الوثائق البريطانية: مصر تتقدم بمقترحات موازية لكامب ديفيد لإشراك العرب والفلسطينيين

تريد أن تقتنص الفرصة قبل تسلم شارون وزارة الدفاع وكان على اتصال مع الفلسطينيين فقط من العرب خلال المفاوضات

د مصطفى خليل وشيمعون بيريس
TT

تتناول «الشرق الأوسط» لليوم الثامن على التوالي الوثائق السرية البريطانية التي تعود لعام 1980 بعد أن أفرج عنها مع نهاية السنة الميلادية، بعد 30 عاما من الحظر السياسي والدبلوماسي. واليوم تركز على بعض الوثائق التي تتناول الصراع العربي - الإسرائيلي من خلال لقاءات رئيس وزراء مصر الدكتور مصطفى خليل واجتماعه برئيسة وزراء بريطانيا مارغريت ثاتشر وأعوانها في وزارة الخارجية. المحادثات تركزت على خطة مصرية موازية لكامب ديفيد وليست بديلة لها تحاول إشراك العرب، خصوصا منظمة التحرير الفلسطينية، في المفاوضات، من خلال تمرير قرار يتم التشاور حوله مع المنظمة يمهد الطريق لدخولها. ويبين مصطفى خليل أن الحكومة المصرية لم تكن على اتصالات مباشرة مع أي من الدول العربية باستثناء منظمة التحرير. وكانت تتشاور معها من خلال ممثل المنظمة في فيينا الدكتور عصام السرطاوي وبمعرفة المستشار النمساوي اليهودي، الذي كان متعاطفا مع الفلسطينيين، وهذا ما أغضب الإسرائيليين.

* لقاء رئيس وزراء مصر ورئيسة وزراء بريطانيا في داونينغ ستريت

* في 25 أكتوبر (تشرين الأول) التقى الدكتور مصطفى خليل رئيس وزراء مصر مع مارغريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا. وتمحور النقاش حول مفاوضات مصر وإسرائيل والحكم الذاتي في الأراضي الفلسطينية ووضع منظمة التحرير في لبنان. وسالت مارغريت ثاتشر، كما جاء في الوثيقة، ضيفها المصري حول المفاوضات بين بلده وبين إسرائيل، ورد قائلا إن المفاوضات بينهما بطيئة جدا، وإن وجهتي نظرهما مختلفتين تماما، خصوصا حول سلطة الحكم الذاتي للفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وترى مصر أن تتحول جميع السلطات إلى الحكم الذاتي، باستثناء الجوانب العسكرية، إلا أن إسرائيل تريد أن تمد سلطاتها العسكرية لتشمل جوانب عديد من حياة الفلسطينيين. ويجلب خليل مثلا على ذلك أن إسرائيل طلبت التحكم في أشياء كثيرة، من ضمنها المناهج التعليمية، حتى تتأكد من أن الكتب المدرسية لا تحتوي على أي انتقادات لها. لكن مصر تصر على أن يتمتع الفلسطينيون بحكم ذاتي بسلطة منتخبة تتمتع بسلطات قانونية وتشريعية مستقلة. أما إسرائيل فتريد أن تقلل من العملية الانتخابية وتجعلها محدودة تنتهي بمجلس مكون من 11 شخصا. أما مصر فتريد انتخابات تنافسية على دوائر انتخابية، لكن الإسرائيليين يعتقدون أن التنافس الانتخابي سيكون حزبيا وسوف يجلب منظمة التحرير الفلسطينية إلى الساحة السياسية بشكل غير مباشر. وحلا للخلاف، قال خليل لثاتشر إن الجانب المصري اقترح وضع شروط على المرشحين المتنافسين في الدوائر الانتخابية تتمحور حول اعترافهم بإسرائيل. ومع هذا الاقتراح تجاهلت إسرائيل الموضوع ووضعته جانبا. وقال خليل لمارغريت ثاتشر إن صعوبة المفاوضات مع الإسرائيليين أنهم لا يتمتعون بالقدرة على اتخاذ القرار وأنهم دائما يرجعون كل القضايا إلى مناحيم بيغن للبت بها. ورد خليل، عندما سألته مارغريت ثاتشر عما ينوي عمله في اليوم التالي، فقال إنه يمكنه أن ينتهي من جميع المفاوضات خلال 6 شهور لو كان هناك اتفاق على المبادئ. كل الأشياء أصبحت نقاط خلاف؛ قال خليل (وهنا تدخل المفاوض الأميركي ستراوس الذي حاول إيجاد مخرج. لكنه اتفق معه بأن الوقت غير مفيد لوضع ضغط إضافي على الإسرائيليين. إنهم سيقاومون أي ضغط من الرئيس كارتر، وهو بدوره غير معني بالضغط عليهم في هذه الفترة الحرجة مع قرب الانتخابات الأميركية).

وقال خليل إن الإسرائيليين وعدوا بأن يقترحوا بعض الأفكار الجديدة، إلا أنه لا يرى ما سيجلبونه معهم في هذه الفترة. وسأل وير (أحد الحاضرين من الجانب البريطاني) رئيس وزراء مصر عن خطته المستقبلية بخصوص المفاوضات، فأجاب خليل إنه سيزيد الضغط على الإسرائيليين بعد أن تسترجع مصر أراضيها إلى خط العريش/ رأس محمد، أي بعد يناير (كانون الثاني). كما أن مصر تريد وزير الدفاع الإسرائيلي وايزمان أن يبقى يشغل هذه الحقيبة الوزارية حتى تأمين خط العريش/ رأس محمد، الذي تربطه به صداقة شخصية، وأن هناك تفاهما بينه وبين وزير الدفاع المصري. وإذا استقال وايزمان وسقطت حكومة بيغن فإن ذلك سيصيب المفاوضات بالشلل. كما أن مصر لا تريد أن يتسلم أرييل شارون وزارة الدفاع لأن ذلك سيخلق أوضاعا ليست لصالح المفاوضات. (وطبعا هذا ما حصل؛ إذ تسلم شارون وزارة الدفاع عام 1981، وفي صيف 1982 غزا لبنان وحاصر بيروت لثلاثة شهور وخرجت قوات منظمة التحرير من لبنان وحدثت مجزرة صبرا وشاتيلا في مخيم الفلسطينيين في لبنان). وطرحت الحكومة البريطانية الأفكار التي تقدم بها الملك حسين خلال لقاءاته بالحكومة البريطانية ورئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر التي ظهر لها خلال نقاشها معه أنه مستعد لتولي زمام الأمور في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال رئيس وزراء مصر في اللقاء مع ثاتشر، كما جاء في الوثيقة، إنه على معرفة بأفكار العاهل الأردني المقتنع بأن المباحثات قد وصلت إلى النهاية، وأن كامب ديفيد تعتبر - كعملية تسوية في الشرق الأوسط - خطأ. لكن خليل يعتقد أنه من المهم جدا الاستمرار في كامب ديفيد بصيغتها الحالية. ويقول إن لديه بعض الأفكار التي تأخذ بالحسبان أفكار الملك حسين، وتكون مكملة لكامب ديفيد وتكون موازية لها.

* خطوات لجعل منظمة التحرير تعترف بإسرائيل دون الحديث عن دولة فلسطينية

* وتقول الوثيقة إن منظمة التحرير غير قادرة على التقدم بأهدافها دون الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود. كما أنه من الواضح جدا أن المجلس الوطني الفلسطيني لن يتخذ أي خطوات بهذا الاتجاه بشكل طوعي. وتقترح الحكومة المصرية أن يتم في مؤتمر القمة العربي القادم في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) أن توافق الدول العربية على قرار دولي معتدل يتخذه مجلس الأمن يكون مبنيا على القرارات الدولية، وهذا قد يقود منظمة التحرير لقبوله عند التحدث عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ويتحدث عن حق إسرائيل بالوجود، لكن لا يتطرق للدولة الفلسطينية. لكن من الضروري، يصر خليل، أن تكون هناك مشاورات مع منظمة التحرير لتكون على علم بهذه الخطوات والقرار حتى يمكنها قبوله فيما بعد. ويقول خليل، حسب الوثيقة، إن قبول منظمة التحرير بالقرار، وضمنا بحق إسرائيل في الوجود، سيقود إلى إيقاف العمليات الإرهابية من جنوب لبنان. هذا سيتيح المجال لانسحاب الفلسطينيين والإسرائيليين من جنوب لبنان وقبول سيادة الدولة اللبنانية في المنطقة المتنازع عليها، وسيقود إلى نزع سلاح منظمة التحرير، (قد تصر المنظمة على الاحتفاظ بأسلحة خفيفة فقط). وإذا وافق الفلسطينيون على السيادة اللبنانية في المنطقة فإن هذا سيجبر سورية على أن تنسحب، وقد يقود كل ذلك إلى تسوية في لبنان ودخول المنظمة في مباحثات الحكم الذاتي.

* الحكومة المصرية على اتصال فقط مع منظمة التحرير الفلسطينية

* وسألت رئيسة وزراء بريطانيا نظيرها المصري خليل: كيف يقترح تنفيذ خطته وما هو حجم الدعم الذي يتوقعه لها؟ وقال خليل إن الأسابيع المقبلة مهمة جدا في المشاورات. مصر لم تكن على اتصال مباشر مع الدول العربية، لكن الممثل الأميركي ستراوس على علم بها وسيقنع الرئيس جيمي كارتر بتبنيها. وأضاف أن الأمر راجع إلى الولايات المتحدة لإقناع الدول العربية بالخطة. لكنه أضاف أنه على اتصال ببرونو كرايسكي، المستشار النمساوي (الذي كان معروفا آنذاك بتعاطفه مع الفلسطينيين وهذا ما أغضب إسرائيل كونه يهوديا أيضا)، وكذلك بممثل منظمة التحرير الفلسطينية في فيينا الدكتور عصام سرطاوي، مستشار ياسر عرفات في الشؤون الأوروبية.

* من اغتال السرطاوي وهل دفع بدمه ثمنا لبعد نظره في تلك الفترة يذكر أن السرطاوي الذي درس الطب في الولايات المتحدة كان أول من قام باتصالات مع الإسرائيليين في السبعينات من القرن الماضي، واغتيل في لشبونة عام 1983 من قبل مجموعة فلسطينية متطرفة خلال مؤتمر منظمة الاشتراكية الدولية التي تضم الأحزاب العمالية الأوروبية أو ما تسمى بالأحزاب الديمقراطية الاجتماعية. وهناك أصابع تشير إلى أن قادة المجموعة الفلسطينية المتطرفة كانوا يعملون لصالح إسرائيل أو على الأقل كانوا مخترقين من قبل الموساد. هذه المجموعة هي التي كانت وراء اغتيال ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية في لندن وباريس وروما، وهؤلاء كان معروف عنهم أنهم من أفضل ممثلي المنظمة وأول من بدأ الاتصالات مع إسرائيل، وهذا ما يورده الجنرال الإسرائيلي يوري افنيري في كتابه «عدوي صديقي».

وقال خليل إن السرطاوي هو الذي سيحمل المقترحات المصرية إلى ياسر عرفات، وإنه على ثقة بأن عرفات سيقبل بها. أما بالنسبة للدول العربية الأخرى فيعتقد خليل أن اليمن الجنوبي والعراق وليبيا هي الدول الوحيدة التي سترفض الخطة المصرية.

وقال خليل إنه متأكد من أن خطته ستلاقي الدعم المطلوب، لكن الحكومة البريطانية كانت قلقة بأن تفشل الخطة وتنعكس سلبا على محادثات السلام بين مصر وإسرائيل. وقالت مارغريت ثاتشر من المهم جدا أن نتفادى أي فشل في هذه المرحلة، ويجب أن نعمل كل شيء قبل أن نتوجه إلى مجلس الأمن لانتزاع قرار بهذا الاتجاه. وقال خليل إن الملك حسين أثار 14 سؤالا مع الرئيس كارتر وإن الأخير قدم إجابات مكتوبة لكل واحد منها، ونحن الآن نحاول معرفة الإجابات وكيف أنها تتفق مع توجهاتنا. أما بخصوص منظمة التحرير، فقال إنه من مصلحتهم قبول ذلك وإلا سيفقدون فرصتهم بالدخول في المفاوضات لفترة طويلة من الزمن، لكنه لم يقلل من الصعوبات التي تواجه المنظمة.

المستشار النمساوي برونو كرايسكي كاد أن يستقيل بسبب اتصالاته مع الفلسطينيين، خصوصا بعد أن قرر تقديم وسام لممثل المنظمة في فيينا عصام سرطاوي وآخر لشخصية إسرائيلية بدأت اتصالاتها مع منظمة التحرير من خلال السرطاوي، وبمعرفة عرفات، لكن عندما انفضح الأمر تخلى عرفات عن الفكرة تحت ضغط من قبل المجلس الوطني الفلسطيني. لكن قبل السرطاوي الوسام النمساوي (وهذا ما شكل تهديدا له شخصيا) وأنقذ الموقف.