متظاهرون مسيحيون بالمقر البابوي يعتدون على سيارات شيخ الأزهر ووزير الأوقاف ومفتي مصر

مظاهرات في مختلف المحافظات للتنديد بالحادث > شيخ الأزهر يطلق مشروع «بيت العائلة المصرية» لإزالة التوتر

TT

استمرارا لتداعيات الانفجار الذي وقع أمام كنيسة القديسين مار مرقس والأنبا بطرس، عشية أول أيام العام الميلادي الجديد، تعرضت سيارات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ووزير الأوقاف الدكتور محمود حمدي زقزوق والدكتور علي جمعة مفتي مصر لاعتداءات من جانب متظاهرين مسيحيين غاضبين لدى زيارتهم للكاتدرائية المرقسية بالعباسية (المقر البابوي) لتقديم العزاء للبابا شنودة الثالث بابا المسيحيين الأرثوذكس في ضحايا الانفجار الذي وقع أمام كنيسة القديسين مار مرقس والأنبا بطرس بالإسكندرية، عشية أول أيام العام الجديد.

وأسفر الانفجار عن مقتل 21 شخصا وإصابة 96، أغلبهم من المسيحيين، حسبما أعلن الدكتور عبد الرحمن شاهين المتحدث باسم وزارة الصحة أمس (الأحد)، إلا أنه أشار إلى أن هذه الأرقام ليست نهائية وأن وزارة الصحة ستقوم بالإعلان عن أي مستجدات تتأكد لديها عن أعداد القتلى والمصابين وأسمائهم.

وقال السفير محمد رفاعة الطهطاوي المتحدث الرسمي باسم الأزهر لـ«الشرق الأوسط»: «أثناء خروج الموكب من المقر البابوي حدث تدافع وتزاحم من بعض الشباب المسيحي الغاضب، وحاولوا الاعتداء على سيارات شيخ الأزهر ومفتي مصر ووزير الأوقاف، إلا أن ذلك لم يحدث، حيث تدخل رجال الأمن، وكل من كانوا داخلها في أفضل حال».

وأشار إلى أن لقاء الإمام الأكبر بالبابا شنودة كان هدفه بحث الأوضاع الأخيرة، كما أبدى الطرفان حرصهما على الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين في مصر، موضحا أن شيخ الأزهر سيزور البابا شنودة مرة ثانية نهاية الأسبوع الحالي لتقديم التهنئة بأعياد الميلاد التي تحتفل بها الكنيسة الأرثوذكسية في السابع من يناير (كانون الثاني) من كل عام، وفقا للتقويم الشرقي.

وعقد الدكتور أحمد الطيب مؤتمرا صحافيا بعد لقائه بالبابا، أعلن فيه إطلاق مشروع «بيت العائلة المصرية»، وهو لجنة من الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية تضم علماء الدين الإسلامي والمسيحي والعقلاء من الجانبين لتكون صوتا واحدا للأزهر والكنيسة وتركز على سماحة الإسلام والمسيحية وتعمل على إزالة أي أسباب مفتعلة للاحتقان والتوتر من الطرفين.

وقال الطيب «هذه اللجنة التي من المقرر بدء العمل بإجراءاتها التنفيذية خلال أسبوعين، ستناقش كل ما يتعلق بالمسلمين والمسيحيين وأي أسباب للتوتر، وتقترح الحلول المناسبة لها وترفعها إلى أولى الأمر للتعامل معها ووضع الحلول المناسبة لها».

وأكد أن هذه اللجنة ستزيل أي أسباب للاحتقان والتوتر التي يتلقفها المتربصون بمصر لإثارة الفتنة الطائفية الغريبة على المجتمع المصري منذ قديم الزمن، حيث لم تشهد مصر منذ زمن بعيد أية فتنة طائفية، مشيرا إلى أنه تم التشاور مع الكنيسة المصرية لإطلاق هذا المشروع، وأنه سيكون بمثابة صوت للأزهر والكنيسة وسيلتقي المختصين من الجانبين أسبوعيا لبحث أية قضايا تتعلق بالجانبين.

وانتقد شيخ الأزهر دعوة بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر بحماية المسيحيين في مصر، ووصفها بأنها تدخل غير مقبول في شؤون مصر، ورفض اقتراحا بأداء صلاة جماعية تضم المسلمين والمسيحيين يوم عيد الميلاد، قائلا: «نحن نريد مشاركة حقيقية تؤتي ثمارها ولا تكون وسيلة لإثارة الفتن من جديد».

من جهته، أصدر الدكتور أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم توجيهاته لمديري التعليم بالمحافظات بالتنبيه على المدارس بتخصيص حصص دراسية أمس (الأحد) لشرح وتوضيح ملابسات حادث الإسكندرية لجميع طلاب المدارس.

وأوضح بدر، في تصريح له أمس، أن الهدف من هذا الإجراء هو حماية الطلاب من الوقوع فريسة لتفسيرات خاطئة ومضللة، ولزيادة وعيهم بأن «هناك أيادي خارجية تتربص بأمن مصر واستقرارها»، موضحا أن هذه الحصص ستكون مستمرة خلال الأسبوع، معتبرا أن «وزارة التعليم عليها مسؤولية كبرى في مواجهة مثل هذه الأعمال الغادرة حفاظا على أمن الوطن واستقراره».

من جهة أخرى، نظم آلاف المصريين أمس والليلة قبل الماضية مظاهرات في محافظات القاهرة وحلوان والإسكندرية والمنيا للتنديد بالحادث. وسار المسلمون والمسيحيون جنبا إلى جنب وهم يرفعون شعارات تعكس الوحدة الوطنية.

وكانت أكبر تلك المظاهرات في حي شبرا بالقاهرة، الذي يقطنه عدد كبير من المسيحيين.

ولا يزال عدد كبير من المتظاهرين المسيحيين يحتشدون في الكاتدرائية المرقسية (المقر البابوي) مرددين هتافات طائفية غاضبة ومنددة بالحادث، وكلما حاولوا الخروج إلى الشارع للتظاهر منعهم رجال الأمن.

وشهدت الليلة قبل الماضية مصادمات طائفية بين المسلمين والمسيحيين في منطقتي سيدي بشر والمنتزه (شرق الإسكندرية) قرب مكان الانفجار، كما شهد دير مار مينا ببرج العرب (30 كيلومترا غرب الإسكندرية)، الذي أُقيم به قداس الجنازة على ضحايا الحادث، مظاهرات شارك فيها نحو 3 آلاف مسيحي رددوا هتافات غاضبة أثناء تشييع الجثامين، كما قذفوا محافظ الإسكندرية وثلاثة وزراء شاركوا في القداس بالحجارة، ورددوا هتافات بها سباب لهم، وطالبوا بإقالة المحافظ ومسؤولي الأمن بالإسكندرية.

من جانبه، أصدر المجلس الملي بالكنيسة بيانا اعتبر فيه أن حادث كنيسة القديسين جاء نتيجة ما سماه «الشحن الطائفي والافتراءات الكاذبة، وبعض الإعلام المغرض ضد الكنيسة ورموزها والذي يعد تصعيدا خطيرا للأحداث الطائفية الموجهة ضد الأقباط». وانتقد البيان «ضعف الإجراءات الأمنية وعدم توقيع الجزاء الرادع» في الأحداث السابقة مطالبا بالعمل على إزالة أسباب الاحتقان».

وفيما نظم المئات من المحامين أمس وقفة احتجاجية أمام نقابتهم بوسط القاهرة، تنظم الجامعات المصرية خلال الأيام المقبلة عددا من المسيرات السلمية التي يقودها رؤساء الجامعات وقياداتها من أعضاء هيئات التدريس والطلاب والاتحادات الطلابية، تعبيرا عن الاستياء والاستنكار للحادث.

وأكد الأنبا موسى أسقف الشباب بالكنيسة الأرثوذكسية، وأحد كبار معاوني البابا، أن هذا الحادث يمثل عملا إرهابيا وليس فتنة طائفية، وقال في تصريح له أمس إن هذا الحادث الإرهابي يجسد «خيانة مرتكبيه لأديانهم لأن كافة الأديان تنبذ العنف والإرهاب»، موضحا أن مرتكبي الحادث خضعوا لعمليات غسيل مخ جردتهم من المشاعر الإنسانية. ونصح الأنبا موسي الشباب المسيحي بأهمية الحكمة وعدم الانفعال.

ووجه د. محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف، الدعاة في مختلف المحافظات بأن يركزوا على دعوة المسلمين إلى المزيد من وحدة الصف والتآخي والتواد مع إخوانهم المسيحيين حتى يتجاوز المجتمع المصري هذه المحنة القاسية.

وطلب زقزوق من العقلاء والحكماء والقيادات الدينية الإسلامية والمسيحية حث المواطنين على ضبط النفس ورفض أي محاولات لإثارة الفتنة وهز استقرار ووحدة الوطن.