رئيس وزراء المجر يستهل رئاسته الأوروبية بمهاجمة منتقديه

أوروبان كان أحد مهندسي الإطاحة بالشيوعية وفجر جدلا واسعا بقانون للإعلام في بلاده

TT

عادة ما تستهل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي رئاستها للاتحاد، التي تمتد لستة أشهر، بحماسة سياسية تحدوها آمال كبيرة في صياغة الأجندة الأوروبية ورفع مكانتها بين دول الاتحاد. لكن الأمر كان مختلفا بالنسبة للمجر التي تولت رئاسة الاتحاد مطلع العام الجديد، فقد كانت دائرة الضوء أكثر قسوة، حيث يواجه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبان عاصفة من الاتهامات بتقويض سياساته القومية لحرية الصحافة واستهداف الشركات الأوروبية الغربية. وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقد في البرلمان المجري، رد أوروبان بشدة على هذه الانتقادات مشيرا إلى أنها بداية خاطئة، وانطلق للرد على الاتهامات. وتعكس الانتقادات القلق بشأن أوروبان، الذي عاد إلى السلطة بعد غياب ثماني سنوات وإحكامه قبضته على السلطة هناك. بيد أن المخاوف الحقيقية تنبع من القلق الأوروبي بأن الاتحاد لن يملك الكثير من الأدوات لترتيب أولوياته إذا ما هددت الديمقراطيات الناشئة بالاتجاه إلى الاشتراكية. وخلال المؤتمر الصحافي شن أوروبان هجوما على منتقدي مساعيه للسيطرة على مقاليد الأمور، حيث شبهوه برئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، بل حتى برئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، موجها الاتهامات إلى فرنسا وألمانيا اللتين انتقدتا قانون الإعلام الجديد الذي يوسع إلى حد بعيد من سلطات الدولة في مراقبة ومعاقبة المنابر الإعلامية الخاصة بإهانة المجر. وقال أوروبان: «في الفترة من عام 1998 إلى عام 2002 قالت عني الصحافة الغربية إنني أحد مخلفات هتلر وإيل دوتشي، والآن يقارنونني ببوتين والرئيس البيلاروسي. أنا سأترك لكم الحكم فيما إذا كانت البلاد تشهد تقدما من عدمه».

ومن منبر كتب عليه شعار «أوروبا قوية»، وصف أوروبان التعليقات السلبية بشأن قانون الإعلام بأنها إهانة موجهة لبلاده. وقال: «دون معرفة وفهم دقيقين لنص قانون الإعلام، لا يحق لأي دولة، ومنها فرنسا، أن تنتقد أو تسأل المجر القيام بأي شيء. لذا أود أن أسأل الحكومة الفرنسية أن تعود إلى مستوى المناقشة العقلانية والواضحة». وكانت المجموعات ذات التوجهات اليسارية والليبرالية في البرلمان الأوروبي قد عبرت عن قلقها إزاء توجهات أوروبان. وقال مارتن شولز، زعيم تيار يسار الوسط في بيان له أثار إمكانية فرض عقوبات على بودابست: «لا يمكننا السماح للمجر أو أي حكومة بانتهاك المبادئ الجوهرية للاتحاد الأوروبي». غير أنه لا يتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد لأنها لا تطبق فقط سوى على خرق واضح لقوانين الاتحاد الأوروبي.

نال أوروبان شهرته كواحد من مهندسي الإطاحة بالشيوعية في المجر، وقضى عاما كاملا في جامعة أكسفورد في إنجلترا تحمل تكلفتها الممول وصاحب الأعمال الخيرية المؤيد للديمقراطية جورج سوروس. شغل أوروبان منصب رئيس الوزراء للمرة الأولى عام 1998 رافعا شعار القومية المجرية، معززا صورته كأب لخمسة أبناء يرتاد الكنائس وكمشجع لكرة القدم. ويشتهر أوروبان بالكاريزما السياسية والمكانة الكبيرة التي يحظى بها كزعيم لحزب يمين الوسط «فيدسز» الرئيسي في البلاد، ثم عاد ليتولى منصب رئيس الوزراء في أبريل (نيسان) الماضي في أعقاب الانتصار الكاسح الذي حققه حزبه. وعلى الرغم من التحول السلمي للمجر من الشيوعية إلى الديمقراطية، لم تشهد سياستها أي نوع من التقلب. ومع تراجع اقتصادها الآن ـ بعد أن كانت نجما ساطعا في التسعينات ـ متأثرة بالعديد من الدول الأخرى في شرق أوروبا. وقد أدت الأزمة المالية إلى ارتفاع نسبة البطالة والفقر خاصة في المناطق الريفية. وقد رفض أوروبان العام الماضي فكرة الحصول على قروض جديدة من صندوق النقد الدولي، ولجأ بدلا من ذلك إلى ما وصفه جيورجي ماتولكسي وزير المالية المجري بالإجراءات الصارمة لاستعادة السيطرة على الإنفاق العام، التي من بينها أزمة الضرائب التي فرضت على الشركات الكبرى، وهي الخطوة التي عززت الشكاوى للاتحاد الأوروبي من 13 شركة من أوروبا الغربية قالت إنها استهدفت بصورة غير عادلة. ونفى أوروبان الادعاءات بأن الشركات الأجنبية تم استهدافها، قائلا إن مصرفا وشركة للطاقة مجريتين كانتا من بين الشركات التي تلقت الضربة الأقوى. وقال أندراس بوزوكي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأوروبية المركزية في بودابست: «يشبه الكثيرون أوروبان بفلاديمير بوتين و(الرئيس الفنزويلي) هوغو شافيز في مجال السياسة الاقتصادية، وأعتقد أن ذلك نوع من المبالغة». وأضاف: «إنه اشتراكي نفعي يحمل قضايا أقصى اليمين. وربما يميل أوروبان لأن يشبه نفسه بأتاتورك الجديد أو ديغول الجديد الذي ربما يوصف بالديكتاتور من قبل معاصريه، لكن التاريخ سيبرر أفعاله». وأشار إلى أن أوروبان قد يمنح حق التصويت للأقلية العرقية التي تعيش في الخارج، في خطوة يرى النقاد أنها ستساعده في تعزيز أغلبيته السياسية. لكنه اعترف أنه ربما يكون قد أخطأ في حساباته عبر تقديم قانون الصحافة قبل دخول المجر إلى بؤرة الضوء في الاتحاد الأوروبي، فالتشريع الجديد يفرض التزامات على وسائل الإعلام، من بينها الميزانية، وتقديمها لمجلس يعينه البرلمان قادر على فرض غرامات على وسائل الإعلام. وقد انتقدت منظمة الأمن والتعاون الأوروبي القانون الجديد، فيما كان مفترضا أن يسعى رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو لإثارة القضية خلال لقائه أوروبان في بودابست يوم أمس. وقال أوروبان للصحافيين إن العناصر الأساسية للقانون موجودة في الدول الأوروبية، وإنه لا يوجد سبب لأن تقترح المفوضية تغييرات في المجر إذا لم تطلب الدول الأخرى تغيير وضعيتها. لكنه ترك الباب مفتوحا لإدخال تغييرات على القانون إذا ما أصرت المفوضية على ذلك.