بغداد: شوارع هادئة وأمن ملموس رغم حكايات مرعبة عن اغتيالات «الكواتم»

«الشرق الأوسط» تمضي 5 أيام ما بين المنطقة الخضراء ومنزل السيستاني في النجف

جنديان عراقيان يتفحصان أسلحة ومتفجرات عثرت عليها القوات العراقية خلال عمليات أمنية في بغداد (أ.ب)
TT

خمسة أيام أمضتها «الشرق الأوسط» ما بين المنطقة الخضراء ببغداد ومنزل المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني بالنجف، خلال مرافقتها للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في زيارته للعراق التي اختتمها أول من أمس. ويبدو المشهد في العراق مختلفا عما تبثه الفضائيات والتقارير الإعلامية، فالشوارع عادية وتحرك الموظفين لأعمالهم اليومية يجري بشكل طبيعي مع انتشار كثيف للحراسات المشددة، رغم ما يتردد هنا وهناك عن حكايات مرعبة عن اغتيالات «الكواتم» أي مسدسات كاتمة للصوت.

للوهلة الأولى قد تصاب بالرعب مما قد تسمعه على خلفية تقارير الإعلام. كان من الضروري وفقا لهذا ارتداء السترة الواقية وخوذة الرأس. ارتفعت وتيرة الرعب عند الوصول إلى مقر الإقامة بفندق الرشيد في المنطقة الخضراء، الذي بدا أشبه بالمعسكر، وغالبا ما كان يستخدمه الأميركيون أثناء الحرب على العراق. مظهر الفندق من الخارج كأنه مبنى مهجور، ولكن تغلقه بوابات من حديد وحراسات لجنود من جنسيات مختلفة.

مدير الفندق المدعو توني يتحدث بلكنة إنجليزية سريعة لدرجة أنه ينطق الكلمة بحرفين أو ثلاثة. وفي الطابق الثاني شرع في شرح محاضرة للصحافيين عن كيفية حماية أنفسهم في حالة أي هجوم (صواريخ أو قذائف). وشرح على خارطة للمنطقة الخضراء ببغداد الموقع والموقف قائلا إن الفندق يمكن أن يتعرض للهجوم من الجو لكن توجد حماية من الأرض. وأطلق للتجربة ثلاث صافرات إنذار تعني الخطر والأمن والحريق. وصدرت التعليمات بعدم الوجود خارج الفندق أو الخروج الفردي لأن الحماية تتوفر بشكل جماعي فقط.

كان الوفد الإعلامي المرافق للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى يتكون من نحو 12 صحافيا. ووجد كل من السترة الواقية والخوذة في غرفته بالفندق. وطوال الليل لم يحدث أي شيء غير عادي. وفي صباح اليوم التالي قامت «الشرق الأوسط» بجولة لاستكشاف الأمر بعيدا عن تعليمات توني. حركة الشارع طبيعية، والموظفون في طريقهم إلى أشغالهم وعملهم. والسيارات تسير في كل اتجاه من دون حراسة ومن دون تعليمات مدير الفندق. وبعد الظهر كان عدد من الشباب يلعبون الكرة في ملعب صغير أمام الفندق الغارق وسط الحراسة كأنه معسكر.

إن هذا الهدوء يدعو إلى إعادة النظر فيما تتحدث به التقارير التي تنقل الخوف والرعب من الحالة الأمنية بالعراق. وفي مساء اليوم التالي كانت الحركة طبيعية كما هي، تخللها تسجيل حوار مع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري. لكن بعض العراقيين يتحدث هو الآخر عن قصص مرعبة تتعلق بعمليات القتل والاغتيال الحديثة الجارية بالعراق، وتتم عبر سلاح كاتم للصوت، ويمكن مشاهدة جثث للقتلى في الشوارع دون ظهور أية أصوات تعلن عن عنف أو إرهاب.

التجول داخل المنطقة الخضراء، التي تضم مقرات الحكومة العراقية والسفارة الأميركية، يتم لمن يحمل بطاقة أمنية. وبالتالي لا بد من مرافقة شخص يحمل هذه البطاقة عند الذهاب لأي مكان، حتى لا تتعرض للقبض عليك من قبل جهات عدة، حيث لن يعرف مكانك أحد إلا بعد أيام، ويمكن أن تختفي أيضا في ظروف غامضة.

وبعد وصول الأمين العام إلى العراق بدأ تحرك الوفد الصحافي مع عمرو موسى في حماية عراقية حيث أجرى نحو 30 لقاء في 48 ساعة. إجراءات التأمين عبارة عن أسلحة ثقيلة وخفيفة وسيارات مصفحة ومجنزرة وغلق طرق. كان السير وسط زحام شديد في شوارع بغداد. لم يحدث شيء غير طبيعي. يقول صحافي مقيم في بغداد: «ربنا يستر عليكم وعلى الأمين العام.. المنطقة الخضراء مستهدفة».

وفي طائرة حربية من طراز «130 إس» تم الانتقال من بغداد إلى محافظة النجف. هنا استقبال رسمي آخر، وإجراءات أمنية شديدة الإحكام. ووسط زحام شديد في الشوارع اخترق ركب عمرو موسى شوارع النجف لمدة نصف الساعة في الطريق إلى منزل السيستاني. قبل الوصول إليه انقسم الركب إلى جزأين حتى لا يدخل جميعه من باب واحد. ثم عاد الطريق ليجمع الركب مرة أخرى عبر أزقة ضيقة، إلى منزل السيستاني المتواضع للغاية. كان أقرب إلى بيت ريفي عادي جدا، وكان أيضا وسط أزقة ضيقة للغاية، ووسط منازل متواضعة لمواطنين. كان موسى قد دخل إلى منتصف الزقاق الضيق يرافقه عدد محدود من وفد الجامعة العربية نظرا لضيق المكان.

شارع ضيق يؤدي لمنزل السيستاني.. في أوله رجال أمن تابعون للمرجع الشيعي يفتشون كل من يدخله. ويوجد في هذا الشارع أيضا باعة متجولون ومحال لبيع السبح والأكفان والفضة والأقمشة المختلفة. وقبل مدخل المنزل بمترين تجد قاعة متواضعة مساحتها نحو ثلاثين مترا ليس بها أية نوافذ وعليها متعهد للأمانات. وبعد خلع الأحذية تلمس الأقدام أرضية رطبة لبلاط متواضع قريب من الإسمنت. ثم سجاد لونه قاتم وخفيف وعليه مقعد عربي أقل تواضعا. الإضاءة ضعيفة جدا. ولم يكن هناك من يمكن التحدث معه سوى شخص واحد قال إن هذه القاعة سوف يعقد فيها عمرو موسى مؤتمره الصحافي.

باب منزل السيستاني عبارة عن قضبان من الحديد مغلفة برقائق خفيفة من نفس المادة. هنا رجال الحراسات والأمن. لم يتم السماح للصحافيين المرافقين بالدخول إلا في المنطقة المجاورة للمنزل. كما تم منع النساء من الدخول حتى بعد وضعهن غطاء للرأس. المكان عبارة عن منزل ريفي تهبط إليه بدرجين، مفروش معظمه بسجاد رقيق يخفي تواضع الأرضية غير المستوية. سجاد وجلسة على الأرض. وخلال اللقاء تحدث السيستاني ببضع كلمات قليلة مفادها «أهمية التوافق والاتفاق بين الجميع حتى يعم الاستقرار».

وبدوره استعرض عمرو موسى دور الجامعة العربية منذ عام 2005 وتبنيها لفكرة المصالحة الوطنية واهتمام الجامعة بالعراق باعتباره دولة مؤسسة للجامعة.

موسى عقد مؤتمرا صحافيا أمام المنزل بعد مقابلته السيستاني، وسط زحام الفضائيات، حيث ظهر فجأة درج خشبي تم وضعه ليقف عليه موسى للحديث إلى وسائل الإعلام. ومن المقرر أن يستمع وزراء الخارجية العرب لتقرير من موسى عن زيارته لبغداد وإمكانية عقد القمة العربية في العراق، وذلك في لقائهم يوم 17 الشهر الحالي على هامش أعمال القمة الاقتصادية العربية في شرم الشيخ.