اتفاقية وقعتها قبيلة مع الحكومة الأفغانية توفر فرصة لتحقيق السلام في جنوب أفغانستان

سانغين.. قاعدة خلفية لطالبان لتجميع القنابل والتخطيط لشن هجمات

TT

شهدت بساتين الرمان الخصبة وحقول الخشخاش الكثيفة في مدينة سانغين الواقعة وسط السفوح الجنوبية الغربية لأفغانستان سقوط ضحايا للعمليات القتالية بعدد أكبر من أي منطقة أخرى في أفغانستان. وحصدت كمائن المسلحين القاسية وتفجيرات العبوات الناسفة في هذه المنطقة أرواح أكثر من 100 جندي من القوات البريطانية خلال الفترة من عام 2006 إلى عام 2010. وفقدت قوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) 29 رجلا هناك منذ اضطلاعها بمسؤولية تأمين المدينة خلال الصيف الماضي، ونسفت أطراف عشرات الجنود الإضافيين. ولم يجد كبار القادة بدا من التخلي عن الأمل في إمكانية إنقاذ هذه المنطقة. لكن الآن، ظهرت فرصة لتحقيق السلام؛ حيث وقع زعماء قبيلة كانت مسؤولة عن عدة هجمات نفذت في مدينة سانغين على اتفاقية مع الحكومة الأفغانية في بداية العام الجديد من أجل وقف الأعمال الهجومية وطرد المقاتلين الأجانب بالمنطقة في مقابل الإفراج عن أحد السجناء والحصول على وعد بتقديم مساعدة تنموية والموافقة على إمكانية تأسيس قوة أمن خاصة بالقبيلة. وإذا تم الالتزام بالاتفاقية الموقعة مع قبيلة «أليكوزاي» - حيث انهارت اتفاقيات مشابهة في أماكن أخرى داخل أفغانستان - فسوف تكون هناك إمكانية لتهدئة رقعة في منطقة مستعصية وتؤثر على الحرب في معظم أنحاء جنوب أفغانستان. وسوف تفتح هذه الاتفاقية طريقا رئيسيا في اتجاه سد «كاجاكي»، حيث تحاول الحكومة الأميركية إصلاح محطة للطاقة المائية من أجل توفير إمدادات الطاقة الكهربائية الملحة جدا إلى قندهار، ثاني أكبر مدينة في البلاد. وقد استخدم زعماء حركة طالبان مدينة سانغين لفترة طويلة كقاعدة لتجميع القنابل والتخطيط لشن هجمات تنفذ في أماكن أخرى بمنطقة جنوب أفغانستان. وإذا تم الحد من قدرتهم على فعل ذلك، فإن مسؤولي الجيش الأميركي يعتقدون أنه سوف يتعين على زعماء طالبان الانتقال إلى أماكن نائية بشكل أكبر، حيث ستمثل هذه الأماكن تحديا إضافيا لشن هجماتهم. وأعرب المسؤولون عن أملهم في إمكانية سعي قبائل أخرى بالمنطقة وجيوب أخرى لقبيلة أليكوزاي في الجنوب إلى التوقيع على اتفاقيات مشابهة. وقال «اللفتنانت جنرال» ديفيد رودريغيز، أبرز قائد عمليات في الجيش الأميركي داخل أفغانستان، في مقابلة أجريت معه أول من أمس، إن «هذه الاتفاقية تمتلك إمكانية ضخمة لتحقيق تغيير». وحتى إن أوفت قبيلة أليكوزاي بوعدها، فلن يؤدي هذا إلى إنهاء العمليات المسلحة في مدينة سانغين تلقائيا، لكن من المحتمل أن يقلص ويبسط من الفسيفساء المعقدة للعنف الدائر هناك، والذي اصطبغ بلون الصراعات القبلية. وعندما وصل زعماء طالبان إلى مدينة سانغين، دخلوا في تحالف مع قبيلة أليزاي. وعبر شيوخ قبيلة أليكوزاي عن غضبهم إزاء وجود مقاتلين لحركة طالبان من باكستان وأجزاء أخرى من أفغانستان داخل المدينة، لكنهم كانوا كارهين مبدئيا للتعاون مع قوات التحالف أو الحكومة الأفغانية لأنهم كانوا يشاركون في الأعمال الرائجة لمعالجة وتجارة الأفيون.

وفي عام 2007، ثارت قبيلة أليكوزاي ضد قبيلة أليزاي وسعت لطرد مقاتلي طالبان الأجنبيين، لكن طلبات قبيلة أليكوزاي للحصول على مساعدة من القوات البريطانية رفضت بفعل الخوف من التورط فيما بدا أنه نزاع قبلي. وقتلت قبيلة أليزاي في نهاية الأمر عددا كبيرا من شيوخ قبيلة أليكوزاي، ولم يجد عدد كبير من رجال قبيلة أليكوزاي بدا سوى الاستسلام والانضمام إلى حركة طالبان. وتغيرت القوى عندما حلت قوات المارينز محل القوات البريطانية في صيف عام 2010.

وزادت قوات المارينز من وتيرة العمليات الهجومية، وشنت هجمات مضادة أقوى على كل المسلحين ومن بينهم مسلحو قبيلة أليكوزاي. وبحلول منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) انقضت كتيبة استطلاع تابعة لقوات المارينز على منطقة تابعة لقبيلة أليكوزاي وشنت سلسلة قوية وخاطفة من الهجمات قتلت أكثر من 250 مسلحا، حسب تقديرات قادة أميركيين.

وقال ضابط بارز بقوات المارينز شارك في هذه العملية «هذه الهجمات أقنعت شيوخ قبيلة أليكوزاي بأنهم بدأوا في انتظار مصيرهم المحتوم». وفي نفس الوقت، سعى قادة قوات المارينز إلى نقل رسالة لقيادة قبيلة أليكوزاي مفادها أنهم سوف يحصلون على المساعدة إذا قرروا مواجهة حركة طالبان مجددا. ووصفت قوات المارينز كيف كانت عمليات مقاومة المسلحين التي يشنونها في أجزاء أخرى من إقليم هلمند تستهدف حماية سكان الإقليم من المسلحين. وقال الميجور جنرال ريتشارد ميلز، أعلى قائد أميركي في إقليم هلمند «لقد طمأناهم بأننا سوف نكون موجودين هنا من أجلهم، وأننا لن نتخلى عنهم. وتطالب الاتفاقية شيوخ قبيلة أليكوزاي بمنع رجال قبيلتهم من المشاركة في شن هجمات على القوات الأفغانية وقوات التحالف والامتناع عن تقديم ملاذ آمن لمقاتلي طالبان من باكستان وأجزاء أخرى من أفغانستان. وقال ميلز وضباط مارينز آخرون إن التقارب بدأ منذ شهر تقريبا عندما سافر أعلى مستشار أمني لحاكم إقليم هلمند، غولاب مانغال، إلى مدينة سانغين للتحدث مع سكان المدينة عن برنامج حكومي لإعادة دمج المسلحين الذين تخلوا عن العنف. وتقارب مع القليل من شيوخ قبيلة أليكوزاي الذين عبروا عن اهتمامهم بالتوسط من أحل التوصل إلى اتفاق. وطالب شيوخ قبيلة أليكوزاي في البداية بأن تبقى القوات الأميركية وقوات حلف الناتو خارج مناطقهم، وأن يتم الإفراج عن الكثير من رجال القبائل المعتقلين في مقابل وقف إطلاق النار. ورفضت قوات المارينز هذا العرض، لكنها أنهت تسوية بخصوص الإفراج عن أحد مصنعي القنابل من قبيلة أليكوزاي بشرط ألا يشارك في أعمال العنف مجددا. وتعهدت قوات المارينز أيضا بأن تتولى قوات أفغانية القيادة في عمليات التفتيش والمداهمة لبيوت في المنطقة. وكانت هناك أيضا مكافآت المساعدة التنموية؛ حيث تعهدت قوات المارينز كذلك بإعادة بناء المدارس وفتح عيادة طبية ورصف الطريق الرئيسي الواصل من منطقة قبيلة أليكوزاي إلى مركز المنطقة. وقال ميلز إن قوات المارينز لن تتهرب من القيام بالدوريات الأمنية في منطقة قبيلة أليكوزاي. وقال مسؤولون آخرون في قوات المارينز إنهم سوف يسعون إلى اختبار مدى تنفيذ الاتفاق خلال الأيام القادمة بعمليات تمشيط مكثفة في المنطقة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»