علماء كردستان يهددون بتعبئة شعبية ضد ما يعتبرونه «مسا» بالمقدسات الدينية

ردا على مقالات وكتابات صحافيين ومثقفين ومدافعين عن حقوق المرأة

جانب من المظاهرة ضد قانون المظاهرات التي جرت أول من أمس في بينجوين بكردستان العراق («موقع أوينة الكردي»)
TT

تتفاعل قضية المواجهة القائمة بين عدد من مثقفي كردستان والناشطين في مجال الدفاع عن حقوق المرأة والمجتمع المدني، وخطباء وأئمة المساجد الذين باتوا يستخدمون منابرهم للهجوم على الصحف والمثقفين دفاعا عن مقدساتهم الدينية. من ناحية ثانية، امتدت حملة مناهضة قانون المظاهرات من المدن الكبرى في الإقليم إلى البلدات.

وهدد اتحاد علماء مسلمي كردستان في آخر اجتماع له باللجوء إلى التعبئة الجماهيرية في حال اضطر إلى ذلك، في الوقت الذي شدد فيه المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على ضرورة اعتماد منهج الوسطية من قبل علماء الدين الإسلامي. وكان المجلس المركزي لاتحاد علماء مسلمي كردستان قد عقد اجتماعا طارئا للتداول حول التداعيات الخطيرة للمواجهة القائمة بين عدد من خطباء الجمعة في مساجد كردستان والصحف والمثقفين على خلفية نشر مقالات تمس المقدسات الإسلامية، وفي المقابل صدور فتاوى مضادة ودعوات من فوق منابر المساجد ضد عدد من المثقفين. وأصدر المجلس بيانا يدعو الكتاب والمثقفين والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة إلى التنسيق والتعاون بدل انتهاك المقدسات الدينية أو المس بها. وأشار البيان إلى أن «منابر المساجد كانت دوما مكانا للدفاع عن حقوق المرأة واحترام إنسانيتها وبناء الأسس القويمة للأسرة، ولذلك ندعو الجميع إلى التحلي بروح المسؤولية إزاء الدين والوطن، والكف عن استخدام لغة التشهير والتحقير، وقد أكدنا مرارا أننا لن نقبل باستخدام منابر المساجد للتشهير بأي شخص كان، والكل يعلم أن علماء الدين في كردستان، ومن منطلق إخلاصهم للشعب، يحظون بدعم جماهيري، ولكن حرصا منهم على حساسية الوضع الحالي فإنهم لم يلجأوا إلى استغلال ذلك الدعم بهدف تعبئة الجماهير ضد أولئك الذي ينتهكون المقدسات الدينية رغم قدرتهم على ذلك، ونأمل أن لا تصل الأمور إلى هذا الحد من المواجهة، وفي الوقت الذي ندعو برلمان وحكومة كردستان والادعاء العام ونقابة الصحافيين إلى العمل معا من أجل تفعيل المواد القانونية الرادعة لأساليب التشهير والتحقير والمس بالمقدسات الدينية، ندعو في المقابل خطباء وأئمة المساجد إلى عدم استخدام المنابر للهجوم على أي أحد، وأن يحترموا قدسية المكان الذي يقفون فيه».

في غضون ذلك أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، عثمان المفتي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «جميع الأطراف لها الحق في التعبير عن آرائها، ولكن من المهم والضروري جدا أن يكون التعبير ضمن إطار القوانين واحترام الرأي المقابل، وأن لا يمس المقدسات، ونحن في الوزارة نأمل أن يكون هناك حوار عقلاني متزن بين جميع شرائح وفئات المجتمع لإثراء تجربتنا الديمقراطية، بما فيها من حوار ثقافي مفتوح بين علماء المسلمين والمثقفين والمنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان بعيدا عن لغة التهديد والتشهير وتحقير الآخر، لأن ذلك لا يؤدي إلا إلى المزيد من التصادم والتناحر». وأضاف: «ينبغي أن تكون المساجد منابر للوعظ والإرشاد وتعليم الناس أمور دينهم، وأن تشجع روح التسامح والمحبة والإخاء، لا أن تستغل للتهديد وترهيب الآخرين، وعلى الجميع أن يراعوا مصالح شعبنا وأمنه القومي، وأن لا يسمحوا لأعدائنا باستغلال مثل هذه الخلافات للنيل من سمعة وتجربة الإقليم، لذلك أشدد مرة أخرى على ضرورة اعتماد منهج الوسطية في نشر تعاليم الإسلام، وبث مفاهيم السماحة والمحبة بين الجميع».

من ناحية ثانية، تواصلت الاحتجاجات الشعبية ضد صدور قانون المظاهرات الذي أقره برلمان كردستان مؤخرا وصادق عليه رئيس الإقليم، مسعود بارزاني، واتسعت أول من أمس بوصولها إلى أقصى مدينة حدودية هي قضاء بينجوين، المحاذية للحدود الإيرانية. فقد نظم سكان المدينة مظاهرة احتجاجية كبيرة انطلقت من أمام «بارك» المدينة متجهة إلى مبنى المكتبة المركزية رددوا خلالها هتافا يقول: «مدينة المفتي لن تقبل تمرير قانون المظاهرات»، ويقصدون بذلك الشاعر الكردي المفتي البينجويني الكبير، الذي يعتبر أحد أبرز الشعراء الكرد في المدينة التي تعتبر عاصمة الثقافة في كردستان. ودعا المتظاهرون في مذكرة قدموها إلى السلطات المحلية هناك رئيس الإقليم، مسعود بارزاني، إلى التراجع عن مصادقته على القانون والطلب من البرلمان إعادة مناقشته من جديد بهدف تعديله بما يسمح بإطلاق المظاهرات دون الحاجة إلى تراخيص رسمية من السلطات الحكومية.

وتتركز الاحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ صدور القانون قبل أكثر من ثلاثة أسابيع التي عمت معظم مدن ومناطق كردستان على مطلب أساسي وهو رفع القيد الوارد بقانون تنظيم المظاهرات في كردستان الذي يوجب على المتظاهرين الحصول على ترخيص مسبق من السلطات الحكومية أو رؤساء الوحدات الإدارية قبل تنظيم أي مظاهرة، وهذا ما يعده المواطنون في حكم الاستحالة، لأن مسؤولي الحكومة لا يريدون تنظيم أي مظاهرات ضدهم، ويطالبون بإطلاق حرية المظاهرات العفوية من دون قيد أو شرط.