عودة الصدر تثير تساؤلات عن توجهاته

روايات متضاربة حول تعليمه الديني في إيران

TT

عاد رجل الدين الشيعي المعادي للولايات المتحدة، مقتدى الصدر، إلى العراق فجأة أول من أمس لينهي بذلك قرابة 4 سنوات من المنفى الاختياري في إيران، ويثير تساؤلات جديدة حول حجم النفوذ الأميركي في العراق.

وتأتي عودة الصدر إلى الوطن في وقت كسب فصيله السياسي نفوذا كبيرا بتحالفه مع حكومة الوحدة الوطنية الجديدة برئاسة نوري المالكي، الذي سعى حتى سنوات قليلة خلت لسحق «جيش المهدي» التابع للصدر. وجاء قرار الصدر أخيرا بدعم المالكي في مساعيه لتولي رئاسة الوزراء لفترة ثانية، بموجب اتفاق تم بوساطة إيرانية، لينهي 8 شهور من التأزم السياسي ويسمح للمالكي، وهو شيعي أيضا، بتشكيل حكومته الجديدة منذ أسبوعين.

والمعروف أن التيار الصدري يسيطر، على الأقل، على 8 من بين أكثر من 20 وزارة في حكومة المالكي الجديدة وتعهد بالعمل كشريك كامل في الحياة السياسية، إلا أن عودة الصدر تفتح الباب أمام تساؤل حول ما إذا كان سيسعى لإعادة التأكيد على نفوذه فقط عبر سبل سياسية، أم أنه سيلجأ إلى العنف. وعن ذلك، قال جيه. سكوت كاربنتر، الذي عمل نائبا لمساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى خلال فترة صعود الصدر، وأكثر صداماته مع القوات الأميركية عنفا: «هذا هو التساؤل الذي يثير فزع الجميع».

من ناحية أخرى، اتسم رد فعل وزارة الخارجية الأميركية بالحذر تجاه نبأ عودة الصدر، حيث أعلنت أنها شأن داخلي يخص العراقيين. واعترف المتحدث الرسمي باسم الوزارة بي جيه كراولي بأن الخطابات النارية التي أطلقها الصدر أسهمت في تأجيج أعمال العنف المعادية للأميركيين، لكنه استطرد قائلا إن «ما سيحدث معه مستقبلا أمر يخصه هو والحكومة العراقية».

وكان الصدر، الذي يعتقد بأنه في الثلاثينات من عمره، قد اكتسب شهرة كبيرة عام 2003 باعتباره أقوى خصوم الولايات المتحدة بين الشيعة. وبحلول عام 2004، كان «جيش المهدي» التابع له يخوض معارك متفرقة مع القوات الأميركية في شوارع بغداد والنجف. وقد فر إلى إيران في مطلع عام 2007، بعد قرار الرئيس جورج بوش بزيادة أعداد القوات الأميركية، خوفا من أن تجري مطاردته طبقا لأمر بإلقاء القبض عليه صدر عام 2004 بخصوص مقتل رجل دين شيعي منافس. وقال الصدر إنه رغب في نيل مرتبة «آية الله»، وكان يدرس في قم، المركز الرئيسي للعلوم الشيعية الإسلامية داخل إيران. وقال الصدر إنه كان يعمل تحت قيادة آية الله كاظم الحائري، وهو رجل دين إيراني أصبح مرشدا دينيا رفيع المستوى بعد اغتيال والد الصدر، الذي حمل لقب «آية الله العظمى»، على يد قوات صدام حسين عام 1999. إلا أن الكثير من التحليلات أشارت إلى أنه بات واضحا الآن أن سفر الصدر إلى إيران لم يكن لأغراض دينية فحسب، وإنما لأخرى سياسية أيضا. وفي هذا الصدد، قال باباك رحيمي، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو: «غادر الصدر العراق لشعوره بانحسار نفوذه السياسي ورأى أن بإمكانه استعادة نفوذه عبر التحول إلى سلطة دينية. الآن، تبدلت الأمور. وقد نال هذا النفوذ بالفعل. وقد نجح في جذب انتباه المالكي وهو يعود الآن كشخص واثق من نفسه ولديه اعتقاد بأنه حان الوقت كي يضطلع بدور مهم في الحياة السياسية العراقية».

وبعد وصول الصدر بالطائرة إلى النجف، أعلن متحدث رسمي باسم مكتب الصدر في المدينة أنه ينوي نقل دراساته الدينية إلى مركز ديني شيعي بارز في النجف، مضيفا أن الصدر «سيعلن أجندته على الملأ» في الأيام المقبلة. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، تبادل الصدر والمالكي علانية الأحضان خلال اجتماع عقد في قم، لينهيا بذلك سنوات من العداء المرير بلغت ذروتها في محاولة المالكي عام 2008 تدمير «جيش المهدي». وتوقع الكثير من العراقيين أن الصدر لن يجرؤ على العودة إلى العراق خشية احتجازه، لكن عودته توحي بأن التفاهم الذي توصل إليه مع المالكي يشمل ضمانات بعدم إلقاء القبض عليه. وقال خالد الأسدي، عضو البرلمان والمتحدث الرسمي باسم ائتلاف «دولة القانون» التابع للمالكي، إن عودة الصدر مرحب بها، لكن الحكومة لن تعلق عليها. وأضاف: «فيما مضى، كانت هناك ظروف تمنع من عودته. الآن، تبدل الوضع».

وأعرب رحيمي عن اعتقاده بوجود ثغرات كبيرة فيما هو معروف عن التعليم الإسلامي الذي تلقاه الصدر في إيران، وأنه كانت هناك تلميحات بأن الصدر كان يدرس بدرجة أكبر في طهران، تحت توجيه محمد تقي مصباح يزدي، المستشار الروحي للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وقال أحد الأنصار البارزين للصدر في النجف إن الصدر كان يدرس تحت توجيه رجل دين مقرب من المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي. وقال رحيمي: «الأمر الذي يبدو أكثر احتمالا أنه تلقى تدريبه الديني على يد رجل دين متشدد صاحب نفوذ.. وبالتالي يحظى بمساندة طهران».

من جانبه، قال مهدي خلاجي، الزميل البارز لدى «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» الذي درس 14 عاما في قم لينال لقب «آية الله»، إنه بغض النظر عمن كان يعمل معه، تبقى الحقيقة أن الصدر لم يدرس لفترة طويلة بما يكفي لأن يصبح آية الله، ولم يكن من بين العدد الضئيل داخل قم الذين عرف عنهم أنهم يخوضون دورات دراسية رفيعة المستوى.

أما بالنسبة إلى أنصاره داخل النجف، فقد حملت مؤهلات الصدر الأكاديمية أهمية أقل عن حضوره. وفي خضم حشد بالآلاف خارج منزل الصدر، الأربعاء، أعلن علي الأسدي (33 عاما) أنه عضو في «جيش المهدي»، وأشار إلى أنه من المهم عودة الصدر إلى العراق في هذه الفترة الحساسة التي تستعد خلالها القوات الأميركية للانسحاب، وقال: «نحمد الله على عودة قائدنا الصالح الحكيم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»