السعوديون يوثقون تراثهم عبر استكشاف مكنونات 3 آلاف مخطوط نادر

الأمير سلمان يفتح نافذة على تاريخ بلاده المكتوب

TT

بهدف توثيق التاريخ السعودي، والعناية بالتاريخ، انطلق مساء أول من أمس معرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط، الذي افتتحه الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، التي تنظم المعرض، ويستمر قرابة الشهر ونصف الشهر.

واسترجع الدكتور فهد السماري، الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز، في كلمة له خلال الحفل، تاريخ الدرعية عاصمة الدولة في عهد الدولة السعودية الأولى، التي شهدت حركة في نسخ الكتب والرسائل العلمية وتدويرها، وأشار السماري إلى دور الدولة السعودية الثانية، وهي التي واصلت مسيرة العلم، وبعد أن خفتت منابع العلم وقلّ الطلاب وكسدت حركة التأليف، إلى أن أتى الملك المؤسس عبد العزيز ليواصل مسيرة العلم والمعرفة.

وعرج السماري إلى الحراك الذي قامت به الدارة لإنقاذ المخطوطات، مثمنا لأمير منطقة الرياض حث المواطنين والأسر على إيداع الوثائق والمخطوطات في الدارة. وأضاف السماري أن الفتوى التي صدرت من اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث وأجازت نقل المكتبات الخاصة إلى الدارة ليستمر نفعها، ساهمت في زيادة الحراك لدى تلك الأسر في أنحاء البلاد، إضافة إلى المؤسسات التي تفاعلت إيجابا مع تلك الفتوى.

وثمن السماري دور شركة «أرامكو» السعودية وتعاونها في رعاية النشاط العلمي ضمن أدوارها الاجتماعية بصفتها ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى مشاريع علمية واعدة، من أهمها مشروع توثيق الزيت في السعودية.

وأضاف السماري أنه لم يكن لدى الدارة سوى 23 مخطوطا، وبعد الإعلان عن هذا المعرض وفعالياته قدمت الجهات والأفراد ما يزيد على 3000 مخطوط، فيما شكر السماري في نهاية الكلمة أصحاب المكتبات والمجموعات المشاركة الذين بادروا بالإسهام في المعرض، وهي: مكتبة دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، ومكتبة محمد بن عبد المحسن الخيال، ومكتبة عبد العزيز بن صالح آل مرشد، ومكتبة علي بن حمد الصالحي، ومكتبة إبراهيم بن صالح آل الشيخ، ومكتبة عبد المحسن بن عثمان أبا بطين، ومكتبة فهد المغيصيب، ومكتبة عبد العزيز بن عبد الرحمن العجلان، ومكتبة عبد المحسن بن محمد الزامل، ومجموعة عبد الرحمن بن محمد الفارس، ومجموعة المؤرخ عثمان بن بشر، ومجموعة الدكتورة سلوى بنت محمد البهكلي، ومجموعة سعد بن محمد بن ضرمان، ومجموعة بدر بن محمد العوين، وكل من: مكتبة فؤاد حمزة، ومكتبة عمر بن محمد بهاء الدين الأميري.

ومن الجهات التي دعمت دارة الملك عبد العزيز في هذا المشروع، مجموعة مزهر بن محمد بشر، ومجموعة محمد علي الصبي الغيهب، ومجموعة سعد بن محمد بن ضرمان، ومجموعة عبد الله بن عمر بلخير، ومجموعة عبد العزيز العمير، ومجموعة الدكتورة سلوى محمد البهكلي.

وشهد الحفل حضور الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي عام المملكة العربية السعودية، الذي عبر خلال كلمة عن تفاخر الأمة الإسلامية بالتراث العلمي العظيم الذي تركه أسلافنا من الأئمة والعلماء، المتمثل في المخطوطات النفيسة في مختلف العلوم الشرعية من تفسير وحديث، وعقيدة، وفقه، وأصول، واللغة العربية، وغيرها.

وأشار المفتي إلى تميز عصر الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن جاء بعده من أئمة الدعوة بالمشاركة القوية في خدمة الشريعة والعلوم الشرعية، وبخاصة جانب العقيدة، والدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك والبدع، والخرافات، كما كان لهم نشاط قوي في جانب الأحكام الفقهية والحلال والحرام وغيرها من العلوم.

وأضاف آل الشيخ أن كثيرا من المخطوطات العلمية النفيسة التي تركوها، بقيت عند ورثة هؤلاء العلماء أو في مكتبات بعض المشايخ وطلبة العلم، وقد ضاع أو تلف بعضها خلال الحوادث، وما بقي تأثر بسبب الرطوبة أو الأرضة، وبسبب الإهمال وضعف العناية بها.

وأشار مفتي عام المملكة إلى أن المخطوطات ظلت حبيس الأدراج لدى الكثير من الأسر دون الاستفادة منها من قبل الباحثين وطلبة العلم، وقال «من هنا وجدت حاجة ماسة إلى جمع تلك المخطوطات، وحفظها في مكان واحد، والعناية بها، كما عنيت بها دارة الملك عبد العزيز بسعي لشرائها والبحث عنها ورصد أماكن وجودها، وحفظها في أماكن خاصة».

وثمن آل الشيخ دور الدارة، وذلك بطرق معالجتها بالمواد المحافظة الخاصة بالمخطوطات، ومن ثم تقديمها للباحثين والباحثات والمهتمين لتكون عونا لهم في البحوث والدراسات الأكاديمية، وقال إن «دارة الملك عبد العزيز وُفقت في جمع عدد كبير من هذه المخطوطات والنفائس، وها هي اليوم تقيم هذا المعرض الكبير عن تراث المملكة العربية السعودية المخطوط، الذي يحوي ما أنتجه الأئمة والعلماء الأفذاذ». وعرج آل الشيخ، خلال كلمته، إلى ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء من جواز نقل تلك المخطوطات إلى الدارة إذا كان عليها وقف من قبل أصحابها، معللا ذلك بأن ذلك أحفظ وأنفع للوقف، وتعم الفائدة منه لأكبر قدر من المستفيدين.

وقدر آل الشيخ جهود الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، الذي كان له الدعم القوي والمتواصل للدارة، سواء أكان هذا الدعم معنويا أو ماديا، مما جعل للدارة دور مهم وريادي في العناية بالمخطوطات، واقتنائها، وحفظها وترميمها.

وبارك في نهاية كلمته الجهود التي تقوم بها الدارة لخدمة التراث العلمي الغالي الذي لو أهمل وترك لتعرض للضياع والتلف، ولحرم منه طلبة العلم والباحثون، فصونه من الضياع والحفاظ عليه من أعمال البر التي يؤجر عليها الإنسان.

وألقى المهندس، علي النعيمي، وزير البترول والثروة المعدنية، رئيس مجلس إدارة «أرامكو» السعودية كلمة قال فيها، إن التراث والثروة الثقافية والعلمية والفكرية، تعمل الشعوب على المحافظة عليهما بطرق متعددة، لأنهما مصدر مهم لإثرائها الثقافي والفكري، فعملت المملكة على توثيق هذا التراث الوطني، لإبراز المراحل التاريخية التي مرت بها الجزيرة العربية عامة والبلاد خاصة، خصوصا أن لها تراثا زاخرا بالأحداث والتحولات التاريخية الكبيرة يتوجب حفظه والاعتناء به، فهو يمثل ثروة وطنية مهمة تسهم في دعم البحث العلمي، والمحافظة على الإرث الفكري السعودي، وتنمية الشعور بالوحدة الوطنية من أجل مزيد من الاستقرار والرقي والنماء.

وأضاف النعيمي أن هذا المعرض الذي يأتي بمشاركة أكثر من 56 مؤسسة حكومية وخيرية، ومكتبات خاصة، له أهمية متميزة، حيث يسلط الضوء على جوانب مهمة من تاريخ المملكة، مستشعرا في ذات الوقت أهمية الشركات التابعة لوزارة البترول والثروة المعدنية، ومن ضمنها شركة «أرامكو» السعودية، ومسؤوليتها الكبيرة في دعم مختلف الأنشطة التي تهم المجتمع السعودي، وتلاحمه ورقيه.

وأكد وزير البترول السعودي أن شركة «أرامكو» منذ أن شرفت بالعمل في البلاد قامت بجهود عدد من موظفيها بالبحث عن الآثار في مناطق عملها، بما في ذلك الرصد والمتابعة والمحافظة عليها، وتسليمها للجهات المختصة في البلاد، كالمتحف الإقليمي بالمنطقة الشرقية، والهيئة العامة للسياحة والآثار.

وتطرق النعيمي إلى جهود شركة «أرامكو» في استكشاف الكثير من الآثار وتوثيق ملاحظاتها ودراساتها عبر المئات من الصور الفوتوغرافية، التي تدون مظاهر الحياة قبيل مرحلة اكتشاف البترول، والتي حققت نجاحا في التنقيب عن آثار مهمة يعود تاريخها إلى منتصف القرن الماضي، كما أن مقبرة جاوان في المنطقة الشرقية التي يعود تاريخها إلى قبل ألفي عام التي اكتشفها الباحث ريك فيدلب الذي كان يعمل في الشركة آنذاك، والذي قام أيضا بدراسة واحة الأحساء التي تعد مرجعا تاريخا مهما يوثق أنماط الحياة الاجتماعية خلال الفترة الماضية.

واستعرض الوزير النعيمي عددا من أنشطة المسؤولية الاجتماعية التي تقدمها شركة «أرامكو» ومن أهمها دعم الأنشطة الثقافية والتراثية المختلفة والمساهمة فيها، مثل المهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية، الذي يعد الأبرز من نوعه في المنطقة، ولدى «أرامكو» السعودية معرض دائم في المهرجان منذ عدة سنوات، وتعمل وزارته حاليا على إنشاء بيت الطاقة والتعدين بمؤسساته المختلفة في التنمية الشاملة للمملكة، إضافة إلى دعم الشركة لمهرجان سوق عكاظ.

وتحدث النعيمي عن مشروع مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، الذي يجري العمل على إنشائه حاليا بمدينة الظهران (شرق البلاد)، في ذات الموقع الذي تم اكتشاف البترول فيه لأول مرة بكميات تجارية، وليكون معلما حضاريا مميزا، وذلك لإثراء المعرفة والثقافة وإطلاق الإبداع، وتعزيز التواصل بين الحضارات، وتشجيع العمل التطوعي، مشيرا في ذات الوقت إلى الاستفادة من المرافق والتقنيات التعليمية والثقافية التي سيضمها المركز، الذي من المقرر استكمال بنائه بعد عامين، والذي سيضم مكتبة عامة بمواصفات القرن الحادي والعشرين، وقسما لتوثيق وعرض تاريخ الشركة، ومتحفا للفنون المعاصرة والحضارة الإسلامية، والتاريخ الطبيعي للجزيرة العربية، وقاعة للمؤتمرات والمعارض العالمية، وقسما لتثقيف الأطفال، ومركزا شبابيا للابتكار وللتعلم مدى الحياة.

إلى ذلك، شهد الحفل تقديم وثيقة «عثمان البشر» بعد استكمالها والتحقق من وجودها، التي تم التوقف في البحث عنها في وقت سابق، وعلق الدكتور فهد السماري، أمين عام دارة الملك عبد العزيز على هذا الإنجاز بقوله: «إن الأسرة تقدمت بتلك الوثيقة، بعد أن قامت الدارة باستكمال كافة إجراءات التحقيق، وتلك الوثيقة هي من أبرز الوثائق في تاريخ البلاد، وإن الدارة استكملت التحقق من مصدرها».

وقدم الدكتور فهد السماري الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز النسخة الأولى من كتاب «نوادر المخطوطات السعودية» الذي طبعته الدارة باللغتين العربية والإنجليزية إلى الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، إيذانا بتدشينه، والذي يضم فهرسة لأكثر من 3 آلاف مخطوطة مصنفة في الدارة.

وعلق الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، على معرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط، بأن الهيئة معنية بشكل كبير بذلك، وهناك الكثير من المخطوطات التي شاهدناها اليوم أتت من حرص الهيئة على التراث العمراني الذي توليه الأهمية القصوى، وقال «إن إحدى صلاحياتها الأساسية الاهتمام بالتراث العمراني، والترميم، والمحافظة عليه، وإن بعض البيوت القديمة وجد فيها الكثير من المخطوطات والوثائق، وإن هناك تعاونا مثمرا مع دارة الملك عبد العزيز والهيئة العامة للسياحة في جميع المواقع التي نجد فيها وثائق».

وكشف رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار لـ«الشرق الأوسط» عن مشروع تطوير قصور البلاد، بما فيها قصر الملك عبد العزيز، وبعض المواقع الثقافية، ويحتوي صورا للمخطوطات والوثائق، والمواقع التي شهدت توحيد البلاد.