إيران تسعى إلى تغيير نظامها التعليمي خوفا من «حركات سياسية منحرفة»

في خطوة لمواجهة نفوذ الطبقة المتوسطة عبر مناهج التعليم العام

TT

تقوم إيران بإجراء تعديلات على منظومتها التعليمية بهدف التخلص من تأثيرات غربية، وتعد هذه المحاولة الأخيرة من جانب الحكومة نحو تعزيز القيم الإسلامية ومواجهة نفوذ الطبقة المتوسطة المتنامية والمتجهة إلى العلمانية داخل إيران.

وبدءا من شهر سبتمبر (أيلول)، سيحصل جميع الطلاب الإيرانيين داخل المدارس العليا على مناهج جديدة مثل «التدريب السياسي» و«مهارات معيشية» تحذر من «حركات سياسية منحرفة»، وتشجع الفتيات على الزواج في سن مبكرة، وذلك بحسب ما قاله مسؤولون في وزارة التعليم.

وداخل الجامعات ستجري تغيرات جذرية في مناهج القانون وعلم النفس وعلم الاجتماع ومواد أخرى، وسيقوم مسؤولون من وزارة العلوم، وهي المسؤولة عن التعليم العالي، بالعمل على إزالة ما يصفونه بنظريات غربية، واستبدال نظريات إسلامية بها. وقد أحيل عشرات من الأساتذة الجامعيين إلى التقاعد أو تمت إقالتهم بسبب عدم دعمهم للسياسة الجديدة بالقدر الكافي.

وتهدف هذه التغيرات إلى مواجهة النفوذ المتنامي لطبقة متوسطة تعتنق بصورة مطردة فكرة الفردية، ولديها تطلعات عصرية. وترى قيادات داخل إيران أن فساد النظام التعليمي داخل الدولة، صاغه رجال دين ومنظرون خلال الأعوام الأولى من الثورة الإسلامية التي كانت عام 1979، وذلك يرجع بصورة جزئية إلى انتشار هذه الأفكار «الغربية».

ويخشى الكثير من الطلاب والأساتذة والآباء من أن هذه المخططات ستقوض من المعايير التعليمية التقليدية الراقية داخل إيران، ويقولون إن الأعوام الثلاثة التي جرت فيها عمليات تطهير تعليمية وفي المناهج عقب الثورة تسببت في إعاقة التطور الفكري للشباب الإيرانيين.

وظهرت مخططات تعديل النظام التعليمي عقب تغيرات كبيرة في المنظومة السياسية الإيرانية خلال الأعوام الأخيرة. وتم التخلص من الكثير من الشخصيات الثورية البارزة، فيما جرى توسيع سلطات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ومجموعة من رجال الدين البارزين وقيادات الحرس الثوري على نطاق واسع منذ أن ظهر أحمدي نجاد على الساحة السياسية عام 2003 كعمدة داخل طهران. وتتخيل هذه المجموعة أن الجمهورية الإيرانية تتبوأ مكانها بين الأمم الأقوى في العالم، وكذلك الشعب الإيراني، كنماذج يحتذى بها تناضل من أجل الوصول إلى نموذج أمثل، مع التحلي بالإيمان والمنطق والعدل. وتجعلهم هذه الأفكار في مقابل أعداد كبيرة من الإيرانيين المتحضرين والمتجهين إلى العلمانية ممن شاركوا في احتجاجات عقب الانتخابات الرئاسية المتنازع على نتائجها عام 2009، والتي فاز فيها أحمدي نجاد.

ويقوم الرئيس وأنصاره بإجراء عملية إعادة هيكلة كبرى داخل الاقتصاد، ورفعوا أسعار الوقود والطاقة والخبز وغيرها من المنتجات، بينما قاموا بتقليل الدعم الحكومي. ويقول مسؤولون إن هذه الخطوة ستساعد الفقراء، ولكن يرى محامون وممرضات وسائقو سيارات أجرة يعملون ليلا ونهارا، وآخرون ممن يمثلون الطبقة المتوسطة العريضة داخل إيران، أن هذه الإجراءات تثقل كاهلهم.

وتأتي إعادة صياغة المنظومة التعليمية، بدءا من المدارس الابتدائية وصولا إلى الجامعات، كخطوة تالية بقائمة مجلس الوزراء. وتسعى خطة وزارة التعليم، التي تأتي تحت عنوان «برنامج إجراء ثورة جذرية في التعليم والتدريب»، إلى جعل المدارس «قاعدة ثقافية داخل المناطق» يقوم المدرسون داخلها بتقديم إرشادات «حياتية»، ويساعدهم في ذلك رجال دين مختارون، وأعضاء من قوة الباسيج شبه العسكرية.

وقال وزير التعليم حميد رضا حاجي بابائي في مايو (أيار): «سيكون هناك تدريب رسمي وتنشئة ثقافية ميدانية وتركيز على الرياضة وقراءة الكتب والقرآن».

وستقدم الوزارة أيضا مناهج جديدة معدة بهدف مساعدة الطلاب في المرحلة العمرية من 12 إلى 17 عاما على اكتساب مهارات تحليل سياسي، ومنع «اصطيادهم من جانب جماعات منحرفة ومؤامرات عدائية أو الوقوع في أسر قنوات فضائية والإنترنت»، وذلك بحسب ما ورد في وثيقة داخل الوزارة وزعت في سبتمبر (أيلول) من جانب وكالة الأنباء «إيلنا» الإيرانية شبه الرسمية.

وسيحصل طلاب المدارس داخل إيران على كتب جديدة توضح لهم أن الزواج في سن مبكرة يحمي النساء من مشكلات اجتماعية.

«تظهر مشكلات اجتماعية في الوقت الحالي لأن العائلات تتشكل في وقت متأخر من الحياة»، هذا ما قال حاجي بابائي في نوفمبر (تشرين الثاني) بحسب ما نقله موقع «أفتاب» الإخباري الذي يوجه انتقادات للحكومة.

ويعتمد النظام السياسي داخل إيران، الذي يجمع بين قواعد دينية وانتخابات مباشرة، على مبادئ إسلامية ويدعو إلى انتشال الفقراء من الفقر.

وتقدم الدولة نماذج مجتمعية يمثلها رجال دين وشهداء ثوريون. وفي كلمة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، حث أحمدي نجاد الإيرانيين على تقليد الإمام الثاني عشر، الذي يعتقد الشيعة أنه لم يمت وأنه «احتجب» بقدرة الله. وقال أحمدي نجاد: «من الضروري أن يكون المرء كاملا كي يتعرف على الله»، وكان واضحا أنه يحدد مسار التعديل التعليمي داخل إيران.

ويقول مسؤولون إن التعديلات المقترحة تعمل على دفع الطلاب إلى هذا الاتجاه. وقال مجتبى سمارة هاشمي، وهو مساعد بارز للرئيس الإيراني، خلال مقابلة أجريت معه في نوفمبر (تشرين الثاني): «سيكون هناك تركيز واهتمام أكبر بالأخلاق الإنسانية. كما نحتاج إلى التركيز على القيم الإنسانية مثل الأمانة والطهارة والصدق».

ولكن يقول الكثير من رجال التعليم إن هذه المخططات مضللة. ويقول صادق زيباك علام، أستاذ العلوم السياسية داخل جامعة طهران، وأحد منتقدي الحكومة الإيرانية: «لن تثمر هذه الهندسة الثقافية. يعتقدون أنه يمكنهم تربية الأطفال داخل المدارس كي يتسموا بالكمال، ولكنهم ينسون العشرات من العوامل الأخرى، مثل الآباء والأصدقاء والأقمار الصناعية والإنترنت، التي تقوم بتشكيل أفكارهم».

وتجري تغييرات كبيرة بالفعل على مستوى الجامعات. وقامت وزارة العلوم بإقالة الكثير من الأساتذة خلال العام الماضي، وسيطرت على عمليات التعيين بمناصب التدريس داخل الجامعة. وهناك علاقة بين الكثير من الأساتذة المفصولين وفصائل سياسية تعرضت للاضطهاد.

وفي الوقت نفسه، عبر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي علنا عن تذمره من مناهج مثل القانون غير الإسلامي وعلم النفس وعلم الاجتماع، التي توصف بأنها علوم إنسانية داخل إيران. ووصف المناهج بأنها «سامة في جوهرها»، وانتقد اعتمادها بالأساس على نظريات غربية.

وقال خامنئي خلال اجتماع عقد في أغسطس (آب) مع أساتذة جامعيين: «من غير المقبول تعليم شبابنا ما قاله أو كتب غربيون، وهي أقوال في الواقع تطرح شكوكا وعدم إيمان بقيم ومبادئ إسلامية مقدسة». ويأخذ أكثر من مليوني طالب هذه المناهج داخل إيران. ومن غير الواضح حتى الآن كيف ستقوم السلطات بـ«أسلمة» محتواها.

ويقول علي أصغر هاراندي، وهو طالب يدرس الفلسفة داخل جامعة طهران ويدعم الحكومة ولكن لا يوافق على التعديلات التعليمية: «هذه المناهج بها آراء مفكرون من مختلف أنحاء العالم. ولا يمكن تغيير العلم».

ويقول زيباك علام، أستاذ العلوم السياسية، إن الثورة أظهرت صعوبة صياغة تفكير المواطنين، حيث انضم إلى الانتفاضة مئات الآلاف من الطلاب الذين كرسوا أنفسهم على مدار أعوام لبرامج تعليم متأثرة بالغرب خلال حقبة الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان مدعوما من الغرب، ولكن ساعدوا على الإطاحة به.

ويقول زيباك علام: «لا يقف ما نعلمه للطلبة وراء دعمهم أو رفضهم لشخص ما. ولكن تحكم تصرفاتهم الطريقة التي يتعامل بها معهم من هم في السلطة».

* خدمة «واشنطن بوست»

** أسهم في التقرير المراسل الخاص كاي أرمين سيرجوي