«2010» عام تراجع الإسلام السياسي

أحزاب قاطعت انتخابات الأردن وخسرت في مصر والبحرين وفلسطين

TT

يعتبر الإسلام السياسي موضع ارتياب لغالبية الحكومات العربية والغربية على الرغم من صعوده إلى الواجهة في السنوات الأخيرة، وتمكنه من شغل مقاعد في البرلمانات والمجالس النيابية.

وشهد عام 2010 انهيارا واضحا لقوى الإسلام السياسي في المنطقة العربية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، حيث تراجع دورها إلى حد كبير على الساحة السياسية، وفقدت شعبيتها والكثير من ممثليها في البرلمانات الوطنية، إما بسبب خسارتهم لها أو بسبب مقاطعتهم للانتخابات، وهو ما أدى إلى فقدانها للبريق الذي بدا عليها في الفترة الأخيرة.

ويحمل خطاب غالبية الحركات الإسلامية التشكك والتوجس تجاه السياسات الغربية، كما يحمّلون الغرب مسؤولية دعم «الحكومات المستبدة» على حساب إمكانية التحول الديمقراطي، في نفس الوقت الذي تعمل فيه الحكومات على تحجيم قوى الإسلام السياسي من خلال التهميش أو الإقصاء.

ففي الأردن قررت الحركة الإسلامية بشقيها؛ جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، مقاطعة الانتخابات النيابية التي جرت في الخريف الماضي، احتجاجا على قانون الانتخاب الجديد، وطالبت الحركة الإسلامية بما قالت إنها شروط من أجل ضمان نزاهة الانتخابات، منها أن لا تكون إجراءات العملية الانتخابية تابعة لوزارة الداخلية.

لم تنجح دعوة الإخوان بالمقاطعة في التأثير على الناخبين، ولم تستطع منع عدد من مرشحيها الإخوان من المشاركة في الانتخابات، كما لم تنجح قيادة الإخوان من منع عبد المجيد ذنيبات من قبول دعوة الملك للمشاركة في مجلس الأعيان، على الرغم من قرار الإخوان العلني بمقاطعة مجلس الأمة بشقيه.

وكانت الحركة الإسلامية قد حصلت في انتخابات 1989 على 22 مقعدا، وفي انتخابات 1993 على 16 مقعدا، وقاطعت انتخابات 1997، وفي انتخابات 2003 حصلت على 17 مقعدا، وفي انتخابات 2007 فازت بستة مقاعد فقط، وتعيش الحركة الإسلامية حاليا أزمة داخلية بسبب الصراع بين المتشددين والمعتدلين على خلفية اختيار أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي.

وفي مصر خرجت جماعة الإخوان من انتخابات مجلسي البرلمان (الشعب والشورى) التي جرت خلال عام 2010 من دون أي مقاعد، بعد أن كانت الجماعة تتزعم المعارضة المصرية في البرلمان السابق، بحصولها في انتخابات مجلس الشعب عام 2005 على خُمس عدد المقاعد (88 مقعدا من أصل 444 مقعدا).

وشارك إخوان مصر في انتخابات الشورى في الصيف الماضي، وانتخابات الشعب في خريف 2010، لكنها (جماعة الإخوان) انسحبت من جولة الإعادة في الانتخابات الأخيرة، بسبب ما قالت إنه أعمال تزوير شابت العملية الانتخابية.

ومع ذلك اعتبر مرشد جماعة الإخوان في مصر، الدكتور محمد بديع، مشاركة الجماعة في الجولة الأولى محققة لأهدافها؛ «من خلال بثِّ الإيجابية في الشعب المصري والتفافه حول شعار الجماعة (الإسلام هو الحل)»، على حد قوله.

أما في البحرين، وعلى الرغم من المشاركة، فقد خسر الإسلاميون، من الإخوان المسلمين والحركة السلفية، نصف مقاعدهم في المجلس النيابي السابق، وذلك في الانتخابات التي جرت الخريف الماضي، فكانوا أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات، التي أفرزت تفوقا للنواب المستقلين.

وبعد أن كان النواب الإسلاميون، من جمعية المنبر الإسلامي (إخوان مسلمون) والأصالة (الحركة السلفية)، يشغلون 15 مقعدا من مقاعد المجلس النيابي، لم يتمكن أي منهما من المحافظة على مكاسبهما السابقة، واكتفوا بـ7 مقاعد فقط.

وأرجع المراقبون في البحرين خسارة الإسلاميين الكبيرة إلى عدم التنسيق بين الجمعيتين الرئيسيتين في الشارع البحريني، عكس ما كان عليه الحال في الانتخابات السابقة.

ولم يكن حال حركة حماس الفلسطينية، التي خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، أفضل من أخواتها الكبار في باقي الدول العربية، فقد تراجع دور الحركة بشكل كبير في عام 2010، وبات واضحا ضعف الحركة عما كانت عليه في أعقاب انقلابها على السلطة الفلسطينية في عام 2006.

وبعد أن التزمت حماس بتطبيق الهدنة مع إسرائيل وعدم إلقاء الصواريخ على جنوب إسرائيل، اتهمها خصومها بإفشال كل مبادرات المصالحة الوطنية مع حركة فتح، مما أفقدها الكثير من شعبيتها داخليا وعربيا.

وقد عزا المراقبون تراجع حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، للكثير من الأسباب، أبرزها أن مشاركة الإسلاميين في العملية السياسية خلال السنوات الماضية أفقدهم تأييدا كبيرا في الشارع العربي، حيث أبدى قطاع كبير من المواطنين في دولهم عدم الاقتناع بالدور الذي قاموا به في خدمة أوطانهم.

كما يقول المراقبون إن كثيرا من شعارات الإسلاميين التي يرفعونها لم تتحقق للمواطنين مطالبهم. وبهذه الطريقة لا يمكن لهذه الحركات التأثير في الحراك السياسي بغياب أي عمل سياسي ميداني مؤثر.

ويشير المراقبون أيضا إلى أن مشاركة الإسلاميين في السياسية بشكل متزايد أجبرهم على توضيح مواقفهم السياسية التي كانوا يخفونها دائما، مثل مشاركة الأقباط والمرأة وموقفهم من قيام دولة مدنية.

وأجرت حركات الإسلام السياسي محاولات لرأب الصدع بين أطرافها خلال عام 2010، منها الدعوة لمؤتمر تحت عنوان «الإسلام السياسي»، بالإضافة إلى محاولات تجنب الخلافات العميقة بين التيارات المتشددة، مثل الجماعات السلفية والجماعات الإسلامية من جانب، والتيارات التي تتهم عادة بأنها ذات مواقف ضبابية من السلطات، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، من جانب آخر.

ومنذ مطلع عام 2010، كانت هناك الكثير من الندوات واللقاءات التي تطرقت لإشكالية الإسلام السياسي، وقال الدكتور صلاح الدين الزين مدير مركز الجزيرة للدراسات في إحدى تلك الندوات التي دشنها مركزه مطلع العام، إن ظاهرة الإسلام السياسي ظلت تسجل حضورا بارزا ومتزايدا في الفكر والثقافة بالمنطقة العربية والإسلامية والعالم أجمع، وأنه على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة برزت الحركات الإسلامية وازداد تأثيرها في أغلب الأقطار العربية والإسلامية، وحتى بين الأقليات الإسلامية المنتشرة في الكثير من البلدان الغربية، إلا أنه على الرغم من الصعود المتنامي لظاهرة الإسلام السياسي، سواء على صعيد المعارضة الشعبية أو على صعيد الحكم، ظل هذا التيار موضع ارتياب وتوجس من طرف أغلب الحكومات في المنطقة والقوى الغربية.