بيلاروسيا: معارض مسجون قد يحرم حتى من الحضانة العائلية لابنه

السلطات تبحث أخذ الطفل من جدته بعد اعتقال والده الذي ترشح للرئاسة ثم سجن مع زوجته

أندري سانيكوف
TT

منذ قيام شرطة مكافحة الشغب بقمع مظاهرة ضد تزوير الانتخابات الرئاسية التي جرت هنا خلال الشهر الماضي، دأبت الأجهزة الأمنية - التي لا تزال تعرف باسم «كي جي بي» في هذه الجمهورية السوفياتية السابقة - على اعتقال الناس في شتى أنحاء الدولة لمجرد ارتباطهم المحدود جدا بالمعارضة. والآن، يبدو أنهم قطعوا خطوة إضافية.

وحذرت الحكومة مؤخرا من أنها قد تستولي على حضانة ابن عمره 3 سنوات لمرشح معارضة رئاسي سجن برفقة زوجته الصحافية. وقالت السلطات إنها كانت تبحث وضعية الطفل، الذي يعيش الآن مع جدته، وإنها من المتوقع أن تصدر قرارا بنهاية الشهر الحالي.

وقد وصف الرئيس ألكسندر غي لوكاشينكو، الذي يحكم بيلاروسيا منذ 16 عاما، في كثير من الأحيان بأنه آخر ديكتاتور في أوروبا. لكن محنة الطفل، دانيل سانيكوف، قد تمثل مخططا جديدا في اضطهاد الحكومة للمعارضة، وهو مخطط يعيدنا بالذاكرة إلى حقبة ستالين، عندما كان يتم إرسال أطفال من كانوا يعرفون باسم «أعداء الشعب» إلى دور الأيتام بعدما يتم إرسال آبائهم إلى معسكرات الاعتقال. وقالت ليوتسينا خاليب، جدة الطفل: «حتى في أسوأ كوابيسي، لم يكن بمقدوري أن أتصور أن هذا الأمر قد يحدث».

وكان آلاف المتظاهرين قد تجمعوا في ساحة كبيرة وسط العاصمة مينسك ليلة 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، للتعبير عن سخطهم إزاء إدعاء لوكاشينكو بتحقيق انتصار ساحق في الانتخابات التي اعتبرها مراقبون مستقلون «مسرحية هزلية». وفرقت الشرطة المظاهرة التي كانت سلمية إلى حد كبير بعنف واعتقلت أكثر من 600 شخص. وخلال 24 ساعة، تم اعتقال سبعة من مرشحي المعارضة التسعة لمنصب الرئاسة.

تم جذب والدي دانيل، أندري سانيكوف، مرشح المعارضة البارز لمنصب الرئاسة، وإيرينا خاليب، وهي صحافية تحقيقات محترمة، واللذين كانا ضمن المعتقلين، بعنف من سيارتهما عندما كانت خاليب تجري مقابلة هاتفية مع محطة موسكو الإذاعية. وتعرض سانيكوف للضرب المبرح، وقال محاميه إن رجليه قد كسرتا.

وهما الآن من بين نحو 24 شخصا يواجهون خطر مواجهة عقوبة سجن لنحو 15 عاما بتهم تنظيم والمشاركة في المظاهرة. ويتم احتجاز عدد كبير منهم في مركز «كي جي بي» للاعتقال بمدينة مينسك، حيث تم منعهم من التواصل مع محاميهم أو الاتصال بعائلاتهم.

وقالت الجدة، ليوتسينا خاليب، إنها لم تسمع عن ابنتها منذ اليوم التالي لاعتقالها، عندما تلقت خطابا منها توصيها برعاية دانيل. وقالت خاليب وهي تغالب دموعها: «لقد أرادتني أن أبلغ دانيل أنها تحبه حقا». وقالت إن ابنتها كانت قد تلقت تهديدات بخصوص الصبي حتى قبل الانتخابات؛ حيث كانت قد تلقت بريدا إلكترونيا من مرسل غير معروف كتب فيه: «لا تفكري في نفسك، فكري في ابنك». وقالت خاليب إنها كانت تشك في البداية بأن السلطات كانت تحول انتباهها إلى دانيل بعد فترة قصيرة من اعتقال والديه. وذكرت أنها توجهت إلى مركز «كي جي بي» للاعتقال في محاولة لتقديم بعض من الطعام والملابس لهما عندما تلقت مكالمة هاتفية عاجلة جعلتها تهرع إلى حضانة حفيدها.

وهناك تعرضت لمواجهة من قبل امرأتين من جهاز رعاية الأطفال الحكومي. وقالت إن المرأتين كانتا لطيفتين، على الرغم من أنهما قدمتا تحذيرا ضمنيا. وأفادت بأنهما قالا لها: «إذا لم يكن لديك الموارد المالية أو الإمكانات البدنية، لا تقلقي، فلن يبقى الطفل وحيدا».

وبالنسبة للجدة خاليب، التي دخلت ابنتها في صراع متكرر مع الأجهزة الأمنية في بيلاروسيا لعدة سنوات، كانت الرسالة واضحة. وقالت: «هذا جهد يبذل من أجل الضغط على إيرينا. هم قادرون على الضغط عليها، وهذه هي المنطقة الأكثر حساسية بالطبع».

ولم يتسن الوصول إلى ممثل لجهاز رعاية الأطفال للتعليق على الموضوع. وأخبرت أنطونينا دروغاكوفا، الموظفة الاجتماعية في الحكومة التي تشرف على قضية دانيل، وكالة إنترفاكس الإخبارية بأن جهاز «كي جي بي» أخطرها عن الصبي بعد فترة قصيرة من اعتقال والديه. وقالت دروغاكوفا: «نحن مطالبون بالرد إذا ترك أحد الأطفال دون رعاية والديه». وصرحت بأنها تأمل بأن يكون «دانيل» قادرا على البقاء في حصانة جدته، لكنها قالت إن الحكومة لديها مسؤولية لتحديد ما إذا كانت جدته قادرة على رعايته.

وقال بافيل سابيلكو، محامي سانيكوف، إن جهاز «كي جي بي» أخطر أجهزة رعاية الطفل يوم 23 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قبل ستة أيام من اتهام موكله والسيدة خاليب رسميا بارتكاب جريمة. وتساءل ما إذا كان من الضروري قانونيا أن تتولي جدة دانيل الحضانة القانونية. وقال سابيلكو: «القانون موجود ليتأكد من عدم ترك أحد الأطفال بمفرده في المنزل أو تركه في حضانة دون وجود أي فرد يأخذه منها. وإذا لم يكن هناك أي دليل على أن الطفل قد تم التخلي عنه، فلن يكون هناك أي سبب لتهويل هذا الأمر».

وقد تعرضت أسر مرشحي معارضة آخرين لمضايقات أيضا. وحكم على ابن غريغوري كوستوسيوف، أحد المرشحين المعتقلين، والذي يبلغ من العمر 22 عاما، بالسجن لمدة 15 يوما بتهمة محاولة تنظيم احتجاج تضامني بعد يوم من الانتخابات. وتم الإفراج عنه، لكنه استدعي مرة أخرى من قبل جهاز «كي جي بي» الأسبوع الماضي من أجل الخضوع لاستجوابات إضافية. وقال كوستوسيوف، الذي يعد واحدا من بين ثلاثة مرشحين سابقين تم الإفراج عنهم بشرط عدم مغادرة البلاد: «استمر الاجتماع لمدة ساعتين ونصف تقريبا، ولكنه سمح له بالانصراف والحمد لله». وبقي أربعة آخرون في السجن.

وقال كوستوسيوف: «كانت هناك ضغوط على أسرتي طوال حياتي السياسية».

وفي الأسابيع التي تلت المظاهرة، انتشر عملاء جهاز «كي جي بي» في شتى أنحاء الدولة؛ حيث كانوا يستجوبون أي شخص يملك تاريخا من المعارضة، ويسجنون الأشخاص المتهمين بالمشاركة في المظاهرة التي جرت الشهر الماضي؛ حسبما ذكرت جماعات حقوقية. ودأبت قوات الشرطة على مداهمة عدد قليل من المنافذ الإخبارية المستقلة وجماعات حقوق الإنسان التي لا تزال تعمل، وصادرت أجهزة كومبيوتر ووثائق. ولا يزال العديد من زعماء المعارضة طلقاء بعدما فروا من البلاد أو اختبأوا.

وقد انتقد زعماء غربيون بشدة تصرفات الحكومة، وأشار الاتحاد الأوروبي خلال الأسبوع الماضي إلى استعداده لفرض حظر على سفر لوكاشينكو. ويوم السبت الماضي، جلس دانيل يلعب بلعبة قطار في غرفة معيشة أسرته، المليئة بالحيوانات وشخصيات الحركة من حوله. ومنذ اعتقال والديه، جلبت مجموعة كبيرة من الزوار له الألعاب والحلوى والأماني الطيبة بعودة أبويه إلى المنزل. وقالت الجدة خاليب إن الصبي لم يعرف بعد أن والديه قد تعرضا للاعتقال. وقد أخبرته أنهما توجها في رحلة تجارية، ولكن يبدو أنه بدأ يشعر أن ثمة أمرا خاطئا. وأوضحت الجدة خاليب، 74 عاما، أن دانيل سألها مؤخرا: «إذا كانت أمي قد غادرت في رحلة طويلة، فلماذا لم تأخذني معها؟». وأضافت: «بكى دانيل عندما كنت أشرف على استحمامه لأنه يقول: أبي لم يكن يغسل شعري على هذا النحو».

وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، أكملت خاليب كل الفحوصات الطبية والنفسية المطلوبة منها للاحتفاظ بحضانة دانيل. وقالت إن دانيل تعين عليه حتى الخضوع لفحص فيروسي الإيدز والزهري. وأفادت بأن جهاز رعاية الأطفال سيتخذ قرارا بنهاية الشهر الحالي.

* خدمة «نيويورك تايمز»