إسلام آباد: خلاف بين أجيال على قانون يجرم الإساءة للإسلام

المجتمع الباكستاني انجرف تجاه التطرف.. والشعور الديني ازداد بعمق في الدوائر الحكومية وداخل الجيش

المحامون الباكستانيون يتظاهرون تأييدا لمالك ممتاز حسين قادري قاتل حاكم ولاية البنجاب (نيويورك تايمز)
TT

تجمعت حشود غفيرة خلال الأيام الأخيرة دعما للقاتل الذي أمطر حاكم البنجاب بـ26 رصاصة، ووصفوا الهجوم بأنه عمل بطولي. وفوجئ الكثيرون بأنه كان معهم محامو باكستان الشباب، الذين كان ينظر إليهم من قبل على أنهم قوة تدفع من أجل الديمقراطية.

وقد شعرت الحكومة بالعجز بسبب حملتهم الحماسية دفاعا عن القاتل، بينما أغضب ذلك أصدقاء وأنصار السياسي القتيل سلمان تيسير الذي دافع عن الليبرالية وتحدى قوانين صارمة تجرم الإساءة إلى الدين الإسلامي داخل باكستان. كما أربك ذلك الكثير من المواطنين والمراقبين في الخارج، حيث كانوا يتوقعون محاكمة صارمة للقاتل. وقبل أن يظهر القاتل مالك ممتاز حسين قادري أمام المحكمة قام المحامون بإلقاء الورود عليه. وكان قادري ضمن فرقة شرطة نخبوية كلفت بحراسة الحاكم ولكنه هو نفسه من أرداه صريعا. وقد هرع المحامون للدفاع عنه يحدوهم حماس شديد. وربما يبدو ذلك على أنه تحول مفاجئ بالنسبة لمجموعة كانت تعتبر قبل أعوام قليلة طليعة حركة ديمقراطية داخل البلاد، حيث خرجوا في احتجاجات استمرت أشهرا خلال عامي 2007 و2008 تحديا للديكتاتور العسكري الباكستاني بعد أن عزل رئيس المحكمة العليا بصورة غير قانونية.

ولكن ربما يكون موقف المحامين أكثر ما يعبر عن فجوة عميقة بين الأجيال أحدث شرخا في المجتمع الباكستاني وعن التأثير الواسع للاتجاه الديني المحافظ وأعمال التسلح بين الطبقة الوسطى المتعلمة.

ويوصف هؤلاء في الأغلب بأنهم جيل ضياء، وهم الباكستانيون الذين بلغوا سن النضج في الثمانينات من القرن الماضي عندما بدأ الديكتاتور العسكري الجنرال محمد ضياء الحق يروج للدين الإسلامي في التعليم العام واستخدمه كوسيلة سياسية لتوحيد دولة فتية تعاني من انعدام الأمن.

وفي الوقت الحالي فإن القوات التي تركها على راحتها قد حظيت بقدر كبير من القوة لدرجة أنها تهدد بأن تتغلب على أصوات تدعو إلى التسامح داخل الحكومة المدنية الضعيفة الباكستانية. وبالتأكد فإنهم يمثلون تحديا مزعجا أمام الولايات المتحدة.

وقامت واشنطن بتوجيه مليارات الدولارات إلى الجيش الباكستاني من أجل محاربة الإرهاب، ولكنها غضت الطرف لوقت طويل عن جهد مدني من أجل مواجهة توسع اتجاه محافظ لا يرحم. وفي الوقت الحالي نجد أن المحافظين تسربوا تقريبا في كل جزء من المجتمع الباكستاني، بل وصلوا إلى القوات الأمنية العادية، كما تبدى من عملية الاغتيال هذه. وحقيقة الأمر لقد التزم الجيش الباكستاني بالصمت إزاء عملية القتل على نحو لافت للنظر.

ويقول حسن عسكري رضوي، وهو محلل متخصص في القضايا السياسية والدفاعية من لاهور: «بمرور الوقت انجرف المجتمع الباكستاني تجاه التطرف الديني. وقد تسرب هذا الشعور الديني بعمق في الدوائر الحكومية وداخل الجيش والشرطة في المستويات الدنيا». وأكد على أن «المستويات الدنيا تنصت إلى ما يقوله رجال الدين».

وفي الواقع فإن باكستان اليوم والإسلام الذي يؤمن به الكثيرون داخل الدولة يصعب تعريفه حتى بالنسبة للكثيرين من الباكستانيين المتعلمين الذين هم أكبر من جيل ضياء. ومن بين هؤلاء أثار من الله (49 عاما) وهو وزير سابق وأحد قيادات حملة المحامين المناهضة للجنرال برويز مشرف في الفترة بين 2007 و2008.

درس أثار من الله القانون في الجامعة الإسلامية بإسلام آباد في الفترة من 1983 إلى 1986، والدرس الأول الذي يتعلمه أي طالب في أيامه أن الحفاظ على الحياة أحد أركان الشريعة الإسلامية، بحسب ما أكده.

ولكن إبان الجنرال ضياء في الثمانينات بدأت الحكومة دعم محاربين إسلاميين في الحرب ضد الاحتلال السوفياتي داخل أفغانستان والسيطرة الهندية داخل كشمير، وأجريت تعديلات على المناهج من أجل الحض على الجهاد. ويشير أثار من الله إلى أن طريقة تفكير الطلاب والخريجين تغيرت بسبب ذلك. ويظهر هذا التغير بين 1000 محام من العاصمة الباكستانية إسلام آباد ومدينة راولبندي المجاورة الذين أكدوا على دعمهم للدفاع عن قادري المتهم بالقتل والإرهاب.

ويتزعمهم راو عبد الرحيم (30 عاما) الذي أسس «منتدى للمحامين» يدعى «حركة الدفاع عن كرامة النبي» في ديسمبر (كانون الأول). ويقول إن هدف هذا المنتدى مواجهة حملة تيسير الرامية إلى تعديل قوانين تجريم الإساءة للإسلام، والتي تنص على عقوبة الإعدام لمن يدان بالتعدي على رسول الإسلام.

وخلال مقابلات أجريت معهم أكد عبد الرحيم وستة من زملائه على أنهم ليسوا أعضاء في أي حزب سياسي أو ديني وأنهم يعملون بشكل مستقل ويهتمون فقط بحكم القانون.

وتخرج هؤلاء في جامعات باكستانية مختلفة، ويؤكدون على أنهم ليبراليون وليسوا محافظين متدينين. وحصل واحد منهم فقط على دورة دينية. ويقولون إنهم جميعا شاركوا في احتجاجات المحامين عام 2007 و2008، وإنهم يشعرون بالفخر لأن الحملة تمكنت من إعادة رئيس المحكمة العليا إلى منصبه.

ولكنهم دافعوا بقوة عن قادري، ويقولون إنه تصرف بمفرده بسبب مشاعر دينية سيطرت عليه، ويؤكدون على أنه لم يخبر أحدا من زملائه الحراس بخططه مسبقا. وينبهون إلى أنه بريء إلى أن تثبت إدانته، وأنهم نجحوا بالفعل في منع الحكومة من تغيير مكان إقامة الدعوى.

وبمعتقداتهم الدينية الراسخة وبحماسهم والتزامهم بقوانين تجريم الإساءة للإسلام، فإنهم بعيدون كل البعد عن الجيل القديم من المحامين والمسؤولين عن تطبيق القانون.

وقال مسؤول سابق كان يعمل في إحدى هيئات تطبيق القانون بعد أن رأى المحامين يحتفون بقادري: «شعرت بأن هذا مجتمع مختلف، يوجد تفسخ داخل المجتمع».

وأشار المسؤول الأمني السابق، الذي عمل في محاربة أعمال التسلح وطلب عدم ذكر اسمه بسبب عمله، إلى أنه خلال أربع ساعات فقط من عملية القتل أرسل 2500 شخص رسائل دعم للقاتل قادري على صفحات بموقع «فيس بوك». ومنذ ذلك الحين والتجمعات الحاشدة دعما له ولقوانين تجريم الإساءة للدين الإسلامية مستمرة.

ويقول نجم سيثي، وهو محرر سابق بـ«ديلي تايمز» وهي صحيفة يومية ليبرالية كان ينشرها تيسير، إنه مما يعزز الاتجاه المحافظ فجوة طبقية بين الطبقات العليا الثرية والعلمانية والطبقات الدنيا والمتوسطة المتدينة بقدر أكبر. ومع نمو الطبقة المتوسط يزداد المحافظون داخل باكستان.

* خدمة «نيويورك تايمز»