الجزائر: 3 قتلى و420 جريحا.. والحكومة تبحث إجراءات للحد من الأزمة

وزير الداخلية يتحدث عن «نزعة انتقامية» وراء الاحتجاجات.. وخبراء ينتقدون «انسداد قنوات الحوار»

TT

كشفت وزارة الداخلية الجزائري، عن مقتل 3 أشخاص في الاضطرابات التي تعيشها الجزائر منذ أربعة أيام، بينما عقدت الحكومة، أمس، اجتماعا لمناقشة إجراءات للحد من ارتفاع الأسعار، وعزا خبراء استمرار الأزمة إلى «انسداد قنوات الحوار» بين الحكومة والمجتمع المدني. وتجددت الاشتباكات، أمس، في بعض المناطق من البلاد، في حين خيم الهدوء الحذر على العاصمة نهارا. وكانت المخاوف من تجدد المواجهات في الليل بادية على تصرفات رجال الأمن المنتشرين بكثافة في مواقع الهيئات والمؤسسات الحكومية في العاصمة.

وصرح وزير الداخلية دحو ولد قابلية، أمس، للإذاعة الحكومية، أن شخصا قتل بالرصاص الحي في بلدة عين الحجل بولاية المسيلة (260 كلم شرق العاصمة) «عندما كان يحاول اقتحام مبنى محافظة الأمن». وقتل شخص آخر في منطقة بوسماعيل (50 كلم غرب العاصمة) في مواجهات وقعت الليلة قبل الماضية. وقال الوزير إن الشاب الذي يبلغ 30 سنة، توفي في المستشفى متأثرا بإصابة، دون توضيح طبيعتها ولا الجهة التي أصابته، واكتفى بالقول إن «ظروف الوفاة تبقى محل تحقيق».

وأفيد لاحقا عن مقتل شخص ثالث في منطقة بومرداس شرقي العاصمة.

وأفاد وزير الداخلية بأن المواجهات بين الشباب المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب، خلفت 320 جريحا في صفوف رجال الشرطة والدرك ونحو مائة جريح في صفوف المشاركين في المظاهرات التي اتخذت في معظمها شكل أعمال تخريب ونهب أملاك محلات تجارية ومؤسسات عمومية وخاصة.

ووصف الوزير ولد قابلية أعمال الشغب بـ«أعمال وتصرفات إجرامية تنم عن نزعة انتقامية، إذ إنه ليس لمرتكبيها الشباب أي علاقة بالمشكلات الاقتصادية». ويفهم من حديث الوزير أن جهة معينة حركت الاضطرابات ودفعت بالشباب إلى الخروج إلى الشوارع للاحتجاج على تدهور ظروف المعيشة جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ولم يوضح ولد قابلية الطرف الذي تخدمه زعزعة استقرار البلاد، مشيرا إلى اعتقال متظاهرين، دون تحديد عددهم، تحسبا لمحاكمتهم. وأضاف: «هذه الأعمال لن تبقى بلا عقاب».

وذكر بيان لـ«اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان» التي تتبع للرئيس بوتفليقة، أنها «تأسف لأعمال الشغب التي قام بها بعض الشباب والتي مست بعض المدن الكبرى للبلاد، نتيجة سوء المعيشة وتفشي البطالة». واعتبرت اللجنة المطالب الاجتماعية التي كانت الدافع إلى الاحتجاج، «شرعية، ولكن مهما كانت الأسباب فلا يمكن أن تكون مبررا لاستعمال العنف والتجاوزات الخطيرة ضد المرافق العمومية والمحلات التجارية». وانتقد البيان أعمال العنف «التي تتناقض مع حقوق الإنسان وتعطل بناء دولة القانون»، داعيا إلى «تحرير الشباب من المعاناة في أقرب الآجال».

وأمام امتداد أعمال الشغب عقدت الحكومة، أمس، اجتماعا وزاريا لبحث سبل احتواء ارتفاع الأسعار. وكان وزير التجارة، مصطفى بن بادة، عقد أيضا، أول من أمس، اجتماعا مع المنتجين وتجار الجملة، بينما دعا زميله وزير الشباب والرياضة، الهاشمي جيار، الشبان إلى «الحوار الهادئ». كذلك، دعا الاتحاد العام للعمال الجزائريين (النقابة الرسمية) السلطات إلى اتخاذ إجراءات «عاجلة» للتصدي «بحزم» للمضاربة. واتهمت النقابة، على غرار وزير التجارة، منتجين وتجار الجملة برفع الأسعار تحسبا للإجراءات الجديدة التي تفرض عليهم تسليم فواتير. واحتجت الجمعية الجزائرية لمنتجي الزيوت على هذا الاتهام وقررت إرجاء أي ارتفاع في السعر كما جاء في بيان.

وساد الهدوء العاصمة وغالبية المناطق التي عاشت الاضطرابات صباح أمس، بعد تجدد المواجهات وأعمال التخريب الليلة قبل الماضية. وبدا من خلال الانتشار المكثف لرجال الأمن في أبرز أحياء العاصمة، الخوف من انزلاق الوضع في الليل. وأوقفت شركة «نافطال» لتوزيع البنزين تموين محطات البنزين بالوقود في الأحياء التي عرفت الاحتجاجات، لدواع أمنية، بحسب تصريحات مسؤول في الشركة.

وكان لافتا أنه للمرة الأولى منذ الانفتاح الديمقراطي في البلاد قبل عشرين سنة، شهدت أحياء سكنية راقية في الضاحية الغربية المعروفة بفيلاتها ومطاعمها الفخمة أعمال عنف لا تختلف عن تلك التي سجلت في الأحياء الشعبية.

ففي الدرارية مثلا، بدأ ليل الجمعة - السبت، مختلفا عن غيره من الليالي لأصحاب مطاعم المشاوي في هذا الحي الواقع على بعد 10 كيلومترات عن وسط العاصمة. فالمحلات كانت مغلقة وأصحابها يقومون بحراستها، بينما تلاحق قوات مكافحة الشغب عشرات الشباب في الشوارع التي تفصل بين الفيلات. وعادت تنطلق الاحتجاجات من أحياء شعبية مثل باب الوادي وبلكور وباش جراح. ويقول سفيان، صاحب مطعم للمشويات في وسط الدرارية، إن «الوضع مستمر منذ يومين». ويضيف: «لسوء حظنا تصادف ذلك مع عطلة نهاية الأسبوع، حيث يكثر الزبائن ونحقق تقريبا 50 في المائة من أرباحنا الأسبوعية لأننا في بقية الأسبوع نشتغل بالحد الأدنى».

إلى ذلك، يخشى أصحاب المطاعم أن تتعرض محلاتهم للسطو من قبل الشباب الغاضبين، لذلك حولوا عمالهم إلى حراس أمام الواجهات الزجاجية. وقال سفيان إنها «الطريقة الوحيدة لحماية ممتلكاتنا».

وفي تقصراين الحي القريب من الدرارية، حطم شبان غاضبون المؤسستين الوحيدتين للخدمة العمومية في وسط المنطقة، المركز الصحي ومكاتب ملحقة بالبلدية، بينما لم يتعرض أحد لمستشفى قاصدي مرباح نظرا لوجوده في منطقة معزولة.

وطالت عملية تخريب مركز «الجوار» الصحي. وقال الحارس الليلي إن المحتجين «سرقوا كل شيء حتى إنهم اقتلعوا كرسي طبيب الأسنان وأجهزة التدفئة». وعبر أحد السكان عن غضبه بقوله: «لا يمكن أن يقبل عاقل بهذا التخريب. نحن المتضررون. لا الرئيس بوتفليقة ولا حتى رئيس البلدية يحتاجان إلى هذا المركز الصحي». وأضاف: «لا أصدق أن أبناء الحي هم من فعل هذا. فأنا مولود هنا وعمري يقارب الخمسين ولم أشهد شيئا مثل هذا». وتابع: «حتى في الأحداث الشهيرة التي شهدتها الجزائر في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) 1988 لم يتحرك أحد هنا». واتهم «أبناء باب الوادي الذين تم ترحيلهم بعد فيضانات 2001 إلى عمارات قريبة من هنا في الدرارية وتقصراين» بارتكاب هذه الأعمال. وفسر عبد الناصر جابي، الباحث الجامعي، تفجر الوضع الاجتماعي بـ«انسداد قنوات الحوار بين السلطات وممثلي المجتمع». وقال في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «عندما تسد الحكومة آذانها أمام مطالب المجتمع العاجلة في السكن والشغل، وعندما تغيب الأطر التي تحمل هموم المجتمع وتنظمها بأشكال سلمية، طبيعي أن نشهد مثل الاحتجاجات العنيفة».