عودة الصدر تطرح عدة سيناريوهات.. ورجوع التوتر الطائفي يبقى هاجس العراقيين

لم يلق خطبة الجمعة في مسجد الكوفة أمس بخلاف ما كان متوقعا

رجال دين وعنصر أمن يقفون أمام مقر إقامة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في النجف، أمس (رويترز)
TT

بخلاف ما كان متوقعا لم يلق مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، الذي عاد الأربعاء من إيران، حيث أمضى نحو 4 سنوات «معتكفا»، خطبة الجمعة في مسجد الكوفة الذي احتشد بأنصاره.

وكان العراقيون بمن فيهم السياسيون يترقبون صلاة الجمعة في مسجد الكوفة واحتمال ظهور الصدر، أملا في أن يكشف في الخطبة عن نهجه الجديد بعد أن أصبح تياره طرفا فاعلا في الحكومة العراقية الجديدة برئاسة نوري المالكي وبرصيد يبلغ 8 وزارات. ولم يستبعد مراقبون أن يكون لغياب الصدر عن صلاة الجمعة في الكوفة أمس علاقة بالتوازنات السياسية الدقيقة الجديدة في العراق، وبحرصه على تبديد صورته السابقة وصورة أتباعه، ولا سيما «جيش المهدي» التي انطبعت في ذاكرة العراقيين في خضم أزمة العنف الطائفي التي ضرت البلاد قبل انتقاله سرا إلى إيران مطلع 2007 مع تضييق القوات الأميركية والعراقية الخناق عليه وعلى أتباعه.

وحسب تقرير لوكالة «رويترز»، فقد تعني عودة الصدر تحولا عن خطابه الناري بعد المكاسب السياسية التي حققتها كتلته في الانتخابات التي جرت العام الماضي. وكان دعم التيار الصدري الذي يعتقد بأن إيران لعبت دورا في تأمينه، ضروريا حتى يفوز المالكي بولاية ثانية لينتهي الجمود الذي استمر 9 أشهر وتتشكل حكومة بغداد. وتبنى التيار الصدري العملية السياسية لا الكفاح المسلح، فخفف من حدة خطابه الديني وظهر بصورة أقل طائفية في انتخابات العام الماضي. وركز على الخدمات العامة واقتنص 39 مقعدا من جملة 325 مقعدا بالبرلمان العراقي.

وربما ينظر الكثيرون من السنة إلى عودة الصدر بترقب.

ولعبت ميليشيا «جيش المهدي» الموالية له دورا كبيرا في أعمال العنف ضد السنة في أوج الصراع الطائفي عامي 2006 و2007. غير أن الكثيرين من العراقيين يرون أن عودة الصدر خطوة إيجابية نحو المصالحة مع تراجع الصراع الطائفي الشامل وانسحاب الجيش الأميركي وسعي العراق إلى استغلال ثروته النفطية الهائلة لإعادة الإعمار.

وتطرح عودة الصدر عدة سيناريوهات وتثير عدة تساؤلات، منها ما إذا كان سيبقى أم سيعود إلى إيران. ويقول مسؤولون في التيار الصدري إن حكومة المالكي ضمنت سلامته وعدم إلقاء القبض عليه. وأوضحوا أن مسألة بقائه بشكل دائم من عدمه تتوقف على كيفية سير الأمور، مشيرين إلى أنه ما زال يختبر الأجواء. لكن بعض من رافقوا الصدر من إيران أعطوا الانطباع بأنه عاد ليبقى، أما الصدر نفسه فلم يعلن عن خططه.

والسؤال الآخر يدور حول ما إذا كان سيصبح الصدر زعيما سياسيا أم شخصية دينية. وقال أتباع للصدر إنهم يتوقعون منه أن يقود حركة من أجل تحسين الخدمات الاجتماعية، إلى جانب الإفراج عن المسجونين من المنتمين إلى تياره. ومن غير المتوقع أن يسعى الصدر إلى لعب دور في الحكومة. وفي أول بيان أصدره بعد عودته انتقد الصدر أتباعه الذين تدافعوا ليلقوا نظرة عليه لدى وصوله. وقال إن هتافاتهم وشعاراتهم أضرت بسمعة عائلة الصدر، وحثهم على ضبط النفس. وربما يكون هذا مؤشرا إلى أن الصدر يريد أن ينظر إليه على أنه شخصية دينية جليلة لا كرجل دين متشدد أو زعيم ميليشيا. وحتى كرجل دين سيحتاج الصدر إلى ضمان أن تكون لحركته كلمة في الحكومة، وإلا فستكون مهمشة.

وثمة سؤال آخر يؤرق العراقيين يتعلق بما إذا كانت عودته ستفجر الصراع الطائفي مجددا، إذ يجد بعض العراقيين صعوبة في التخلص من الاعتقاد بأن الصدر مرتبط بفرق الإعدام الشيعية في أوج الصراع الطائفي الذي عانى منه العراق، ويخشون من أن تعني عودته ظهور «جيش المهدي» من جديد. وتراجعت أعمال العنف بشكل كبير على الرغم من أن التفجيرات وجرائم القتل لا تزال شائعة. وتنسب معظم أعمال العنف المستمرة إلى مقاتلين سنة معارضين للهيمنة السياسية للشيعة في العراق، لكن جزءا منها ينسب إلى جماعات شيعية متطرفة كانت متحالفة ذات يوم مع التيار الصدري لكنها انقسمت منذ ذلك الحين. وربما تزيد التوترات إذا سمحت عودة الصدر لبعض الأنصار بالاعتقاد بأنه يريدهم أن يستعرضوا عضلاتهم مجددا. وسحقت القوات الأميركية والعراقية «جيش المهدي» عام 2008 وقد ألقى السلاح. وربما يعود إذا خاب أمل أنصار الصدر في نتائج مشاركة حركتهم في العمل السياسي.

وقالت جالا رياني، المحللة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة «إي إتش إس غلوبال انسايت»: «عودة الصدر ليست مؤشرا مباشرا إلى أن (جيش المهدي) سيحمل السلاح مجددا، فهو ليس لديه سبب في هذه المرحلة حتى يفعل». واستطردت قائلة: «لكن احتمالات عودته إلى حمل السلاح قائمة دائما». وسيكون الصدر هدفا مغريا لجناح «القاعدة» في العراق الذي يحاول إشعال الصراع الطائفي من جديد. ومن المحتمل أن يؤدي استهدافه بهجوم إلى موجة من العمليات الانتقامية.

والأرجح أن تؤدي عودة الصدر إلى تزايد التوترات بين فصائل الشيعة، فقد ترك غيابه عن العراق مساحة لشركائه ليسلك كل منهم طريقه، وكمنافسين ربما يبغضون الآن عودته.

ومن أخطر الأعداء جماعة «عصائب الحق» المنشقة عن حركة الصدر والتي تبرأ منها الصدر منذ أن وافق على الانضمام إلى الحكومة. وأصبحت «عصائب الحق» واحدة من أنشط الجماعات الشيعية التي تمارس العنف، إذ تهاجم قوات الأمن والأهداف الحكومية، وفقا لما ذكره مسؤولون أمنيون عراقيون وأميركيون.

وقد ينتهي المطاف بأن يصبح الصدر القوة السياسية الرئيسية الموازنة للمالكي، وهو شيعي أيضا. ولا يعرف عن الصدر أنه يمشي على خطى الآخرين أو أنه سهل الإقناع. وربما يثير هذا توترا في الحكومة، بينما يحاول المالكي في ولايته الثانية فرض إرادته. وكان معارضو المالكي الذين يتجمعون الآن في تحالف فضفاض تحت مظلة كتلة «العراقية» التي يقودها رئيس الوزراء العلماني الأسبق إياد علاوي وتتمتع بدعم السنة، قد رحبوا بعودة الصدر. ورغم أن كتلة «العراقية» جزء من الحكومة الجديدة، فإنه من المرجح أن يسفر تأييدها للصدر عن آمال في أن يقيد نفوذه في مجلس الوزراء المالكي، أو يمنعه من فرض سيطرة كاملة على العراق.