الصدر في ظهوره بالنجف يحاكي نصر الله في لبنان

تشابه في الحركات وفي طريقة التواصل مع الجمهور

TT

في خطاب ألقاه وسط تصفيق وهتافات أنصاره ومزج الدين بالسياسة، أكد الزعيم الشيعي الشعبوي العراقي مقتدى الصدر أول من أمس دعمه لحكومة سخر منها يوما معتبرا إياها أداة خيانة من أدوات الولايات المتحدة وقاتلة لأتباعه في شوارع أهم المدن حتى سنوات قليلة خلت.

كان هذا الخطاب المقتضب أمام آلاف من أتباعه هو الأول منذ عودته الأسبوع الماضي بعد غياب دام أكثر من ثلاث سنوات قضاها في منفاه الاختياري في إيران. ورأى كثيرون هذا الخطاب مؤشرا على اتجاه التيار الصدري لتصوير نفسه اليوم كوريث أكثر التزاما ونضجا للحركة التي ظهرت على الساحة بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

وسعى الصدر خلال خطابه الذي لم يتعد 28 دقيقة والذي ألقاه في منطقة مكتظة بالسكان قريبة من منزله في هذه المدينة المقدسة، إلى إرضاء الطرفين من خلال الدعوة إلى طرد القوات الأميركية مع منح الوقت الكافي لذلك وعرض دعم الحكومة الجديدة شريطة أن تكون فاعلة. وقال متحدثا بحماس وعزم وثقة افتقدها في السابق: «نحن معها لا ضدها. الحكومة جديدة وعلينا أن نسمح لها بإثبات أنها ستعمل على خدمة العراقيين».

وأكد الصدر أن القوات الأميركية لا يمكن أن تظل في العراق بعد نهاية العام الحالي وهو شرط وافقت عليه الولايات المتحدة وحث أتباعه على مقاومة وجود القوات الأميركية بأي وسيلة ممكنة. لكنه كان حريصا حين أشار إلى أنه قد يسحب دعمه للمالكي في حال فشل الحكومة في معالجة المشكلات اليومية الأساسية، خاصة مشكلات الفئات المحرومة التي يزعم أنه يمثلها، مثل الطرق ذات الحالة المتردية والمياه غير النظيفة وتسرب مياه الصرف الصحي والنموذج المكرر للعراق في فترة ما بعد صدام حسين وانقطاع التيار الكهربائي.

لكن الصدر دعا أتباعه إلى التحلي بالصبر، مما يعني منح الحكومة الجديدة فترة سماح على أقل تقدير. وقال حازم العراجي، كبير مساعدي الصدر: «لم نحدد للحكومة وقتا لانتهاء المهلة، فنحن نراقب التقدم الذي تحرزه، وبعد ذلك سنقرر». وأضاف صلاح العبيدي، مساعد آخر للصدر: «الحكومة في حاجة إلى فرصة».

ومنذ تراجعها بشدة عام 2008، استعادت الحركة وضعها البارز بعد تكليف المالكي لجيشه بمواجهة جماعته المسلحة في بغداد وأقصى جنوب البصرة بمساعدة من الجيش الأميركي، خاصة من خلال مطالبتها بالمشاركة في الحياة السياسة. وقد كان للحركة حضور قوي خلال انتخابات المجالس المحلية عام 2009، وفي العام التالي دعا الصدر، الذي طالما تجنب دعم الانتخابات، أتباعه للمشاركة في الانتخابات التي أجريت في مارس (آذار) الماضي. وهذا ما قد كان، ومن خلال إظهار براعة في الدعم اللوجيستي والتخطيط، حصدت الحركة 40 مقعدا؛ بل وظهرت كلاعب حذق خلال ثمانية أشهر من المفاوضات أعقبت الانتخابات. وكان دعمها الأخير للمالكي مفتاح احتفاظه بمنصبه لفترة ثانية.

ومن الصعب عدم عقد مقارنة ولو ظاهرية بين الحركة وحركة شيعية أخرى هي حزب الله في لبنان، حيث للاثنين هويات سياسية واجتماعية ودينية، ونجحتا في جعل عدد كبير من الناس يلتفون حول قائديهما؛ رجليْ الدين اللذين بزغ نجمهما في عالم السياسة. وبدا حديث الصدر مشابها لحديث حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، على الرغم من أن الأخير أكثر حيوية وفصاحة من الصدر. وهناك تشابه بينهما في الحركات؛ إذ يحمل كل منهما منديلا أو يستأذن لشرب كوب من الماء. كذلك يتواصل الاثنان مع الجمهور بالطريقة نفسها، حيث يتحدثان باللغة العربية الفصحى ثم يتحولان إلى العامية من خلال المزاح أو رواية نكتة.

فقد تساءل الصدر واقفا على منصة ارتفاعها 25 قدما ومغطاة بالسواد قبل أن يقود الناس في هتاف «لا، لا لأميركا»: «ماذا بكم؟ هل خفتم من الأميركيين؟». وتعالت أصوات الحضور بالنفي في تحد قوي. وأثنى عليهم قائلا وعلى وجهه ابتسامة ساخرة: «هذا أداء أفضل».

وتقف أغلب المقارنات بين الحركة وبين حزب الله، إضافة إلى توضيح الكثير من الصدريين ما لا حاجة إلى توضيحه، عند حد وجه الشبه المتمثل في حقيقة أن حزب الله لم يكن ليظهر إلى الوجود لولا غزو إسرائيل للبنان عام 1982، مثلما لم تكن حركة الصدر لتظهر للوجود لولا اغتيال والد الصدر بناء على أوامر صدام حسين عام 1999 والغزو الأميركي بعده بأربع سنوات.وقال حكيم الزاملي، أحد نواب الكتلة الصدرية في البرلمان الذي يواجه تهما بالقتل والخطف والفساد تعود إلى فترة توليه منصب نائب وزير الصحة في حكومة المالكي السابقة: «نحن حركة ولسنا حزبا». بهذا الغموض تناول الزاملي التحديات التي تواجهها حركة معارضة تنضم إلى التيار السائد دون التخلي عن حشود المؤيدين من الأحياء المهمشة الذين بلغت ببعضهم الحماسة حد محاولة الاندفاع إلى المنصة.