مصر: شنودة يقرر رئاسة قداس عيد الميلاد يوم الخميس

إدارة أوقاف الإسكندرية تتخذ إجراءات حاسمة ضد الخطاب الديني المتطرف

TT

في حين قرر بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية البابا شنودة الثالث رئاسة قداس عيد الميلاد المجيد للأقباط الشرقيين المقرر له يوم الخميس المقبل قائلا إنه من المفترض أن يصلي البابا دائما في كل الظروف، أعلنت إدارة أوقاف الإسكندرية اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الخطاب الديني المتطرف بداية من يوم الجمعة المقبل، في وقت بدأ فيه البرلمان في إيفاد لجان للتحقيق في أسباب الفتنة الطائفية بعد حادث كنيسة القديسين الذي وقع قبل يومين وخلف أكثر من عشرين قتيلا وما يزيد على تسعين مصابا.

وأعلن البابا شنودة أمس أنه سيرأس مساء يوم الخميس المقبل قداس عيد الميلاد المجيد، وقال: «إن الأمور ستسير بشكل طبيعي». وذكر البابا شنودة في تصريح على هامش لقائه أمس بشيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ومفتى الجمهورية الدكتور علي جمعة ووزير الأوقاف الدكتور محمود حمدي زقزوق، أن منع الاحتفالات وصلاة العيد لن يحل المشكلات وسيسبب حرجا للكل. وأضاف البابا شنودة: «إننا نحيي ذكرى ميلاد المسيح، والأمر لا علاقة له بالمشكلات التي نواجهها.. والبابا من المفترض أن يصلي دائما في كل الظروف»، مضيفا أن «الحزن في القلب على أولادنا الراحلين، ونحمد الله على كل المصائب، واثقين أنهم في مكان أفضل، وأنهم يصلون لأجلنا، وأنهم ينعمون بآخرة طيبة قد لا يصل إليها الكثيرون».

وحتى مساء أمس خيمت صدمة الحادث على الأوساط المحلية والإقليمية والدولية.. وعلى الصعيد المحلي دفع الحادث الإدارة المحلية في البلاد لإعادة النظر في كثير من الإجراءات؛ بما فيها محاصرة الفكر المتطرف الذي يقوم به البعض في عدد من الزوايا الدينية التي لا تخضع لرقابة الإدارة المختصة.

وأثار اقتراح أصدره المجلس الشعبي المحلي بالإسكندرية في اجتماعه أمس بإغلاق الزوايا الصغيرة بالمحافظة في صلاة الجمعة المقبلة، ردود فعل متباينة. ففي حين وصفه البعض بأنه توجه سياسي ورضوخ للضغوط التي سببها الهجوم على كنيسة القديسين بالإسكندرية، قال آخرون إن هذا الإجراء يتفق مع توجه الدولة نحو نشر الفكر المعتدل والبعد عن التطرف أو استخدام خطباء غير مؤهلين.

وقال وكيل وزارة الأوقاف بالإسكندرية الشيخ محمد أبو حطب إنه سيتم تقنين أوضاع الزوايا بمختلف أحياء المحافظة ودراسة التوصيات التي تقدم بها المجلس الشعبي المحلى بالمحافظة أمس بشأن إمكانية عدم إقامة شعائر صلاة الجمعة المقبلة في الزوايا الصغيرة التي ليس لها حيز عمراني كبير.

وأوضح أبو حطب في تصريحات لوكالة الأنباء المصرية الرسمية إنه سيتم مد الزوايا التي تخدم حيزا عمرانيا كبيرا بالخطباء المؤهلين والعلماء المتميزين الحاصلين على تصريح من وزارة الأوقاف بممارسة العمل الدعوى، وذلك حرصا من الوزارة على نشر الفكر الديني المعتدل والمستنير في ضوء الكتاب والسنة.

وأضاف أن الهدف هو البعد عن أي غلو أو ما يثير البغضاء والدعوة إلى تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة، مشيرا إلى أنه من السنة أداء صلاة الجمعة في المساجد حرصا على تجمع أكبر عدد من المسلمين، نافيا أن يكون قد صدر قرار من وزير الأوقاف الدكتور محمود حمدي زقزوق بعدم إقامة صلاة الجمعة في كل زوايا محافظة الإسكندرية لما قد يسببه ذلك من بلبلة وأنه سيتم فقط التركيز في صلاة الجمعة المقبلة على الزوايا ذات الحيز العمراني الكبير.

وشدد الشيخ أبو حطب على سماحة أبناء شعب الإسكندرية بمسلميه ومسيحييه، نافيا وجود أي فتنة طائفية بالمحافظة، مؤكدا أن الوضع هادئ بالمحافظة.

وفي السياق نفسه، استنكر 60 من دعاة الأوقاف من حملة الماجستير والدكتوراه المشاركين في الدورة التثقيفية الراقية الثالثة عشرة بمعسكر أبى بكر الصديق بالإسكندرية «العملية الإجرامية» التي تعرضت لها كنيسة القديسين. وقالوا في بيان لهم إن مرتكبي هذا الحادث لا يمكن أن يمثلوا الإسلام الصحيح بما فيه من قيم نبيلة ترفض قتل النفس الإنسانية التي كرمها الله ولا يرضى بترويع الآمنين وإثارة الذعر في قلوبهم.

إلى ذلك، قام وفد من لجنة الصحة بمجلس الشورى (المجلس الثاني في البرلمان، وهو أول مجلس مصري يصدر تقارير وافية عن خطر الإرهاب منذ تسعينات القرن الماضي) بزيارة ميدانية لمستشفى شرق المدينة بالإسكندرية للاطمئنان على حالات المصابين في حادث التفجير الذي وقع ليلة الاحتفال بالسنة الجديدة أمام كنيسة القديسين. وضمت اللجنة كلا من رئيس لجنة الصحة بمجلس الشورى الدكتور صالح الشيمي، وعضو اللجنة الدكتور محمد تاج الدين، ورئيس لجنة الشباب والرياضة الدكتور نبيه العلقامي، ورئيس لجنة الزراعة بمجلس الشورى الدكتور حسين حجازي.

وأشاد رئيس اللجنة بدور القطاع الصحي في التعامل مع حالات المصابين في الحادث في ما يتعلق بسرعة نقل المصابين وتقديم الرعاية الصحية لهم، فضلا عن تحويلهم وفقا للتخصصات من خلال استخدام تقنيات الإسعاف الطائر التي استخدمت في نقل 4 من المصابين لمستشفيات وزارة الصحة بالقاهرة.

وأضاف الدكتور الشيمي قائلا إن هذا العمل الإرهابي أجنبي ولا يمت للمصريين بصلة، وأن مثل تلك الحوادث الغاشمة واردة الحدوث ويصعب تفاديها من جانب أجهزة الأمن، في إشارة إلى بعض الأحداث المثيلة التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأميركية. وأكد الشيمي على أهمية مثلث الدين والإعلام والتعليم باعتبارهم المحاور الرئيسية في تحقيق ونشر ثقافة التسامح داخل المجتمعات.

وخصص مجلس الشعب (المجلس الأول في البرلمان) لجنة مشتركة لبحث قضية حادث الكنيسة، حيث طالبت اللجنة بسرعة ضبط الجناة في الحادث. وتشكلت اللجنة المشتركة برئاسة المستشار انتصار نسيم من لجنة حقوق الإنسان والدفاع والصحة والشؤون الدينية، وطالبت أمس الحكومة بالعمل على سرعة ضبط الجناة من مرتكبي الحادث.

وأكدت اللجنة في توصيات أصدرتها عقب زيارة لموقع الحادث، ضرورة تقديم مرتكبي هذا الحادث، والمخططين له إلى محاكمة عاجلة بعد القبض عليهم لينالوا جزاءهم الرادع العادل مع سرعة كشف مختلف جوانب هذه الجريمة النكراء. كما طالبت اللجنة بحل القضايا العالقة كافة التي يستثمرها الإرهابيون لبث الفرقة بين المسيحيين والمسلمين، مع تعزيز وتطوير وتقوية الخطاب الديني سواء من الجانب المسلم والجانب المسيحي في شأن ترسيخ روح التسامح والمحبة بين المصريين جميعا.

ودعت اللجنة إلى تقوية دور المدارس والمعاهد والكليات والجامعات في تربية النشء على روح التسامح والإخاء والمحبة واحترام حرية العقيدة. كما أكدت على ضرورة تقوية وتطوير دور الإعلام بجميع صوره وأشكاله، خاصة الصحافة، في مقاومة التطرف والإرهاب والحث على احترام حقوق المواطنة وحرية كل مواطن في ممارسة شعائر دينه وتقبل الرأي الآخر وتقوية الوحدة الوطنية وترسيخها وإعلاء القيم والمبادئ السامية.

وحثت اللجنة المشتركة على تنظيم دورات تثقيفية لنشر ثقافة المواطنة والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات من دون التفرقة أو التمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، وأن الحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس، وذلك على النحو الذي كفله الدستور.

كان اجتماع اللجنة المشتركة الذي عقد في وقت سابق أمس شهد اعتراضات من بعض النواب، خاصة الذين كانوا يعملون بوزارة الداخلية سابقا، حول توصية اللجنة بشأن العمل على سرعة ضبط الجناة من مرتكبي الحادث والمخططين له لتقديمهم إلى محاكمة عاجلة. وقال هؤلاء النواب: «لا يجوز مطالبة الداخلية بسرعة القبض على مرتكبي الحادث تقديرا لدور الأجهزة في البحث والتحقيق وعدم التسرع في إلقاء القبض على المتهمين».

وأعرب أساتذة جامعة الإسكندرية عن إدانتهم التامة لأحداث ليلة أول الشهر الحالي، وعبروا عن حزنهم وصدمتهم من «الجريمة البشعة التي اقترفتها يد الغدر على أرض الإسكندرية والتي أسالت الدم المصري وروعت المصريين الآمنين وهزت ضمير الأمة».