أميركا تعزز قواتها على الحدود مع المكسيك لمواجهة عصابات المخدرات

نائب دعا لنشر 10 آلاف جندي من الحرس الوطني: الحدود هي الجبهة الثالثة للولايات المتحدة بعد أفغانستان والعراق

TT

على قمم التلال الواقعة غرب الطريق السريع رقم 19 في الولايات المتحدة يقف رجال الحرس الوطني مسلحين ببنادق «إم 4» يقومون بمهام المراقبة من خيام التمويه ومراكز المراقبة الملاصقة للسياج الحدودي مع المكسيك إلى حد أنهم قد يتمكنون من مشاهدة التلفزيون عبر نوافذ المنازل على الجانب الآخر.

هؤلاء الجنود هم أفراد من الحرس الوطني والحرس الوطني الجوي لأريزونا الذين بعثت بهم إدارة الرئيس باراك أوباما الصيف الماضي وسط تصاعد المخاوف بشأن حالة غياب القانون وانتقال العنف بشأن المخدرات عبر الحدود. فمن بين 1200 عنصر من رجال الحرس الوطني تم نشرهم على الحدود المكسيكية، يوجد 560 من أفراد الحرس الوطني هنا في أريزونا حيث يدفع المشرعون بقوة إلى انتشار أوسع للجيش خلال الحملة واسعة النطاق في الولايات المتحدة ضد الهجرة غير الشرعية العام الماضي.

وقال البريغادير جنرال ساليناس من الحرس الوطني لأريزونا: «نحن بمثابة عيون وآذان إضافية، فنحن في العراء نحاول العمل كرادع على استعداد للرد على أي نوع من الحوادث الغريبة التي قد تنشأ من هناك». وأكد ساليناس على أن مهمة الحرس الوطني التي تمتد لمدة عام هي بديل مؤقت لمنح إدارة حماية الحدود والجمارك الأميركية وقتا كافيا لاستخدام المزيد من العملاء. لكن تصاعد عنف عصابات المخدرات في المكسيك وارتفاع حصيلة عمليات القتل على الجانب الأميركي حفزت الدعاوى إلى نشر مزيد من رجال الحرس الوطني على الحدود على الرغم من تراجع الهجرة غير الشرعية والجريمة في المنطقة. ويقول مشرعو الولاية من الحزبين، خاصة أنصار الحزب الديمقراطي، إنهم يرون تواجد الجيش الأميركي في المنطقة، في أعقاب مقتل 14 من جنود دوريات الحدود في شمال نوغاليس، ضرورة طويلة المدى، على الرغم من القواعد التي تحدد تواجد رجال الحرس الوطني في أعمال مراقبة خط الحدود وتمنعهم من القيام بعمليات اعتقال أو ضبط مخدرات.

ويقول النائب تيد بو، النائب الجمهوري عن ولاية تكساس، والذي اقترح تشريعا يسمح لحكام الولايات الحدودية بإرسال 10 آلاف من رجال الحرس الوطني إلى المنطقة: «الحدود هي الجبهة الثالثة للولايات المتحدة بعد أفغانستان والعراق. وإن شئت أن تدعوها منطقة حرب أو أيا كان المسمى، فنحن بحاجة إلى رجال الحرس الوطني بسبب العنف الإجرامي عبر الحدود».

بيد أن المحللين السياسيين وأعضاء منظمات حقوق الإنسان يقولون إن نشر الجيش الأميركي يعرض المدنيين للخطر وعديم الجدوى، مشيرين إلى إحصاءات مكتب التحقيقات الفيدرالية التي تظهر أن الجريمة في الكثير من المناطق على الجانب الأميركي في أدنى معدل لها منذ سنوات. وقد أدت أعمال العنف بسبب المخدرات إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص في المكسيك خلال السنوات الأربع الماضية، وأن عصابات الاتجار في البشر حولت المدن المكسيكية إلى ساحة حرب دموية.

من جانبه أكد النائب غابرييل غيفوردس (الديمقراطي عن ولاية أريزونا) الذي تضم منطقته الحدود الجنوبية الشرقية للولاية، حيث قتل المزارع روبرت كرنتز وكلبه رميا بالرصاص في مارس (آذار) الماضي، على أن القوات ستساعد في الحفاظ على الفوضى على الجانب الآخر. وقال غيفوردس: «لاحقت السلطات المكسيكية والأميركية عصابات الخطف وبسبب تشرذمها بدأت هذه العصابات في ملاحقة بعضها البعض. ونحن نشهد الآن عنفا هائلا على الحدود لم نشهده من قبل».

من ناحية أخرى، عمدت وكالة حماية الحدود والجمارك إلى زيادة أعداد عملائها، حيث تشير إحصاءات الأمن الداخلي إلى أن عدد عملاء وكالة حماية الحدود والجمارك ارتفع من 10 آلاف في عام 2004 إلى 20500 حاليا. وفي الوقت ذاته انخفض عدد المهاجرين غير الشرعيين المشتبه بهم الذين ألقت دوريات الحدود القبض عليهم بنسبة 60%، حيث تدنت الأعداد من 1.1 مليون شخص عام 2004 إلى أقل من 447500 خلال العام الماضي.

ويقول الخبراء إن ارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة يعد سببا كبيرا لهذا الانخفاض. ورغم عبور عدد أقل من المهاجرين غير الشرعيين، وبعدما أصبح الكثير من المناطق الحضرية الكبيرة أكثر أمنا، زادت عمليات ضبط ومصادرة المخدرات ودفعت إجراءات تنفيذ القانون الأكثر تشددا المهربين للانتقال إلى مناطق قروية أكثر بعدا. وأدى هذا إلى وقوع الكثير من حالات القتل لمسؤولين رفيعي المستوى، مما عزز المخاوف المتعلقة بإمكانية زحف العنف.

ووقعت آخر حادثة قتل يوم 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي عندما قتل برايان تيري، وهو عميل لقوات حرس الحدود خلال تبادل لإطلاق النار مع مجموعة من قطاع الطرق المتخصصين في سرقة مهربي المخدرات والمهربين. وألقي القبض على 4 أشخاص متهمين بارتكاب هذا الحادث، وهناك شخص خامس لا يزال يمثل هدفا لعمليات المطاردة المستمرة. وكانت هذه واقعة إطلاق النار السابعة خلال العام الحالي على أرض مربي الأبقار ديفيد لاويل، التي تبلغ مساحتها 32 ألف أكر (الأكر يساوي 1.038 فدان) الواقعة خارج ريو ريكو، حيث تقطع جبال توماكاكوري الوعرة ممرات التهريب التي تمتد إلى خارج المكسيك. ومنذ عامين، وجد رجل يعمل لدى لاويل رأسا بشرية داخل حقيبة بلاستيكية على تل قريب.

وقال لاويل، 82 عاما: «لم نعثر مطلقا على الجسم الذي يتطابق معها». ومثل الكثير من ملاك الأراضي هنا، قال لاويل إنه يرغب في مشاهدة انتشار عسكري أكبر وأكثر قوة في المنطقة. وأضاف لاويل: «أعتقد أنه إذا كانت هناك كتيبة من القوات في ولاية أريزونا، ولم تفعل هذه الكتيبة أمورا غير سعيدة للأشخاص الذين كانوا يخرقون القانون، فستتوقف المشكلات بين عشية وضحاها».

وتتمركز قوات الحرس الوطني البالغ قوامها 1200 فرد في نقاط استراتيجية على طول الحدود التي يبلغ امتدادها 2000 ميل، من بينها مناطق حضرية وأخرى ريفية نائية غير مسيجة. ولكن هذه القوات تخضع لأوامر بتجنب التفاعل مع المدنيين على أي من الجانبين، ولا تنفذ أي عمليات اعتقال، حسبما ذكر ساليناس، الذي يراقب الشراكة مع وكالات حرس الحدود ووكالات وزارة الأمن الداخلي الأخرى في ولايته.

وبدلا من ذلك، تقف القوات بحذر على مقربة من نقاط تهريب ساخنة وتنقل تقارير عن عمليات العبور غير الشرعية إلى وكلاء حرس الحدود القريبين الذين ينفذون عمليات الاعتقال ومصادرة المخدرات.

وقال ساليناس إنه لا يمكنه مناقشة سياسات استخدام قواته للقوة، مستشهدا باتفاقيات أمنية في هذا الصدد. لكنه أشار إلى أن الحراس مسلحون بشكل كامل، لأنهم يتواجدون في أي بيئة قتالية. وقال: «في حالة حدوث شيء ما هناك، يفهم جنودنا ورجال القوات الجوية قواعد استخدام القوة».

وهذه نقطة أخرى مثيرة للقلق بالنسبة لمنتقدي وجود الجيش الأميركي. وفي عام 1997، أطلق جنود من قوات مشاة البحرية الأميركية المكلفين بمهام مشابهة لقوات حرس الحدود النار على طالب أميركي بإحدى المدارس العليا، كان يحمل بندقية من عيار 22 أثناء رعيه لقطيع من الماعز، فأردوه قتيلا بالقرب من مدينة ريدفورد بولاية تكساس. وتسبب هذا الحدث في إنهاء الدوريات الأمنية التي تقوم بها هذه القوات. وقال جورج ويزرس، زميل بارز في مكتب واشنطن المعني بشؤون أميركا اللاتينية، وهي مجموعة تتابع السياسة الأميركية في المنطقة: «هناك ميل لدى الجيش للتفكير في أننا نبحث عن عدو، وهذه وصفة لحدوث كارثة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»