعلى عجل، اتفاق 17 يوليو (تموز) 2010 والذي «لم يقل شيئا أكثر من التعبير عن اتفاق الطرفين على تنفيذ اتفاقهم السابق المبرم في فبراير 2009»، والاتفاق الأخير «كشف عن سلسلة من المفاوضات السرية بين القيادات الأكثر تأثيرا لدى الطرفين توصلت أو أسست لتسوية غير معلنة بين قطبي رحى الطرفين، الأمر الذي نبه المكونات الأخرى، في الطرفين، إلى خطورة ما يتم وراء الكواليس، ودفعها لشحذ كل ما لديها من متاحات لنزع الغطاء السياسي العلني عن التسوية المبدئية غير المعلنة».

ويظن السياسي اليمني أن على الجميع التعامل مع الخطوة التي أقدم عليها حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم بالسير نحو الانتخابات النيابية منفردا والمقررة في 27 أبريل (نيسان) المقبل، وبعيدا عن أحزاب «اللقاء المشترك»، ومع النتائج المترتبة على هذه الخطوة، حيث يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يعرف «ما هي المعطيات التي منحت المؤتمر الشعبي العام الجسارة السياسية ليمضي نحو خيار إنجاز الانتخابات البرلمانية منفردا»، لكنه يعتقد أنه لم يعد أمام الحزب الحاكم في اليمن من خيار «سوى أن يثبت لذاته وللآخرين بأنه فعلاَ يمتلك الإرادة السياسية الجسورة، وأنه يمتلك الأدوات والوسائل الكفؤة والفاعلة لإنجاز انتخابات بمستوى مقبول»، ثم يعبر عن عدم اعتقاده بأن حزب المؤتمر الحاكم لا يعلم بأنه لا يكفيه أن «يعمل الشيء الصحيح، بل يجب أن يعمله بالطريقة الصحيحة لكي يتجنب النتائج العكسية لما يسعى إليه»، وأيضا عدم اعتقاده بأن أدوات هذا الحزب «تتمتع بالكفاءة والفاعلية اللازمة، والأكثر من ذلك فأنا أشك بمدى توفر الإرادة والجسارة السياسية المقتدرة على تبني حزمة إصلاحات دستورية تمثل أقصى ما كان يمكن أن يقدمه المؤتمر في أي حوار مع اللقاء المشترك، على الرغم من أنه يمتلك الأغلبية البرلمانية التي تمكنه من إقرار تلك الإصلاحات الدستورية والاستفتاء عليها بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية»، ثم يشير إلى أن على حزب المؤتمر الحاكم أن يعلم أن «حزمة الإصلاحات الدستورية الاستراتيجية»، هي وحدها «القادرة على أن تكون المفعل والدافع لأدواته أثناء سيره نحو الانتخابات البرلمانية وهي وحدها القادرة على أن تكون الرافعة والحاملة لبرنامجه الانتخابي».

أما عن أحزاب المعارضة فيرى علي سيف حسن وهو يستعرض 2010 ويستشرف 2011، أنها وجدت نفسها أمام «خيار أكثر أهمية وأكثر صعوبة بعد قرار الحزب الحاكم خوض الانتخابات بعيدا عنها»، حيث «قضى قرار المؤتمر الشعبي العام على استراتيجية التسلل الآمن التي حاولت بعض قيادات اللقاء المشترك تبنيها خلال السنوات الماضية، ولم يعد لديها بديل من أن تسير في طريق المعارضة الجسورة»، كما أنه يصنف أدوات «المشترك»، بأنها «ليست أفضل حالا من أدوات المؤتمر ولذلك فهي بحاجة إلى قضية كبيرة أكبر بكثير من الترتيبات التنظيمية لتفعيل كفاءة وفاعلية أدواتهم وإنجاز الحوار الوطني العام الجاد والصادق هو الرافعة التي يحتاجها اللقاء المشترك»، ثم يؤكد أن أحزاب المشترك عليها، أيضا، أن تعلم أنها أمام «تحدي حوار حقيقي جاد وصادق، حوار مبني على معطيات وحقائق الواقع أكثر من اعتماده على حسن النوايا أو الخفة السياسية»، ويعتقد رئيس منتدى التنمية السياسية في اليمن أن العام المقبل سيكون أمام اليمنيين خياران لا ثالث لهما «إما المقدرة على استلهام الفرص واستثمار المتاحات الوطنية والإقليمية والدولية، وإما أن تتفرق أيديهم كما سبق وتفرقت أيدي سبأ قبل آلاف السنين».

ولم يشهد 2010 أي تطور إيجابي فيما يتعلق بالملف اليمني الآخر وهو الحرب على الإرهاب، فأنور العولقي المطلوب حيا أو ميتا للولايات المتحدة لم يتم اعتقاله وما زال يشن حربا إعلامية ضد أميركا من داخل الأراضي اليمنية، لكن التطور السلبي، في هذا المضمار، كان حاضرا وبقوة وذلك بعد اكتشاف الطرود المفخخة في الولايات المتحدة وعدة دول غربية وعربية والتأكيد أن مصدر تلك الطرود هو تنظيم القاعدة باليمن الذي حصد، جراء ذلك، ردود فعل دولية أهمها وأبرزها من الطيران اليمني وبالأخص طيران الشحن من الهبوط في العديد من المطارات في العالم، وحتى اللحظة.

ولعل أبرز حدث في هذا الجانب هو أن «الشرق الأوسط» تمكنت من الالتقاء بالمطلوب الثالث عالميا للولايات المتحدة على ذمة قضايا الإرهاب وهو فهد محمد أحمد القصع، في جبال محافظة شبوة اليمنية ونشرت الصحيفة قصة خبرية عن وجوده في اليمن وأنه لم يقتل في غارة جوية أميركية في باكستان، كما أعلن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ويصف سعيد عبيد الجمحي، الخبير في شؤون تنظيم القاعدة في اليمن، عام 2010 في اليمن بأنه كان «عام القاعدة بجدارة»، ويعتقد أن هذا التنظيم المصنف دوليا كمنظمة إرهابية، بدت خلال العام المنصرف و«كأنها تنازع النظام اليمني وليست مجرد عصابة أو مطاردين»، إضافة إلى أنها أصبحت تعلن مدينة لودر «إمارة إسلامية، وصار وجود عناصرها هناك، بحسب شهود العيان، علنيا، هذا عوضا عن نشرها بأسماء قوائم مطلوبين للتصفية».

ويعتقد الجمحي أن نشاط «القاعدة» في اليمن، في تصاعد متواصل منذ عام 2008 مرورا بـ2009 وانتهاء بـ2010، ويصف ذلك بعملية صعود السلم، وفي ضوء قراءته، يعتقد أن عام 2011 «سيكون المستوى فيه أعلى والعام الأصعب بالنسبة للحكومة اليمنية»، ويتوقع أن تقوم «القاعدة في اليمن» بـ«تصدير عملياتها إلى الخارج»، لأن «قاعدة اليمن» تتجه نحو أن تكون «قاعدة دولية، أكثر منها محلية»، في إشارة منها إلى أنها «فرغت من العمليات المحلية، فقد قتلت الجنود وقيادات أمنية وعسكرية وخاضت معارك ضد الجيش اليمني، لذلك هي تفكر في أن تبرز عبر أدوار إقليمية ودولية، وهي إشارة استضعاف للدولة»، حسبما يقول الجمحي الذي يستطرد بشأن العام المقبل ويرجع صعوبته على الحكومة اليمنية في محاربتها للإرهاب إلى أنها «لم تقدم الكثير في مسألة متابعة القاعدة»، التي يعتقد أنها «تتطور أداء وإرهابا وظل النظام اليمني ضعيفا، لكنه عند التقييم أفضل من السابق، ومع ذلك ومقارنة بتنامي دور القاعدة، لا يزال ضعيفا، في تقديري».

ويوجز الجمحي وهو مؤلف لكتاب عن «القاعدة» ما يصفها بملامح «ضعف الحكومة اليمنية في مواجهة أداء تنظيم القاعدة»، في أن صنعاء تعتمد على «المساعدات المقدمة من الخارج»، والتي ترد من «أصدقاء اليمن» وغيرهم و«جميعها مؤتمرات لم تقدم الكثير لليمن، وصارت محل جدل بشأن حقيقة الدعم لمواجهة القاعدة، سواء عسكريا أو اقتصاديا في ظل غياب تصور خارجي لكيفية تقديم المساعدات»، ولا يخفي الخبير اليمني وجود توتر في العلاقة بين صنعاء وواشنطن في هذا المضمار، خاصة بعد «الحرج الذي سببته الضربات الجوية التي قامت بها طائرات أميركية بلا طيار داخل الأراضي اليمنية وسقوط ضحايا أبرياء في تلك الضربات»، وهي الخطوة التي يعتقد سعيد الجمحي أنها أضعفت الحكومة اليمنية وقوت «القاعدة».

لكن علي سيف حسن يعتقد أن اليمن لا يمكنه التعاطي الجاد مع أي من التحديات التي تواجهه «ما لم يحسم مواجهته مع تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية الذي اتخذ من اليمن مقر له»، خاصة أن «تسريبات موقع ويكيليكس وملابسات الطرود المفخخة وتصريحات القيادات الاستخبارية السابقة والحالية في المملكة العربية السعودية كشفت خطورة الثغرة التي تعيق وتحد من قدرات الأجهزة والجهات الموكل إليها مهمة مواجهة قاعدة الجزيرة العربية»، ويطرح السياسي اليمني مقارنة يصفها بالبسيطة تتعلق بطبيعة العلاقة بين المكونات القطرية للقاعدة في جزيرة العرب داخل السعودية واليمن، بصورة خاصة، ويقول إن المقارنة مبنية على «أقصى دراجات الثقة والتوحد والتكامل بين الأجهزة الاستخبارية في البلدين والتي اتضح مؤخرا بأنها تعاني من حالة الشك والارتياب وغياب التنسيق والتكامل على الرغم من المواقف السياسية لقيادة البلدين التي تؤكد على أهمية العلاقة الاستراتيجية والتنسيقات الأمنية بين الأجهزة المختصة في البلدين».

واستمر الحراك الجنوبي في العام المنقضي في تنفيذ وتصعيد فعالياته المناهضة للحكومة اليمنية والتي تطالب بـ«استعادة الدولة»، أي دولة جنوب اليمن السابقة قبل الوحدة اليمنية التي قامت في 22 مايو (أيار) 1990، ويعتقد الصحافي اليمني صادق ناشر، أن الحراك الجنوبي أخذ أبعادا تختلف عن أبعاده خلال العام المنقضي، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن البعد الذي أخذه الحراك في 2010 يختلف عن العام الذي سبقه، حيث «صبغ العنف توجهات الحراك، كما أنه صبغ توجهاته بموضوع الخلافات التي دارت بين فرقائه، وأيضا شهد انحسارا لخطابه السياسي»، ويشير ناشر إلى أن الحراك الجنوبي خسر «الكثير من الأرضية الشعبية التي كان يقف عليها في الفترة الماضية، بسبب توجهاته»، ويعرب الصحافي اليمني عن اعتقاده بأنه «وفي حال استمر الحراك على حاله الراهن في ظل الخلافات بين قادته، فإن مستقبله سيكون أضعف عما كان عليه في أوقات ماضية».

ويرى الصحافي المصري المقيم في اليمن، إبراهيم العشماوي، أن عام 2010 يعد من الأعوام الصعبة جدا على اليمن، حيث شهد اليمن «استمرارا لفتح ملفات داخلية ملتهبة بل وتعميق جراحات الواقع الاقتصادي والسياسي والأمني»، وعن نشاط «القاعدة» يقول العشماوي إن التنظيم «غير تكتيك عملياته الميدانية من المحافظات التقليدية الثلاث المفضلة لديه وهي مأرب والجوف وشبوة إلى مناطق جنوبية أخرى مثل أبين ولحج وحضرموت وعدن، فضلا عن اشتباكاته الأخيرة مع الحوثيين»، ويصف هذه التطورات مع الحوثيين بـ«التطور الخطير» ويعتقد أنها «تنذر بمواجهات مذهبية وطائفية»، ويرى أن ملف صعدة «ظل هو الآخر يحمل مرارة شديدة في حلوق اليمنيين ويستدعي حيرتهم خاصة مع إعلان وقف القتال وتجدد الوساطة القطرية، فلا الحرب انتهت أو أنها تجددت وظل عالقا في شكل مواجهات متقطعة مع القبائل التي دخلت الحرب وبقي النازحون والمشردون في مخيماتهم في انتظار الفرج»، ثم يعتقد الصحافي العربي أن معالجات الدولة اليمنية للقضية في الجنوب «لم تكن مقنعة أو قادرة على السيطرة على هذا الملف الخطير، على الرغم من نجاح خليجي 20 في إظهار السيطرة الأمنية بشكل جيد وبقاء الرئيس اليمني في عدن، والغريب أن تستأنف القاعدة والحراك نشاطهما مرة أخرى ليعطي انطباعا بأن هذا الملف ما زال مفتوحا وسيظل لفترة أخرى».