«الشرق الأوسط» داخل كنيسة القديسين ومسجد «شرق المدينة» بالإسكندرية

استمرار طقوس العبادة فيهما مع خلو الشارع الفاصل بينهما من المارة

TT

خيم الحزن والغضب على كنيسة «القديسين مار مرقس والأنبا بطرس» بالإسكندرية، عقب الحادث الذي استهدف الكنيسة وراح ضحيته 24 قتيلا و80 جريحا حسب مصادر بالكنيسة. وداخل بهوها حاول سامي ميخائيل وهو مسيحي جاء من وسط المدينة للتضامن وتقديم العون أن يطلع «الشرق الأوسط» على ما قال إنه «حجم الدمار» الذي لحق بالكنيسة.

وأمام ستار قماشي نقش عليه صليب قال ميخائيل: «هذا مزود البقر (مجسم يصور المزود الذي ولد به المسيح ويعد طقسا مسيحيا للاحتفال بعيد الميلاد) قاموا بتغطيته لأن الميلاد تحول الليلة إلى موت».

أما المزود فقد كان موجودا بالفعل، حيث وضع إلى جوار مدخل الكنيسة لكنه تحطم جراء التدافع الذي أعقب الانفجار.

رغم كل شيء استمرت طقوس العبادة في الكنيسة أمس ومسجد «شرق المدينة» المواجه لها، مع خلو الشارع الفاصل بينهما من المارة. وفيما كان عدد من الشباب يصلي داخل قاعة الكنيسة التي خيم عليها الصمت والقلق، قطعت صرخات عادل توفيق استغراقهم. وظل توفيق الذي كان 6 من أبنائه داخل الكنيسة وقت الحادث يردد وهو يقطع الطريق نحو المذبح «نفذ وعدك يا يسوع واستلم.. كفانا كده.. مد يدك يا مار مرقس». لم يصب أي من أبناء توفيق، وهو صعيدي استقر في الإسكندرية منذ عام 1969، في الانفجار الذي هز الكنيسة. لكنه انخرط في موجة بكاء قائلا: «كلهم أولادي أبناء المعمودية كلهم أولادي.. حتى المسلمين اللي اتصابوا أولادي».

كان السؤال الذي أرق توفيق هو «ما الذي جرى؟»، قال لـ«الشرق الأوسط»: «كنا في نجع حمادي (مدينة بصعيد مصر) نأكل في طبق واحد مسيحي ومسلم.. ما الذي جرى». ورفعت رائحة الغاز المسيل للدموع حدة التوتر والتعليقات الغاضبة داخل الكنيسة التي غاب عنها الكهنة الذين خرجوا لتشييع جثامين القتلى. وفي الخارج حاول نحو 3 آلاف شاب مسيحي كسر الطوق الأمني الذي فرضته قوات مكافحة الشغب على الطرق المؤدية إلى الكنيسة، على طول شارع خليل حمادة بحي سيدي بشر شرق الإسكندرية.

وعلق ضابط من الأمن المركزي على رشق الشباب المسيحي عناصر مكافحة الشغب بالحجارة بقوله: «نحاول ضبط الأوضاع فقط، لم تمر ساعات على المأساة ونتفهم مشاعر الغضب».

وحرص الضابط الذي فضل عدم ذكر اسمه أن يترك عادل فايز ليعبر عن تضامنه على طريقته، حيث وقف بالقرب من تقاطع شارع جمال الناصر وشارع خليل حمادة وقد رفع لافتة كتب عليها «لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد بل خافوا بالأحرى ممن يهلك الروح والجسد معا.. دماؤكم وأجسادكم وأرواحكم غالية علينا وعند ربكم».

يرفض فايز اللجوء إلى العنف. قال لـ«الشرق الأوسط»: «التضامن لا يعني أن نرشق أشقاءنا بالحجارة. أطلعني ضابط على أسماء جرحى الحادث من عناصر الشرطة.. لكن علينا أن ننهي كل هذا بمواجهة الحقائق ومعرفة السبب الحقيقي خلف حالة الاحتقان الطائفي.. هناك أسباب ولا يكفي أن نعلق الأمر في رقاب أطراف بالخارج».

تجددت المواجهة صباح يوم أمس (الأحد) لكنها كانت هذه المرة داخل كنيسة القديسين نفسها، حيث انقسم عشرات المسيحيين الذين احتشدوا داخلها حول طبيعة ردود الفعل.

أصوات ارتفعت بشعارات طائفية سرعان ما وجدت من يقف أمامها، وإن اتفق الطرفان على تحميل المسؤولية للشحن الطائفي ضد الكنيسة في بعض وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة. لم تكن الشرطة المصرية بمعزل عن الانتقادات أيضا. وقال القس مثادس صبري وهو من كهنة كنيسة القديسين لـ«الشرق الأوسط» بنبرة لا تخلو من ضيق أنه لم ير إجراءات أمنية غير عادية ليلة الاحتفالات. يلتقط فوزي حنين خيط الرواية ويكمل: «قبل نحو شهر جاءت قوات الأمن المركزي وطوقت الكنيسة، قالوا وقتها إن هناك تهديدات بعمل إرهابي»، لكنه أشار إلى أن درجة الاستنفار الأمني تراجعت بعد ذلك أمام الكنيسة.

وفي مسجد «شرق المدينة» المواجه للكنيسة انشغل محمود حجازي وهو شاب مسلم بالتخلص من شظايا الزجاج التي تناثرت داخله جراء الانفجار وما تبعه من رد فعل غاضب لمسيحيين حاولوا اقتحام المسجد. وجاء حجازي من الطرف الآخر للمدينة مدفوعا بقناعته بأن واجبه «حماية المسجد» مع مئات غيره من الشباب المسلم.

كان الشارع الفاصل بين الكنيسة والمسجد قد خلا أمس من مظاهر الحياة الطبيعية وأغلقت قوات الشرطة مدخله. والاستثناء الوحيد كان لأحد مراكز الاتصالات الذي تملكه إيمان وهي سيدة مسلمة تسكن قرب الكنيسة. حضرت إيمان في صباح يوم أمس لكن جندي الحراسة منعها من العبور، ومع إصرارها اصطحبها ضابط إلى موقع مركز الاتصالات القريب من موقع الكنيسة. قالت «حضرت يوم أمس لكنهم منعوني من العبور فحاولت هذا الصباح».

تابعت: «سبحان الله.. ليلة الانفجار كانت أول ليلة أغلق فيها في العاشرة مساء.. ربنا هو الحافظ». تعرب إيمان التي قضت 27 عاما من حياتها بالأردن عن أسفها لما حدث، تضيف: «عدت منذ ثلاث سنوات فقط وتجمعني علاقات طيبة بجيراني المسيحيين.. اتصلت ببعضهم لمواساتهم.. واليوم اتصل بي عدد منهم لتحويل دقائق للموبايل (الجوال).. ساعة ويمروا علي».

لا أحد قادر على التكهن بما يمكن أن يحدث خلال الساعات المقبلة، رغم تفاؤل إيمان، وربما تنجح التعزيزات الأمنية في تأجيل صدام محتمل إلى حين.