مسؤول «الإخوان» في الغرب: الصدام مع الحكومة المصرية ليس واردا في ثقافة الجماعة

إبراهيم منير لـ«الشرق الأوسط»: التنظيم الدولي يتحرك في الضوء ويعلم أن كل العيون والآذان ترصد خطواته

إبراهيم منير («الشرق الأوسط»)
TT

أثارت النتائج الصفرية لجماعة الإخوان المسلمين في انتخابات مجلسي الشعب والشورى الأخيرتين في مصر، حالة من الصدمة والجدل الحاد داخل صفوف الجماعة، وبين المراقبين للحركة الإسلامية بصفة عامة. وفتحت تلك النتيجة باب التكهنات حول شكل العلاقة بين الجماعة والنظام خلال الفترة المقبلة، وأثير عدد من التساؤلات حول من يتحمل مسؤولية «الخروج الكبير»، لا سيما أن مكتب إرشاد الجماعة الجديد تولى مهامه مطلع عام 2010 بعد أزمة طاحنة لم تتعرض لها الجماعة منذ 5 عقود. «الشرق الأوسط» توجهت بالأسئلة عبر البريد الإلكتروني إلى إبراهيم منير، مسؤول التنظيم الدولي لـ«الإخوان» في الغرب، المتهم الأول غيابيا في قضية تمويل التنظيم. وأكد منير أن «قتل النفس أيا كان دينها أو مذهبها من دون ذنب هو عدوان وبغي، وترويع الناس من دون جريمة هو جريمة أيضا ولا يختلف على ذلك أحد». وقال إنه يدعو الله ليل نهار أن يكون الجاني أو الجناة في حادث كنيسة الإسكندرية غير مسلمين وغير مصريين. وبالنسبة لنتيجة الانتخابات الأخيرة، قال «الرقم (صفر) سيؤثر على مسيرة «الإخوان» في عام 2011، وسيكون الأثر إيجابيا، وكما يقول المثل المعروف (الضربة التي لا تقتلني تقويني)». وجاء الحوار على النحو التالي..

* جماعة الإخوان المسلمين أصدرت بيانا أدانت فيه عملية التفجير التي حدثت أمام الكنيسة في الإسكندرية، فمن تظنون أنه وراء هذا التفجير، وهل هو تنظيم القاعدة كما جاء في بيان صادر عنه من العراق.. وهل يكفي البيان الصادر من «الإخوان» لغسل يديها من العملية كلها؟

- أما أن جماعة الإخوان قد أصدرت بيانا تستنكر فيه الحادث وتصفه بأنه خارج عن شرع الله سبحانه وتعالى فهو أمر واجب، لأنها شهادة لا يمكن لإنسان يخشى الله عز وجل أن يكتمها، فقتل النفس أيا كان دينها أو مذهبها من دون ذنب هو عدوان وبغي، وترويع الناس من دون جريمة هو جريمة أيضا، ولا يختلف على ذلك أحد. وقد عانت الأمة طوال تاريخها من أمثال هذه الأحداث، ولا ندري حتى الآن من يقف حقيقة وراء هذا الحادث الآثم، فأجهزة الدولة الرسمية هي المنوط بها البحث والتدقيق العادل من دون تحيز، ونرجو أن يكون الجاني أو الجناة غير مسلمين وغير مصريين، فكفى الأمة ما تجره عليها بعض الفتاوى التي لا تستند إلى شرع صحيح وما أسالته من دماء وما سببته من خراب. والجماعة في النهاية فصيل من فصائل مصر السياسية والوطنية، ولا تملك إلا التعبير عن رأيها في مثل هذه الحوادث، وتبصير الناس بعدم شرعيتها أولا ثم بخطورتها على الوطن ككل وعلى مستقبل تماسك الشعب في مصر، والدولة هي المنوط بها اتخاذ كل الإجراءات التي تحقق للناس الأمن على أرض بلدهم.

* في رأيكم.. ما سبب هذه الأزمة الطائفية التي برزت فجأة في مصر بطريقة لم يشهد لها البلد مثيلا؟

- صحيح أن مصر لم تشهد مثيلا لهذه الأزمة في تاريخها، لكننا نعيش حقبة غريبة بدأت في عهد الرئيس السابق أنور السادات، بنفي رأس الكنيسة الأرثوذكسية البابا شنودة في أحد الأديرة عقب أزمة سياسية طالت المجتمع كله، ثم اعتقال كل رموز المعارضة تقريبا فيها، ومع بداية عهد الرئيس مبارك دارت العلاقة بين الكنيسة والدولة في محاور شد وجذب غير معلنة للناس، وإن كان الكل يدركها، وسادتها ضبابية لا تريح المسيحي ولا المسلم، وساعد على هذه الضبابية انتفاء رؤية سياسية واضحة لإدارة الحراك في المجتمع، واحتكار المجموعة الحاكمة لمنافذ معرفة الحقائق تاركين للناس الإيغال في تأويلات تتناقض بين من يرى أن الدولة تقف ضد توجهات الكنيسة لعدم إصدارها قوانين تطلبها ومن يرى أن الدولة تنصاع تماما لرأي الكنيسة وأوامرها بدليل أن ما تم بناؤه من كنائس في عهد الرئيس مبارك يفوق ما تم بناؤه منذ أكثر من مائة سنة، إضافة إلى أزمة السيدات المسيحيات اللائي قيل إنهن أسلمن فتم تسليمهن للكنيسة، وكل طرف يبني رؤيته على مصادره الخاصة وعلى ما يسمعه من أخبار عن تأثير جماعات ضغط داخلية أو خارجية، وبعد نحو أربعين سنة من هذه الضبابية ظهر هذا التوتر الذي لا يُسأل عنه الناس وإنما يُسأل عنه النظام.

* هل من حل أو علاج؟

- الحل والعلاج قريبان جدا إذا اضطلعت الدولة بمسؤولياتها بشكل كامل، ويتميزان بسهولة شديدة، وذلك بأن يتم نشر كل الحقائق على الناس، وأن يتخلى أساتذة النظام عن احتكارهم المنفرد للرأي والحلول، وعن مراعاة القوى الخارجية على حساب مصلحة مصر والمسيحيين والمسلمين فيها، وأن يتم تفعيل القوانين القائمة على الجميع وعرض ما يتطلب التغيير أو التطوير على برلمان منتخب انتخابا صحيحا لتأخذ هذه القوانين الصفة الشعبية والإجبارية.

* من وجهة نظركم.. الرقم «صفر» في الشعب والشورى في الانتخابات البرلمانية هل هو نهاية العالم.. وهل سيؤثر ذلك على مسيرة «الإخوان» في 2011؟

- الحقيقة أن تعبير الرقم «صفر» في انتخابات الشعب والشورى قد يكون صادما لمن لا يعلم حقيقة الواقع على الأرض في مصر، فهذا الرقم هو قرار من أدار العملية الانتخابية وخطط لها، وكانت النتائج موجودة عنده قبل أن يأتي يوم الانتخابات وتوزع الصناديق مع أوراق الترشيح على الدوائر الانتخابية، وكانت قائمة أسماء أعضاء مجلس الشعب الجديد كاملة في يده، وربما مع أسماء الأعضاء العشرة الذين يعينون بقرار جمهوري، بما يعني أن الرقم لا يمثل حقيقة الوجود الشعبي الإخواني في مصر، كما أنه لا يمثل حقيقة الوجود الشعبي للحزب الوطني الذي لم ينشأ بقانون ولا يوجد له أي سند قانوني من القوانين الخاصة بتشكيل الأحزاب يسمح له بالعمل.. وبالتالي فليست هذه الجولة هي نهاية العالم، إلا إذا كان مقصودا بها الحزب الوطني الحاكم، وأنا أتوقع ذلك، ويشاركني في هذا التوقع كثيرون من المصريين من كل الاتجاهات السياسية.

وبالتأكيد فإن الرقم «صفر» سيؤثر على مسيرة «الإخوان» في عام 2011، وسيكون الأثر إيجابيا بإذن الله وفضله.. فكل الضربات التي تلقتها جماعة الإخوان المسلمين طوال تاريخها لم تستطع وبرحمة الله تعالى وحده أن تقتلعها، وبالتالي وكما يقول المثل المعروف «الضربة التي لا تقتلني تقويني».

ومرة أخرى أؤكد أن القراءة الصحيحة للأحداث المتوقعة في 2011 ستدفع بالجماعة إلى صدارة العمل السياسي والدعوي في مصر، وستشهد الفترة القادمة بأمر الله غيابا واضحا لشخصيات ارتكبت وارتكنت إلى الرقم «صفر» الذي هوى بهم فعلا بعيدا بمجرد إعلانه، وقد يشهد هذا العام تحديدا حل مجلس الشعب الذي لن يستطيع أن يتحصن خلف التعبير المشهود «سيد قراره» وهو يواجه سيلا من أحكام بطلان لأعضائه صادرة من المحاكم العليا.

* هل هناك حالة من الجدل داخل صفوف الجماعة حاليا وبين المراقبين للحركة الإسلامية بصفة عامة بسبب تلك النتائج.. وهل توقعتموها قبل الانتخابات؟

- نعم هناك حالة من الجدل، حيث إن ما حدث في الانتخابات فاق أسوأ ما كان يتصوره المراقبون محليا وعالميا، وبتعبير مصري خالص ظهر في بعض وسائل الإعلام قال عن هذه الانتخابات إن «الطبخة شاطت» أي احترقت ولم تعد صالحة للتناول ومكانها سلة المهملات مهما حاول المتسبب فيها تجميلها بكلام لا يسمن ولا يغني من جوع. وحقيقة فلم يكن أحد يتوقع أن تأتي النتيجة بهذه الصورة، رغم أن كل الانتخابات التي جرت في مصر لم تخل من تزوير الإدارة، لكن بنسب متفاوتة، أما هذه المرة فكانت أسوأ انتخابات شهدتها مصر طوال تاريخها على الإطلاق، والجدل داخل الجماعة لا يدور حول صحة المشاركة فيها من الأصل أو خطأ هذه المشاركة، لكنه يدور (إذا اعتبرناه جدلا) حول سياسة مرحلة قادمة لم يكن هناك توقع كامل لبداياتها، أضيفت إليها صورة النظام بعد حدوث الانفجار في الإسكندرية.

* بعد حرمان «الإخوان» من أهم منابرهم للظهور والوجود في المشهد السياسي المصري، ما الموقف في الفترة المقبلة.. هل ستلجأ الجماعة إلى تجنب حالة الجمود السياسي بمزيد من التنسيق مع القوى الوطنية ومساندة رموز المعارضة؟

- هذا السؤال يشمل كل القوى السياسية في مصر وليس «الإخوان» فقط، وسيحرص «الإخوان» على التنسيق معها لتجاوز الانتخابات المزورة، لكن حالة الفراغ السياسي التي دخلها البلد بعد أربعين سنة من احتكار الحزب الوطني للعمل في مصر، وكانت نتيجتها تدهور الأوضاع في كل المناشط الداخلية والخارجية، ستشكل إرثا ثقيلا نرجو أن يكون الجميع جادا ومخلصا في التخلص منه.

* ما دور مجلس الشورى العالمي والتنظيم الدولي في الانتخابات الأخيرة.. هل كان هناك تنسيق مع «إخوان» الخارج؟

- أي تجمع إخواني في أي قطر من العالم يدير أمره بما يناسب مصلحة بلده وشعبه في ضوء الثابت الصحيح من القرآن والسنة وهما العروة الوثقى التي نسأل الله سبحانه للجميع القبض عليها فهي الطريق الوحيد لتحقيق آمال الأمة جميعا وأهدافها.

* من يتحمل مسؤولية «الخروج الكبير».. وما شكل العلاقة بين الجماعة والنظام خلال الفترة المقبلة، هل ستتأزم العلاقة خلال المرحلة المقبلة، لأن «الإخوان» باتوا بلا نواب بمجلس الشعب، خصوصا أن الـ88 نائبا كانوا يقومون بدور همزة الوصل مع الحكومة، ويقللون من مساحات الصدام؟

- النظام وحزبه هما المسؤولان عن هذا الخروج، وأتوقع أن النظام الذي فوجئ بأسماء الشخصيات التي من المفترض أن تنافسه على رئاسة الدولة وتم إدخالها إلى مجلس الشعب قد شعر بحرج إن لم يكن بصدمة، فأحد هؤلاء الأشخاص لديه سجل جنائي غير نظيف، وسيكون أمرا مهينا للشعب المصري كله إذا ظهر هو أو «الإخوان» كمنافسين على منصب الرئاسة، مما سيلحق ضررا كبيرا وأذى معنويا بهذا المنصب، ولهذا السبب تحديدا وبسبب رد الفعل المحلي والعالمي على ما حدث في الانتخابات، وفي وجود بعض أصوات العقلاء في بعض مراكز القرار، ثم بالأداء السلبي جدا للحزب الوطني الذي يدعي أنه يمتلك شعبية كبيرة في أزمة تفجير الكنيسة، فإنني أتوقع أن يسعى النظام ولو بخطوات بطيئة حفاظا على كرامته بإصلاح ما أفسده أتباعه، ومسألة الصدام مع الجماعة ليست واردة في ثقافة الجماعة ولا خططها، وما أتوقعه أن النظام سيجنح هو أيضا إلى تفاديه، وأرجو وفي ظل اختلال موازين العدل ألا يكرر مسألة الاعتقالات العشوائية الظالمة التي وصل عددها في العام الميلادي الماضي إلى أكثر من ستة آلاف حالة اعتقال لأفراد من «الإخوان المسلمين» من دون أي ذنب أو جناية.

* هل من لوم يوجه إلى المكتب الجديد للإرشاد عن نتائج الانتخابات؟

- لا على الإطلاق، فالمكتب استشار واستخار، وكان قراره معبرا عن رغبة القواعد الإخوانية وبأرقام ونسب أعلنها خاصة بقرار المشاركة في الجولة الأولى ثم بقرار الانسحاب بعدها.

* هل يمكن أن ترسم لنا صورة «الإخوان» بلا نواب خلال السنوات المقبلة في الشارع المصري.. جماعة تنظيمية تجنح إلى التربية والدعوة، أم بلا صخب أو ضجيج؟

- سيظل «الإخوان» إن شاء الله على تواصلهم مع الشارع المصري في المدن والقرى، مشاركين الناس همومهم ونشاطاتهم، وستكون لهم بعون الله مساهمات غير قليلة في العمل النقابي الذي تحرر بحكم قضائي نهائي من سيطرة اللجان التي فرضها الحزب الوطني وأفسدته وأهدرت مدخراته وأضاعت مكتسباته التي كانت سندا لأعضائه. ولعل السنوات القادمة ستكون أشد سخونة في العمل الوطني من سابقاتها، ولن ينسى «الإخوان» التربية والدعوة فهما أساس وجودها، ولم يسع «الإخوان» طوال تاريخهم إلى إحداث ضجيج أو صخب، وإذا حدث ذلك في بعض الأحداث التاريخية فإنه لم يكن بسببهم هم.

* قبل نتيجة «الصفر»، كم مقعدا كنت تتوقع شخصيا حسمها لصالح «الإخوان».. وهل الخروج كان صدمة لـ«الإخوان» في الغرب؟

- شخصيا كنت أتصور في من أدار العملية الانتخابية أنه يتمتع بقدر من الحنكة، وسيضع «الإخوان» في موقف حرج ويسمح بمرور عدد قد لا يتجاوز العشرة من النواب على أساس أن هذا الرقم سبق أن حدده الرئيس للعدد المسموح به لـ«الإخوان» في البرلمان في انتخابات سابقة، وعندها يمكن أن يقال إن هذا هو حجم «الإخوان» في الشارع المصري، وكان يمكن أن يحدث ذلك بلبلة حقيقية سواء داخل الصف الإخواني أو خارجه، أما أن الأمر كان صدمة، ففعلا كان صدمة، ليس بخروج «الإخوان» (بالصفر)، لكن لسوء إدارة العملية الانتخابية التي تورطت فيها الأجهزة الرسمية للدولة فأساءت إليها أيضا، وهي الأجهزة التي ما زال الناس ينتظرون منها أو يعلقون عليها الآمال أن تلتزم بالدستور والقانون اللذين أقسمت بالله على الالتزام بهما والدفاع عنهما.

* من يتحمل مسؤولية عدم تطوير الجماعة لخطابها أو برنامجها، مكتب الإرشاد أم المرشد العام.. وهناك انتقادات أن من أسباب سقوط «الإخوان» عدم تجديد الجماعة لخطابها أو ميلها للخطاب الديني أكثر بما لا يتناسب مع الدولة المدنية؟

- أنا شخصيا لا أدري معنى التطوير هنا، وليقل لنا أحد معناه ومضمونه ليسهل الرد والتقييم، فقديما (على سبيل المثال لا الحصر) قالوا إن «الإخوان» ضد المشاركة في الانتخابات البرلمانية، ثم فوجئوا بأن الإمام حسن البنا - يرحمه الله - شارك فيها، وكانت له فيها رؤى شرعية واضحة.. وقالوا إن «الإخوان» ضد الأحزاب بناء على حديث للإمام المؤسس، وتغافلوا أنه كان يتحدث عن أحزاب ثبت فشلها وأجمع الجميع على هذا الفشل بعد تحرك الجيش عام 1952.. وقالوا إن «الإخوان» ضد مشاركة المرأة في الحياة العامة، وتجاهلوا أن هذه المشاركة وكما حددت الجماعة لا بد أن تكون أولا في حدود شرع الله من دون تجاوز ومتواكبة مع أعراف المجتمعات والناس التي ستظل مختلفة إلى ما يشاء الله، وتاريخ جماعة الإخوان المسلمين يشهد على إسهامات المرأة في العمل العام وفق هذه الشروط.. وقالوا إن «الإخوان المسلمين» تضع التنظيم والحفاظ عليه قبل المبادئ وهذا غير صحيح أولا، ثم إنه كيف ندعو الناس في ظل الحياة الحديثة وما تعارف عليه الناس من أحزاب وهيئات وجمعيات ثم يصر البعض على أن يظل فكر «الإخوان» بلا جماعة تتعاهد على حمله وتحت أي مسمى مع التأكيد على أنها لا تدعي أنها جماعة المسلمين أو أنها تحتكر تمثيل الإسلام وفكره وتمنع غيرها من أن يعمل للإسلام تحت أي فكر ما دامت حدود الله وشريعته واضحة دون الابتداع؟

وربط معنى التطوير الغامض بما يقال إنه سبب سقوط «الإخوان» في الانتخابات هو ربط غير حقيقي، فلم تكن هناك انتخابات أصلا، والكل يعلم ذلك.. أما الحديث عن أن الميل للخطاب الديني لا يتناسب مع الدولة المدنية فأمر يحتاج أيضا إلى تجريد وتصنيف، مع العلم بأن بعض من ينتقد عمل «الإخوان» في المرحلة السابقة يبني نقده على أساس أن خطاب «الإخوان» أوغل في السياسة بعيدا عن الخطاب الديني.

* من وجهة نظرك.. ما أولويات المرحلة المقبلة؟

- في تصوري أن أولويات العمل في المرحلة المقبلة يمكن أن تسير بالتوازي، بسبب وجود مرشد عام جديد ومكتب إرشاد جديد، وبسبب ضغط الأحداث وتطوراتها، فاستكمال ما بدأته الجماعة منذ فترة في ما يخص اللوائح الداخلية والاهتمام بمناهج التربية والتكوين الداخلي لا بد أن يسير بالتوازي مع العمل الوطني الذي يشمل التنسيق مع القوى الوطنية، مثل إحياء دور النقابات المهنية لدفع دماء الحياة في الطبقة الوسطى في مصر التي كادت تختفي. أما على المستوى الخارجي فلا بد من استمرار الاهتمام بالقضايا العربية والإسلامية، والقضايا الإنسانية والعالمية التي تجري على الكوكب الذي نعيش فيه مع الناس ونتشارك في مستقبله.

* من وجهة نظركم، هل هناك اتصالات للتنسيق بين «إخوان» الداخل وأحزاب المعارضة، خصوصا «الوفد» الذي قاطع هو الآخر الانتخابات؟

- نعم هناك اتصالات للتنسيق بين «الإخوان» وأحزاب المعارضة، خصوصا مع حزب الوفد، ولعل أحداث التفجير في الإسكندرية ثم رفع يد النظام عن النقابات المهنية، إضافة إلى كارثة الانتخابات التشريعية، تكون دافعا إلى إنجاح هذا التنسيق، ومنهاج «الإخوان» للعمل الوطني دائما هو المشاركة لا المغالبة، فأحوال مصر كلها لا يمكن لأي فصيل وحده القيام بها بعد سنوات سيطرت فيها مجموعة قليلة على القرار باستخدام الإدارة الحكومية من دون مشاركة أو رقابة شرعية حقيقية، مما أدى إلى ما أصبحت فيه مصر الآن من انتكاس أعادها إلى أكثر من نصف قرن إلى الوراء.

* ما موقف «الإخوان» من حزب التجمع اليوم؟

- من الإنصاف أن يسأل حزب التجمع أولا عن موقفه من «الإخوان»، والذي تجاوز الخلاف المشروع حول الآراء والأفكار إلى غيره من التجريح، ومع ذلك فموقف «الإخوان» من حزب التجمع يدور بين أمرين، أولهما خاص ببعض الشخصيات التي نختلف معها فكريا ونكن لها كل الاحترام والتقدير لأنها صاحبة رؤية واضحة واختصاص علمي يمكن أن يستفيد منه الوطن، والأمر الآخر هو الموقف من الحزب نفسه ولا يختلف عما كان عليه منذ سنوات في ظل رئاسته الموجودة الآن الطاردة لبعض أفضل الكفاءات فيه والتي تتهم قيادة الحزب (وليس نحن) بأنها أصبحت تابعة للحزب الوطني، وبأن البعض فيه يتلقى أموالا من جماعات ضغط سياسية مصرية في الخارج وينسق معها في سياساتها، كما ذكر أحد أبرز الخارجين من الحزب وهو الأستاذ جمال أسعد عبد الملاك.

ومع ذلك سيواصل «الإخوان» مد يد التعاون والتنسيق في سبيل مصلحة مصر، متعالين على السهام الجارحة التي توجه باستمرار إليهم من بعض المنتسبين إلى هذا الحزب. وشخصيا فإنني أرجو أن يقوم المخلصون لبلدهم في الحزب، وهم ليسوا قلة، بإعادته إلى المسار الصحيح كقوة معارضة للفساد وليست مهادنة أو تعمل بالتنسيق معه.

* ماذا عن التحرك المستقبلي مع الدكتور البرادعي، وهل ستنضم شخصيا إلى الجمعية الوطنية للتغيير، أم أن هناك نوعا من التنسيق؟

- الذي يجيب عن هذا السؤال هو الدكتور محمد البرادعي نفسه، وقد وعد الرجل بتخفيف التزاماته الخارجية للمشاركة بفعالية كرمز للتغيير على أرض مصر، وهناك تنسيق للجماعة معه ومع الجمعية الوطنية للتغيير، وموقفي الشخصي كفرد من «الإخوان» مرتبط بسياسة الجماعة، وإذا طلبت مني أن أشارك بشخصي فلن أتأخر بإذن الله.

* ما رؤيتكم لعمل البرلمان البديل (الموازي)، وما جدواه، وهل يمكنه الصمود بعد انضمام «الإخوان» إليه، وهل يمكن التحرك ضد البرلمان الحالي من وجهة نظركم بدعاوى قضائية مثلا؟

- الدعاوى القضائية التي بلغت أكثر من ألف دعوى كفيلة بإذن الله بحل هذا المجلس، وستفقده أي شرعية، وستوجد فراغا تشريعيا، والبرلمان الموازي معمول به في بعض الأقطار وليس بدعة سياسية جديدة، وبالطبع فلن يستطيع إنفاذ تشريعات أو قوانين، وإنما سيظل يطارد البرلمان الحالي، وكما يقول الناس البسطاء فإن شبح القتيل يظل يطارد القاتل حتى يقتص منه، وكذلك سيفعل البرلمان الموازي مع البرلمان المزيف، وصمود البرلمان الموازي بعد انضمام «الإخوان» إليه أو عدم صموده موكول إلى إذن الله وحده.

* يلاحظ أن نشاط التنظيم الدولي في الغرب انخفض بصورة كبيرة، فهل هناك تنسيق مع «إخوان» الداخل حول المرحلة المقبلة؟

- لكل حادث حديث، ولكل مرحلة سياساتها، والكل يعلم أننا نتحرك في الضوء، ونعلم أن كل العيون والآذان ترصد خطواتنا، ولا نقوم بشيء يخالف شرع الله أو يخرق قوانين وأمن البلاد التي نعيش فيها، ولا نقبل أمانة للفكرة التي نحملها بأن نغش أحدا أو نكذب على الناس ونقول بأفواهنا ما ليس في قلوبنا.

* هل من أنباء جديدة عن قضية التنظيم الدولي المدرج فيها اسمك غيابيا بزعم جمع تبرعات وقيادتك لهذا التنظيم، وكيف ستدفع عنك هذه الاتهامات؟

- القضية تم تأجيل النظر فيها للمرة الخامسة، ومقرر أن تعقد جلسة لها يوم 10 من هذا الشهر، في حضور متهم وحيد هو الدكتور أسامة سليمان صاحب شركة الصرافة، لسماع الشهود الذين لا وجود لهم حسب علمي، غير ضابط أمن الدولة، والقانون لا يسمح بأن يدافع عن المتهمين الغائبين أحد.