«اسلمي يا مصر» تعلو مع أجراس الكنائس في ليلة عيد الميلاد بالقاهرة

وسط إجراءات أمنية مكثفة.. وصندوق «خردة» يثير الذعر بكنيسة بالمنيا

TT

أقام مسيحيو مصر قداس عيد الميلاد المجيد ليلة أمس وسط أجواء مشحونة ومتناقضة وإجراءات أمنية مشددة.. فاحتشدت معظم الكنائس المصرية بجماهير غفيرة من المواطنين «مسلمين ومسيحيين»، وهم يرفعون الأعلام ويرددون مع فرق الكورال بالكنائس باقة من الأغاني الوطنية الشهيرة الراسخة في ذاكرة المصريين، بينما كانت الدموع تنهمر من أعين الكثيرين.

ففي كاتدرائية العباسية، المقر البابوي في القاهرة، احتشد لفيف من الإعلاميين والمثقفين ورجال المجتمع بكل أطيافه. وعلى غير العادة استبقت الكاتدرائية مراسم طقوس القداس بباقة من الأغاني الوطنية الشهيرة أداها فريق كورال الكنيسة بالمشاركة مع بعض الفرق المصرية، وردد معهم الجمهور «اسلمي يا مصر»، و«أنا المصري كريم العنصرين»، و«مصر التي في خاطري»، و«مصر هي أمي».. بينما هتف المحتشدون رافعين الأعلام في نهاية الفقرة: «تحيا مصر.. تحيا مصر».

وأوفد الرئيس المصري حسني مبارك، سعيد كمال زادة، كبير أمناء رئاسة الجمهورية، إلى كاتدرائية العباسية لتقديم التهنئة إلى البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية والأقباط الأرثوذكس، وحضور الاحتفال المقام بها. وأجرى مبارك اتصالا بشنودة، هنأه بأعياد الميلاد، مؤكدا أن قوى الإرهاب لن تفلح في ترويع أبناء الشعب، أو أن تحرم مسيحيي مصر من فرحة أعياد الميلاد.

وخضعت كنائس مصر، أمس، إلى إجراءات أمنية مشددة وأجواء مشوبة بالحزن والأسى. وأصدر 22 حزبا وحركة سياسية (بينها أحزاب «الوفد» و«الغد» و«التجمع» و«الجبهة» و«الكرامة»، وجمعية البرادعي للتغيير، و«شباب 6 أبريل») بيانا أدانوا فيه تفجيرات كنيسة «القديسين» بالإسكندرية، وطالبوا بإقالة وزير الداخلية المصري حبيب العادلي لما رأوا أنه «تقصير من الجهات الأمنية في حماية المواطنين»، بينما اعتبر قيادي بالحزب الحاكم أن موقف الأحزاب يعد تدخلا غير مقبول في اختصاصات الرئيس المصري.

وطالب البيان بالقصاص من الجناة، سواء الذين ارتكبوا الجريمة أو الذين هيأوا المناخ الفاسد الذي يميز بين أبناء الوطن الواحد، على حد قولهم، مدينين الممارسات الأمنية ضد مواطنين مصريين يمارسون حقهم المشروع في التجمع والتظاهر والتعبير السلمي الحر عن مطالبهم.

وعلق حزب «الوفد» عقب صدور البيان على لسان قيادي به قائلا إن البيان لم يكن دقيقا ولم يعبر عن وجهة نظر الحزب على الوجه الصحيح. ونفى الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب «التجمع»، أن يكون قد وقع بنفسه على البيان، وإن لم ينف صلة حزبه به، بينما بدا تراجع مستغرب من قبل الحزبين المعارضين الرئيسيين.

وقال الدكتور محمد الغمراوي، أمين «الحزب الوطني» بالعاصمة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما قالته القوى السياسية، مجرد رأي، ولا يلزم الدولة بأي شيء»، معتبرا ذلك «مؤشرا خطيرا للتدخل في اختصاصات رئيس الجمهورية».

وشددت الداخلية المصرية من التعزيزات الأمنية ومنع أي سيارات من الاصطفاف أمام الكنائس، وتفتيش كل من يدخلها. وأفادت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» بأنه «تم الاستعانة بأفراد أمن في غير زيهم الرسمي أمام الكنائس، بالإضافة إلى سيارات الشرطة، وخبراء المفرقعات».

وأثار صندوق تركه عامل ميكانيكي داخل إحدى الكنائس في محافظة المنيا بصعيد مصر، ذعر المواطنين، قبل أن يجري التبين من حقيقته، وأنه يحوي بعض المعدات الخاصة بالعامل.

من جانبه، أكد القس عيسى داود، راعي كنيسة «النعمة» الإنجيلية بالمنيا، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أن ما عثر عليه مجرد صندوق للخردة، تركه أحد رواد الكنيسة، ويعمل ميكانيكيا، وأنه فور العثور عليه أسفل سلم الكنيسة، حضرت قوات الأمن وتبين أنه مجرد صندوق معدني يحتوي على قطع غيار سيارات.

وتابع داود أن «كنائس المنيا شهدت إجراءات أمنية مشددة»، مشيدا بدور المسلمين خلال شائعة الصندوق الذي عثر عليه، حيث ظلوا موجودين إلى جانب المسيحيين حتى حضر الأمن.

وأضاف داود أن «المسلمين سيشاركون في قداس أعياد الميلاد»، وأنه لا صحة لما نشر بأن كنائس المنيا ترفض حضور المسلمين للقداس.

وكانت أمانة شباب «الحزب الوطني الديمقراطي» (الحاكم) قد دعت عبر موقعه الرسمي شباب الحزب إلى المشاركة في الاحتفالات، تعبيرا عن روح الوحدة والتضامن التي تجمع بين مسلمي ومسيحيي مصر، والتأكيد على أن الأخطار التي تواجه مصر هي أخطار مشتركة ينبغي التصدي لها معا وبروح واحدة.

وأكدت مصادر بوزارة الداخلية أنه تم وضع خطة أمنية شملت الجمهورية بأكملها.. وشهدت محافظة الإسكندرية تعزيزات أمنية مشددة، شملت كاميرات مراقبة وأجهزة الكشف عن المعادن على كل الكنائس. كما شددت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة من إجراءاتها على جميع كنائس القاهرة، وذلك في محاولة لتفادي أي محاولات لإثارة الشغب.

وقام اللواء إسماعيل الشاعر، مساعد أول وزير الداخلية لمنطقة القاهرة، وعدد من قيادات أمن القاهرة، بجولة مساء أمس على جميع الكنائس بالقاهرة، للتأكد من الحالة الأمنية بها.

وركزت الخطة الأمنية على الكاتدرائية بالعباسية، حيث يوجد بها أكبر عدد من المسيحيين بالقداس.. إضافة إلى كنيسة «العذراء مريم» بمنطقة الزيتون بالقاهرة، التي شهدت انفجار إحدى السيارات الموجودة أمام باب الكنيسة العام الماضي.

من جانبه، أعلن اللواء نبيل العزبي، محافظ أسيوط، أن جميع القيادات الشعبية والتنفيذية بالمحافظة سيقدمون اليوم (الجمعة) التهاني للمسيحيين في الكنائس، كما هو متبع كل عام.

وقال في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إنه تم التنبيه على القيادات الكنسية ورجال الأمن بعدم السماح للمسيحيين أو المسلمين بالوجود كمجموعات قبل أو بعد صلاة القداس حول الكنائس أو بالقرب منها.