60 قبيلة في جنوب السودان تبحث عن هوية وطنية خوفا من وقوع نزاعات

مستشار نائب الرئيس السوداني: قلت لإسرائيل سعيد بأنكم شعب الله المختار

سوداني يصلح لافتة تذكر بالأيام المتبقية للانفصال في جوبا بجنوب السودان (إ.ب.أ)
TT

سيكون على سكان جنوب السودان بناء هوية وطنية في مهمة ليست سهلة في منطقة مزقتها الحرب والتنوع الهائل الذي تفرضه نحو 60 قبيلة تتحدث العدد نفسه من اللغات.

وأوقف الشمال العربي والمسلم في معظمه والجنوب حيث أضيفت الديانة المسيحية إلى المعتقدات القديمة، القتال بينهما في 2005 بعد حرب دامت 22 عاما. وتركت هذه الحرب الدامية التي أودت بحياة مليوني شخص ندوبا في جنوب السودان الذي شهد نزاعات بين قبائل وميليشيات محلية.

وخلال الحرب استغل الشماليون التنافس التاريخي بين قبائل الدينكا والنوير وحتى داخل كل قبيلة وقاموا بتسليح ميليشيات قبلية لتقسيم الجنوبيين ومحاولة الهيمنة على المنطقة بهذه الطريقة.

وهذا ما أشار إليه الفريد أغوت الزعيم القبلي الذي التقته وكالة الصحافة الفرنسية في كواجوك، كبرى مدن ولاية وراب الجنوبية التي كانت الأكثر تضررا بالحرب الأهلية، حيث قال إن «الحرب مع الشمال أدت إلى انقسامات عدة بيننا إلى درجة أن صداما صغيرا حول أبقار يمكن أن يتحول إلى معركة كبيرة».

وعبر عن أسفه لهذا الوضع، موضحا أنه «في الماضي كان حكماء القرى والزعماء القبليون يجمعون الجميع ويجدون حلا سلميا عند وقوع نزاعات».

وقال جاكوب مادول لانغ، الزعيم المشرف على رؤساء نحو 800 مجلس قبلي في وراب، إحدى المناطق الأكثر تضررا بالنزاعات القبلية، إن «المجلس يهدف إلى التقريب بين القدامى والشباب لمناقشة المشكلات سلميا».

وتدفع الحكومة أجورا لكثيرين من هؤلاء الزعماء الذين يعملون مع السلطات في حل النزاعات. وفي كواجوك القرية ذات البنى التحتية الفتية، دشنت قاعة كبيرة في ديسمبر (كانون الأول) لتسهيل المناقشات بين الزعماء القبليين.

وقال لانغ: «عندما يكون هناك خلاف نتناقش ثم نقرر العقوبة التي يقبلها الجميع. يمكننا بذلك التقدم على طريق السلام» والكف عن التقاتل. وسيكون على الجنوبيين الموزعين في 60 قبيلة (الدينكا والنوير والشيلوك والازاندي...) أن يبحثوا بأنفسهم عن جذور ما يوحدهم بدلا من الاتحاد في إطار معارضة للشمال. وصرح المثقف الجنوبي جوك مادوت جوك قائلا: «الآن لم يعد هناك شمال يستطيع الجنوبيون معارضته بشكل جماعي. ما سيوحد الجنوب هو الرغبة في بناء أمة قوية معا، أمة تقوم على هوية مشتركة». ورأى أن «الحكومة والمجتمع المدني ورجال الأعمال والمواطنين العاديين عليهم حماية العادات الثقافية المشتركة بين كل الجنوبيين وعرضها والاحتفال بها».

إلى ذلك، يفتح الاستفتاء الباب على مصراعيه لمشكلات محتملة أفريقيا، لكونه يشكل مراجعة فريدة للحدود الموروثة من الحقبة الاستعمارية ويخلق بالتالي سابقة يمكن أن تستند إليها أقاليم أخرى في أفريقيا تتوق إلى الانفصال.

ويقول المحلل في مركز الدراسات الأفريقية بمعهد العلوم السياسية في بوردو (فرنسا)، رينيه أوتايك، إن «جنوب السودان سابقة بلا شك، فلم يحدث قط أن أجري في أفريقيا استفتاء يتيح لجزء من السكان أو لمنطقة معينة أن تقرر ما إذا كانت تريد البقاء في دولة موحدة أم الانفصال!».

وكانت القوى الاستعمارية تقاسمت الكعكة الأفريقية في مؤتمر برلين عام 1885. وبعد التحرر من الاستعمار في مطلع ستينات القرن الماضي شكلت دول القارة منظمة الوحدة الأفريقية التي تحولت إلى «الاتحاد الأفريقي» مؤخرا والتي ارتكزت على مبدأ أساسي، وهو «عدم المساس» بالحدود الموروثة من عصر الاستعمار.

ولكن مع توقيع اتفاق السلام بين شمال وجنوب السودان عام 2005 الذي أنهى حربا أهلية دامت أكثر من عقدين، اتفق الطرفان على إجراء استفتاء لتقرير مصير جنوب السودان.

إلى ذلك قال جوزيف لاغو، زعيم أول حركة تمرد في جنوب السودان الذي يستعد في سن الـ79 للتصويت لصالح استقلال الجنوب الذي شكل حلمه الأكبر: «لقد بدأنا النضال من أجل الاستقلال بأيدينا الخالية». ويعود تاريخ أولى الحروب الأهلية بين الشمال والجنوب إلى عام 1955 والتمرد في توريت في جنوب السودان، أي قبل عام من استقلال السودان الذي كان حينها تحت سيطرة إنجليزية - مصرية مشتركة. وفي تلك الفترة، كان السودانيون الجنوبيون يخشون الوقوع تحت سلطة عرب شمال السودان في حال استقلال دولة السودان الموحدة. وبعد سنوات من النزاع، ارتفعت حدة الحرب بين الشمال والجنوب في مطلع الستينات، إلا أن المتمردين الجنوبيين كانوا يفتقرون إلى المال والسلاح.

وقال جوزيف لاغو الذي غادر منصبه كمسؤول في الجيش عام 1963 لتولي زعامة حركة تمرد تناضل لأجل استقلال جنوب السودان: «لقد بدأنا بالنضال بأيدينا الخالية».

وأضاف أبو ثورة «أنيا نيا» من جوبا، كبرى مدن الجنوب: «لا نرى أي خيار آخر سوى مواصلة النضال في سبيل حق شعبنا في العيش بحرية». وسميت حركة «أنيا نيا» بهذا الاسم تيمنا بنوع السم الذي كان المقاتلون يغمسون رؤوس سهامهم به.

وتابع سرد ذكرياته قائلا: «لم يكن لدينا سوى ثلاث بنادق في تلك الفترة. وكنت أملك سلاحا وحيدا كناية عن ساطور».

وأوضح لاغو: «كنا نعلم أن قضيتنا كانت عادلة، إلا أننا لم نكن نملك الوسائل». وكان لاغو تلقى أولى شحنات الأسلحة الموجهة إلى جماعته من الكونغو قبل الحصول على دعم إسرائيل، بعد أن ساندت الخرطوم مصر في حرب يونيو (حزيران) 1967.

وقال: «بعثت برسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي قمت فيها بتوجيه إطراء له بالقول: أنا سعيد بأنكم شعب الله المختار، غلبتم العرب. وأضفت: أنا أيضا أحارب العرب، مما يعني أنكم في حال زودتمونا بالأسلحة سأتغلب على القوات السودانية التي لن تستطيع بعدها دعم مصر ضدكم. وقد آتت هذه الرسالة ثمارها».

وحصلت حركة التمرد «أنيا نيا» على أسلحة وجمعت آلاف الجنوبيين. وقال لاغو: «الناس كانوا يتهافتون من كل مناطق الجنوب، في النهاية كان لدينا نحو 18 ألف مسلح».

وفي نهاية المطاف، وقعت حركة متمردي جوزيف لاغو في عام 1972 في أديس أبابا اتفاق سلام مع حكومة الخرطوم التي فوضت الجنوبي أبيل ألير لتمثيلها في محادثات السلام. وبحسب التقديرات، قتل نحو 500 ألف شخص خلال هذه الحرب الأهلية الأولى بين الشمال والجنوب.

وكتب ألير في مذكراته «في السودان يبدي الشمال نفورا حيال كلمة اتحاد بينما الجنوب مهووس بها. هذه المشاعر القوية يعكسها اتفاق السلام». ولم يمنح اتفاق السلام الموقع في أديس أبابا الجنوبيين حق إجراء استفتاء حول الاستقلال، إلا أنه سمح لهم بإنشاء منطقة تتمتع بحكم ذاتي في جنوب السودان.

وقال لاغو الذي يشغل اليوم منصب مستشار للزعيم السوداني الجنوبي سلفا كير: «كنت أعلم أن الاتفاق لا يلبي طموحات شعبي، إلا أنني كنت أعلم أيضا أن الشعب كان بحاجة إلى فترة استراحة». وأضاف: «إذا ما أسقط العدو الاتفاق، كنت أعلم أن الحرب ستندلع مجددا».