مسلمو الجنوب سيصوتون للانفصال: انتشار المساجد في جوبا يؤكد حرية الأديان

بينهم مقاتلون حاربوا مع الحركة الشعبية ضد الشمال 18 عاما.. وقالوا إن عدم الانفصال سيؤدي إلى ثورة ثالثة

أبو عبيدة مسلم من جنوب السودان بالجلباب في إحدى الأسواق في جوبا (أ.ف.ب)
TT

يؤكد مسلمو الجنوب السوداني الأصليون أنهم جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة ولا يخفون في المقابل تأييدهم للانفصال، في الوقت الذي يبدي فيه المسلمون النازحون من الشمال بعض المخاوف على مستقبلهم في حال استقل الجنوب. لكن الأمين العام للمجلس الأعلى لمسلمي جنوب السودان، الطاهر بيور أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن دستور جنوب السودان أكد كفالة حرية الأديان والمعتقدات، وأن جنوب السودان معروف تاريخيا بالتعايش الديني، ولا توجد مشكلة دينية.

ولا يعرف على وجه التحديد عدد المسلمين في جنوب السودان، فلم يجر إحصاء علمي في الجنوب سوى عامي 1956 و1983، وقد خلا إحصاء 1983 من السؤال عن الدين، ولذا لا يوجد غير إحصاء 1956 الذي قدر عدد مسلمي الجنوب بـ18 في المائة والمسيحيين هناك بـ17 في المائة وغير الدينيين (الوثنيين والأرواحيين) بـ65 في المائة. ولكن مجلس الكنائس العالمي أجرى إحصائية في عام 1986، أشار فيها إلى أن نحو 31 في المائة من الجنوبيين هم من المسلمين، وقرابة 48 في المائة من المسيحيين، والبقية تتوزع بين الأرواحيين واللادينيين، وأصحاب الديانات الأفريقية الأخرى.

ويعمل قسم كبير من مسلمي جوبا، عاصمة الجنوب السوداني في التجارة، وهم من الميسورين مقارنة بغالبية السكان التي تعيش في حالة فقر شديد. وقد نظموا أنفسهم في مجلس خاص تحت مسمى «المجلس الإسلامي لجنوب السودان». أبو عبيدة مصطفى كوراك (55 عاما) يرتدي الجلباب الأبيض والعمامة وقد غطى الشيب لحيته الكثة، يقول: «أنا مواطن جنوبي أصلي أتمتع بكل حقوق جنوبيي السودان». من حركته في سوق جوبا الرئيسية في وسط المدينة، ومن التحيات التي تلقى عليه من المارة يبدو أبو عبيدة من النافذين في السوق. وهو نائب رئيس هيئة الشورى في المجلس الإسلامي لجنوب السودان.

يقول أبو عبيدة لوكالة الصحافة الفرنسية: «أنا لن أغادر جوبا بأي حال من الأحوال. لقد قدم جدنا الأكبر إلى جوبا قبل 110 سنوات من ولاية نهر النيل، شمال الخرطوم، وأصبحنا جزءا لا يتجزأ من هذه المدينة». وأضاف: «حصلت أحداث عام 2005 ولم أغادر، وأنا مطمئن إلى أن أسرتنا ستبقى هنا في جوبا». وعن طريقة تصويته غدا أجاب أبو عبيدة: «أنا جنوبي ابن جنوبي والإجابة لا تحتاج إلى سؤال»، في إشارة إلى عزمه على التصويت لصالح الانفصال. وعن تخوفه من تعرض المسلمين لتجاوزات في حال الانفصال، قال: «أنا لا أتخوف ما دامت هناك حكومة في الجنوب لديها دستور وقانون وتحفظ أمن البلد، والأجهزة الأمنية هي التي تضبط الانفلاتات في حال حصولها».

ويعتبر أبو عبيدة أن مشاركة رئيس حكومة الجنوب سلفا كير في المؤتمر الأول لمسلمي جنوب السودان الذي عقد في جوبا في ديسمبر (كانون الأول)، كانت حاسمة لجهة طمأنة المسلمين والشماليين على أملاكهم في الجنوب. ويؤكد أن الزعيم الجنوبي قال أمامهم: «إن أمن المسلمين والشماليين وأملاكهم في الجنوب خط أحمر». وكان المؤتمر الأول لمسلمي جنوب السودان عقد بحضور ممثلين عن عدد من الهيئات الإسلامية من دول عربية وإسلامية وانتهى إلى صدور تطمينات من حكومة الجنوب السوداني بحماية التعددية الدينية في الجنوب وعدم التفرقة بين المسلمين والمسيحيين.

وحول التسامح الديني في الجنوب المسيحي بغالبية سكانه، قال أبو عبيدة، إن «المساجد الكثيرة في جوبا هي الشاهد على الحرية الدينية»، داعيا مسلمي الجنوب إلى «وضع أيديهم في أيدي الحكومة الجنوبية». ويختلف وضع الضابط في الجيش الشعبي لتحرير السودان داود أكيم نوي (48 سنة) عن وضع أبو عبيدة. فهو ولد من أب يعتنق الديانات الأرواحية الأفريقية واعتنق الإسلام بملء إرادته. يقول: «أنا من مواليد ولاية وارات الجنوبية قدمت إلى جوبا مع عائلتي واعتنقت الإسلام لدى بلوغي الـ14 من العمر». ويؤكد داود أنه يعمل في صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان منذ 18 عاما، ولا يجد أي حرج في أن يكون مسلما وأيضا مقاتلا في صفوف الجيش الشعبي، ويؤكد أن نحو عشرة في المائة من قوات هذا الجيش من المسلمين.

تلقى داود دراسات إسلامية في جامعة الخرطوم قبل أن يعود إلى جوبا. ومع دعوته الصريحة إلى الانفصال يعتبر «أن عدم الانفصال سيؤدي إلى ثورة ثالثة» للجنوبيين ضد الشماليين، في إشارة إلى التمرد الجنوبي الأول عام 1955 ثم الثاني عام 1983 الذي انتهى باتفاقية نيروبي للسلام عام 2005. لكن اللهجة تختلف بالنسبة للمسلمين القاطنين في الجنوب منذ سنوات وليسوا من أبنائه، حيث تظهر المخاوف على المستقبل في حال الانفصال. عبد الله يونس (45 عاما) من مواليد الجنينة في إقليم دارفور، قدم إلى جوبا في عام 1985 للدراسة في جامعة جوبا ويعمل حاليا في التجارة. يقول: «التخوف موجود في حال الانفصال وربما قد أجد نفسي مضطرا إلى العودة إلى الشمال»، قبل أن يضيف: «نحن تجار ولا مشكلة لدينا مع أحد وحكومة الجنوب ليس لديها مشكلة معنا وأفضل بالطبع البقاء في جوبا».

الشيخ علالا رمضان، نائب إمام جامع الملكية في جوبا يقول إنه من الشمال ويعمل في التجارة في جوبا منذ الثمانينات. وعن مخاوفه في حال الانفصال قال هذا الرجل الستيني: «كنا متخوفين، لكن الكلام الذي صدر خلال الفترة الأخيرة عن المسؤولين جعلنا نطمئن». وعن احتمال اضطراره إلى العودة إلى الشمال قال: «نحن كتجار نستطيع أن ننتقل، إلا أنني أفضل البقاء في جوبا إذا أمكن».

وفي جوبا يوجد المسجد العتيق، وهو من المساجد القديمة بجوار الكنيسة. وتتوزع المساجد في عدد كبير من مدن الجنوب، كما أن الأسرة الجنوبية تتكون أفرادها من خليط فيها المسلم والمسيحي وصاحب الديانات التقليدية. وصور التعايش الديني في الجنوب كما يردد أغلب قادته موجودة في المجتمع والنشاطات تمارس بحرية تامة، كما أن هناك طرقا دينية من الصوفية وغيرها وجدت مكانها للتبشير والدعوة أسوة بالدين المسيحي.

ويقول الأمين العام للمجلس الأعلى لمسلمي جنوب السودان الطاهر بيور لـ«الشرق الأوسط»، إن دستور جنوب السودان لعام 2005 أكد كفالة حرية الأديان والمعتقدات.

وإن جنوب السودان معروف بتاريخه منذ فترة مبكرة بالتعايش الديني، ولا توجد مشكلة دينية. ويضيف: «لا توجد مشكلات في حرية الأديان هنا.. ولن تحدث حتى لو اختار الجنوبيون الانفصال. وممارسة الشعائر الدينية مكفولة بالدستور وستظل كذلك». وقال إن البيت الجنوبي يضم مختلف الديانات ويعيشون تحت سقف واحد. وبتشدد ردد: «لم تحدث مشكلات دينية من قبل ولن تحدث في المستقبل لأنه ضد طبيعة الجنوبيين».

ويتخوف المراقبون من أن ينتقل التشدد الديني، سواء المسيحي أو الإسلامي، إلى الدولة المنتظرة، خاصة أن أوغندا المجاورة شهدت تفجيرات لجماعة الشباب الصومالي العام الماضي في مطعم إثيوبي في كمبالا أدت إلى مقتل أكثر من (70) بينهم إثيوبيون. ورد الطاهر بيور بأنه لن يسمح لأي متطرف بالدخول إلى جنوب السودان، وقال: «سنتصدى لكل من يحاول نشر التشدد وسنستفيد من تجارب الآخرين في محاربة التطرف».