لبنان: القيادات المسيحية تجهل مضمون التسوية السعودية ـ السورية

لاحتواء أزمة المحكمة الدولية وقرارها الاتهامي

TT

يمكن لمن يراجع بورصة المواقف السياسية الصادرة عن المسؤولين المسيحيين في لبنان في الفترة الأخيرة، وبشكل خاص ما يتعلق منها بالمساعي السعودية - السورية لاحتواء أزمة المحكمة الدولية وقرارها الاتهامي، أن يدرك بسهولة أن القادة المسيحيين، من أكبرهم إلى أصغرهم، بعيدون كليا عن حركة الاتصالات والمشاورات التي تتم على أكثر من مستوى لحل الأزمة اللبنانية الراهنة. وتدفع هذه المواقف الكثيرين إلى التساؤل عن دور القادة المسيحيين في حركة الاتصالات القائمة وعما إذا كانت مياه التسوية «المفترضة» تجري فعليا تحت أقدام المسيحيين، سواء أكانوا في صفوف «14 آذار» أم في صفوف «8 آذار».

في قراءة سريعة لأبرز المواقف الصادرة في اليومين الأخيرين يمكن التوقف عند بعض ما جاء على لسان عدد من الوزراء والنواب المسيحيين. فالوزير عن حزب الكتائب، الذي يترأسه الرئيس أمين الجميل، سليم الصايغ أكد أنه «ليس لدى حزبه أي علم بأي تسوية تمت». ولفت إلى أن «الكتائب تدعم تماما رئيس الحكومة سعد الحريري على أساس مبادئ واضحة، ونعلم أنه ليس بوارد تقديم أي تنازل من دون التنسيق الوثيق معنا».

والنائب عن التيار الوطني الحر الذي يرأسه النائب ميشال عون، حليف حزب الله، إبراهيم كنعان شدد على «وجوب أن يكون هناك وضوح في البنود وعدم الغموض في الاتفاق السوري - السعودي»، معربا عن قناعته بأنه «للشعب اللبناني الحق في أن يعرف ما هي هذه الاتفاقية».

أما النائب المسيحي في كتلة اللقاء الديمقراطي التي يرأسها النائب وليد جنبلاط فؤاد السعد فأوضح أنه «يجهل كليا حقيقة ما يحصل من هذا القبيل وهو ما ينطبق على حال الكثيرين ممن يتحدثون عن تسوية لا نعلم ما هي حتى الساعة». في حين اعتبر منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد أنه «على المسيحيين ألا يلعبوا دور (الصليب الأحمر) بين السنة والشيعة وأن يشاركوا في السياسة كما يجب»، مشيرا إلى أنه «إذا كان هناك من دعوة للمسيحيين في لبنان للخروج من الحياة السياسية فسيصبح حالهم مثل حال المسيحيين في العراق ومصر».

في موازاة ذلك، تلتقي غالبية المواقف السياسية على أن رئيس الحكومة سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وحدهما عالمان بمضمون التسوية. وإذا ما صحت التسريبات حول أن التسوية لا تقتصر على تحصين الوضع الداخلي قبل صدور القرار الاتهامي، بل تتعداه إلى استكمال تطبيق البنود المتبقية من اتفاق الطائف كتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وإحداث تغيير حكومي وصياغة قانون انتخابي... فإن المسيحيين سيكونون خارج النقاش حول كل هذه البنود التي قد ترسم ملامح جديدة للحياة السياسية في مرحلة ما بعد القرار الاتهامي.

وفي هذا الإطار، أكد النائب في تكتل عون نبيل نقولا، في اتصال مع «الشرق الأوسط» أنه «لا علم له أو للتكتل الذي ينتمي إليه عما يتم تسريبه من أفكار حول مضمون التسوية السعودية - السورية»، لافتا إلى أنه «إذا تبين صحة ما يتم التداول به فسيكون لنا موقفنا الواضح من ذلك».

وأشار إلى أنه «عندما يقول رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه لا يعلم بمضمون الاتصالات العربية ويخرج وزير من قوى «14 آذار» ليقول لا علم لنا بالتسوية، فمعنى ذلك أن المسيحيين ليسوا وحدهم من لا يعلمون بمضمون التسوية ولكن شريحة كبيرة من اللبنانيين لا علم لها.

وأعرب نقولا عن «رفضه لاستخدام مصطلح (تسوية)، لأنها تؤشر إلى وجود أطراف متورطة تقوم بتسوية وهذا لا يصب في صالح أي من الأطراف»، معتبرا أنه من الأفضل الحديث عن «تفاهم وتداول بأفكار»، مشددا على «أننا نؤيد كل تفاهم ولكن لغاية الآن لم يعرض أحد شيئا علينا».

ويتفق رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب في قوى «14 آذار» دوري شمعون مع زميله نقولا، لناحية اعتباره في اتصال مع «الشرق الأوسط» أنه «لا يمكن الحديث عن تسوية قبل إصدار المحكمة الدولية لقراراتها»، مشددا على أن «كل ما يحكى ليس إلا تسريبات وتنظير ولا شيء منه واقعي». ورأى أن «الكلام عن تسوية وعن دور المسيحيين فيها هو كلام سابق لأوانه»، موضحا أن «للمسيحيين في لبنان دورهم التاريخي ولا وجود للبنان من دون وجودهم». ولفت إلى أنه «لا يمكن مقارنة الوضع المسيحي في لبنان بوضع الأقباط في مصر»، وقال: «ليست معاناة الأقباط بجديدة في مصر، وهم مواطنون درجة ثانية في مصر حتى أنهم لم يتمكنوا من تعيين بطرس غالي الذي يفتخر به كل المصريين وزيرا لأنه قبطي».

إلا أن النائب العوني سليم سلهب رأى أن «ما يتم بحثه حاليا في الاتصالات الجارية هي مواضيع تخص حزب الله وتيار المستقبل»، معربا عن اعتقاده أنه «بعد الانتهاء من هذه المرحلة سيدخل باقي الفرقاء على الخط». وأشار إلى أن «التسوية التي تبدو ظاهريا بين (المستقبل) وحزب الله ستستكمل لتشمل كل الفرقاء، فلا مصلحة اليوم لإتمام تسوية لا يوافق عليها جميع الشركاء في الوطن لأن تسوية غير مرحب بها من الفريق المسيحي أو من أي فريق آخر لن تعيش طويلا».