مسؤول بعثي عراقي: القيادة الشرعية وبعض البعثيين أرادوا التخلص من صدام

محمد الدليمي يكشف لـ«الشرق الأوسط» عن أخطاء قانونية «قاتلة» في محاكمة الرئيس الأسبق

عنصر أمن عراقي يفتش سيارة عند حاجز تفتيش متحرك في بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

كشف محمد الدليمي، الناطق باسم سرايا البعث، أحد التنظيمات البعثية العراقية، والمقرب من جناح محمد يونس الأحمد، عن بعض ما وصله مؤخرا من وثائق المحكمة الجنائية العراقية، تثبت وجود أخطاء قانونية قاتلة في قضية محاكمة الرئيس الأسبق صدام حسين.

وقال الدليمي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القيادة الشرعية تتحمل المسؤولية عن تلك الأخطاء لأنها أخطأت في اختيار هيئة الدفاع عن رئيس الدولة وقائد الحزب، كما يتحملها أيضا البعثيون الذين لم يمتلكوا الشجاعة للقيام بواجب الدفاع عن ولي نعمتهم وقائد حزبهم وكأن الجميع أراد هذه النهاية لصدام حسين للتخلص منه». وعن سبب التأخر في إثارة هذا الموضوع أوضح الدليمي أن الوثائق وصلت مؤخرا، حيث حصل على قرص مدمج يحتوي على ستة عشر ألف وثيقة تتعلق بحيثيات محاكمة الرئيس صدام حسين ورفاقه وفيها الكثير من المعلومات التي لم يسبق وأن نشرت في الإعلام، كما أن مناسبة إثارتها الآن تأتي مع الذكرى الرابعة لتنفيذ حكم الإعدام بالرئيس صدام حسين. وقام الدليمي بمقاطعة بعض الوثائق التي حصل عليها مع ما ورد في كتاب المحامي خليل الدليمي في كتابه (صدام حسين في الزنزانة الأميركية)، ويقول الدليمي إذا كان صحيحا ما ورد في الكتاب عن «تدخل القيادة الشرعية الموجودة خارج المعتقل وطلبها ترشيح ثلاثة محامين وفق شروط ومواصفات دقيقة ومحسوبة وأهمها أن يكون شجاعا ونزيها فرشحنا ثلاثة محامين ووقع الاختيار على خليل الدليمي ليكون المحامي الأول بالإضافة إلى رئاسته للهيئة العراقية»، فإن القيادة الشرعية للحزب «تتحمل المسؤولية الأخلاقية والتاريخية لأنها فشلت في إعداد دفاع قانوني وعليها أن تقدم تفسيرا منطقيا رسميا لهذا الفشل إذا أرادت التخلص من هذه المسؤولية». وأشار الناطق باسم سرايا البعث إلى وقوع المحامي خليل الدليمي في «تناقضات كثيرة وأخطاء إن دلت على شيء فإنها تؤكد أنه عديم الخبرة في الجانب القانوني» وتوقف عند ما ورد في الصفحة 52 وقوله: «في اليوم التالي ذهبت كالعادة إلى محكمة الرمادي واجتمعت هناك بالزملاء واقترحت عليهم تشكيل هيئة للدفاع عن الرئيس بشكل تطوعي بدءا بنفسي»، مما يعني أن الاجتماع تم يوم 14/12/2003 لأن صدام اعتقل قبل ذلك بيوم واحد بينما الوثيقة رقم 9303 من وثائق المحكمة الجنائية العراقية العليا تشير إلى أن نقابة المحامين أرسلت الوكالات عن 11 محاميا عن صدام حسين إلى قضاة التحقيق في المحكمة بموجب الكتاب 15749 في 8/9/2004 كما ورد في الفقرة 6 منه وتسلسل الدليمي فيها الثاني وطلبت محكمة التحقيق من النقابة تزويدها بصلاحيات المحامين المذكورين بالكتاب المرقم 14 في 19/9/2004، أي إنه من تاريخ اعتقال صدام حسين في 13/12/2003 حتى سبتمبر (أيلول) 2004 لم تكن المحكمة قد تحققت من الصلاحيات كما أن الأسماء تضمنت محامية واحدة وليس ثلاث محاميات.

وفي الصفحة 53 يقول الكاتب: «إن عدد المحامين أصبح 90 محاميا دون أن يبين الأسباب التي أدت إلى تقلص العدد إلى 11 عند تقديم الوكالات». ثم تقلص العدد إلى 3 كما ورد في وثيقة المحكمة الخاصة بأسماء محامي الدفاع و«لم يرد اسم المحاميين خميس العبيدي ومجيد السعدون كوكيلين عن صدام حسين». ويستغرب محمد الدليمي أن يتم «انتخاب الأول نائبا للهيئة والثاني ناطقا باسمها وهما لا يحملان الوكالة من صدام»! وتحدى محمد الدليمي المحامي خليل الدليمي والقيادة الشرعية التي اختارته «أن يبرز10 قضايا جنائية ترافع فيها قبل توكله عن صدام حسين في الجنح والجنايات بعد أن يقدم تاريخ انتمائه إلى نقابة المحامين». ويرسم محمد الدليمي إشارتي تعجب واستفهام حول «أنه عند بدء جلسات قضية الدجيل اقتصر على المحاميين خليل الدليمي وخميس العبيدي من العراقيين دون أن يقدم الدليمي تفسيرا لتبخر الـ90 محاميا ثم بعد عدة جلسات أضيف إليهما محام عراقي آخر». ويتساءل المسؤول البعثي محمد الدليمي: «أين أصبح أعضاء المؤتمر المزعوم في نقابة المحامين في بغداد الذي انتخبه رئيسا له؟ ثم ما سبب النداء الذي نشر على المواقع يوم 11/8/2006 إلى المحامين العراقيين الراغبين في التطوع في قضية الأنفال»، معتبرا هذا «فشلا للقيادة الشرعية في تشكيل هيئة دفاع من محامين من ذوي الخبرة والكفاءة من الرفاق وغيرهم من الذين حصلوا على الشهادات العليا والوظائف القيادية بسبب انتمائهم للحزب وبأموال الدولة وتنصلوا من القائد الذي أوصلهم إلى هذه المناصب والشهادات في اللحظات الحرجة»، مضيفا: «إذا تنصل الرفاق عن هذه المهمة فهل حاسبتهم القيادة الشرعية؟! ولماذا لم تسأل القيادة الشرعية المحامي الدليمي وهي تراقب حتما جلسات المحاكمة عن أسباب عدم حضور (عشر) التسعين الذين تطوعوا كما يزعم المحامي الدليمي».

ويتوقف المسؤول البعثي عند ما ورد في الصفحة 57 قول المحامي خليل الدليمي في شهر مايو (أيار) من عام 2004 اتصل بالمحامي الأردني زياد الخصاونة لتنسيق عمل الهيئتين العراقية والعربية وبين محمد الدليمي إلى أنه في «هذا التاريخ لم تكن محكمة التحقيق قد صادقت على الوكالات» وأنه في الصفحة 67 يذكر أن نقيب المحامين اتصل به بتاريخ 26/11/2004 وهمس له بأن لديه مقابلة مع الرئيس صدام حسين يوم 8/12/2004 وهذا يعني أن أيا من المحامين العراقيين لم يكن قد حصل على الوكالة القانونية موقعة من صدام حسين ومصدقة من المحكمة قبل 26/11/2004 وبالتالي لم تكن لهم أي صفة قانونية.

كما أورد خليل الدليمي في الصفحة 61 من كتابه: «ومما يثير الغرابة والسخرية في أن أحد المستشارين القانونيين للاستخبارات المركزية الأميركية قد غير وظيفته من منسق للأمين العام إلى مستشار قانوني لهيئة المحكمة الأميركية – الإيرانية... وكان يدفع بكل السبل باتجاه إعدام الرئيس الأسير»، بينما في مذكرته المؤرخة الموجهة إلى المحكمة في 17/7/2006 يصفه بـ(الذي لا نعرف حتى مؤهلاته والذي هو مجرد موظف استشاري بعقد). ويعقب محمد الدليمي على هذا بالقول: «لا ندري كيف اكتشف أن هذا الشخص من المخابرات المركزية الأميركية.. يبدو أن خليل الدليمي لم يقرأ اللائحة النهائية المحفوظة في ملف الدعوى التي قدمها هذا المستشار والتي طالب فيها المحكمة بالامتناع عن الحكم بالإعدام ولو بطريقة خبيثة» واتهم محمد الدليمي المحامي خليل الدليمي بارتكاب ما سماه «أخطاء قانونية خطيرة»، منها «عدم إعداده خطة معدة للدفاع والمناورة القانونية في مرحلة التحقيق» وقد استطاع قاضي التحقيق رائد جوحي الاستفادة من هذا الضعف «بانتزاع اعتراف من صدام حسين بأن ما جرى لأهالي الدجيل كان بأمر منه، حيث جاء في الصفحتين 2 و3 من محضر التحقيق وبسؤال من قاضي التحقيق (س: جاء بأقوال المتهم بارزان إبراهيم الحسن الذي كان يشغل منصب رئيس جهاز المخابرات في تلك الفترة أنه بعد الحادث مباشرة زارك في موقع الرضوانية وأنت طلبت إليه الانتقال إلى الدجيل لغرض إجراء التحقيق في الموضوع؟).

ج: ما جاء بأقوال المتهم بارزان لا أتذكره بالتحديد ولكن إذا قال بارزان إني طلبت إليه الذهاب إلى الدجيل بعد الحادث وإجراء التحقيق أو الاستطلاع فهو صادق) وفي الصفحة 5 (س: جاء بأقوال المتهم طه ياسين رمضان أنك اتصلت به هاتفيا وطلبت إليه اللقاء بالأجهزة الأمنية المسؤولة عن التحقيق في اليوم التالي للحادث والاطلاع على مجريات العمل وتقديم النصح والمشورة لهم بأمور التحقيق في المدينة؟ ج: «إذا كان طه ياسين رمضان قد قال ذلك فهو صادق». ويقول المسؤول البعثي إن صدام بهذه الإجابة «لم يتخل عن رفاقه ولم يرد تكذيبهم وحمل نفسه المسؤولية»، معتبرا أن السؤالين من جوحي كانا «مناورة لم يفطن إليها خليل الدليمي ولو كان حاذقا لتدخل وطلب من موكله عدم الإجابة، خاصة أنه لا يعرف هل قال بارزان وطه ذلك أم لا» ومع ذلك اعتبرت المحكمة الإجابتين بمثابة الاعتراف وأعلنت عن ذلك في وسائل الإعلام وكان يمكن تفادي ذلك لو التزم صدام حسين الصمت كحق قانوني له. والخطأ الثاني أن المحامي خليل الدليمي «لم يقدم طعنا بقرار إحالة صدام حسين من محكمة التحقيق إلى محكمة الجنايات والمؤرخ 17/7/2006 وادعى الدليمي في تصريح نشر على شبكة البصرة يوم 4/9/2005 ردا على قرار المحكمة الجنائية تحديد يوم 19/10/2005 موعدا لمحاكمة صدام حسين، مدعيا أن هيئة الدفاع لم تبلغ بقرار الإحالة، بينما وثائق المحكمة تشير إلى أن المحامي خميس العبيدي بلغ بالقرار»، كما قام خليل الدليمي بتمييز قرار الإحالة.